بقلم الروائى ربيع مفتاح قراءة فى ديوانى : وحدك تبقى صلاة يقينى و " ومازلت أمشى على الماء " للشاعرة العمانية سعيدة خاطر الصورة الفنية أو الصورة الشعرية كما يطلق عليها بعض النقاد هي أهم مقدرة فينة يمتلكها الشاعر وهي تتوالد نتيجة تعانق الخيال مع الفكر كما أنها مكمن النقاء الجمالي بالمعرفي وبوتقة إنصهار الحسى مع الذهني . وهل منا من لا يذكر هذا التوالد الصوري في قصيدة "جبل التوياد" التي كتبيها شوقي على لسان قيس في مسرحية "مجنون ليلى " والتي يقول فيها : جبل التوياد حياك الحيا وتقي الله صبانا ورعى فيك ناغينا الهوى في مهده ورضعناه فكنت المرضعا إن ملكة التصوير هنا قد أحالت الجبل إلى مرضع حان ، ومن ثم استدعت الصورة مجموعة من التأويلات المتعددة في اشعاعاتها الجمالية و المعرفية والتي انطلقت مع تشكيل الصورة في ديوان "وحدك.... تبقى صلاة تقيني " للشاعرة سعيدة خاطر الفارسي يباغتنا هذا التشكيل الصوري منذ البداية فالعنوان ثلاثية تضم الحبيب والصلاة واليقين ، هذه العناصر الثلاثة قد شكلت اللوحة فالحبيبة تصلي ليقين واحد هو الحبيب ، ومن ثم يأتي التأويل ثريا ومتعدد بمثاية الإشعاع المتولد بفعل التشكيل الصوري ، وليست التقنية وحدها هي منبع توليد الصور الشعرية المؤثرة - لكن – السر يكمن في هذا الصدق الغني يقول الناقد أنور المعداوي "الصدق الشعوري هو الذي يدفئ برودة التمثال وينطق صمت الصورة ، هذا الصدق بالنسبة لجسم الفن هو الروح ، والروح في الفن هو ذلك اللهب المتوهج الذي يحمل إليه الدفء من موقد الحياة وينتقل إليه الضوء من مشعل النفس " من قصدية "عندما يأتي" : متى جئت لا تخبر الشامتين بأنك وجه الربيع الضحوك وأنك خفت بحور الزمان تحاذر لكنهم عرفوك أتيت مسيما يسير على الماء وقع خطاه بذور المحبة في كفه حقول سقاها نبع دماه تقايض عشقا بشوك الذنوب سموت بهم كلما جرحوك لتبذر حبا وتغرس حبا وتنشر حبا وإن شنقوا الحب أو صلبوك لقد حولت عناصر الصورة الحبيب إلى مسيح ولم يفلح تخفيه فقد عرفه الآخرون ومع ذلك فإنه يبذر الحب ويغرسه ويقايض العشق بشوك الذنوب هذا الظهور والتخفي وهذه التضحبة لقد قدمت الصورة الحبيب في صورة متفردة لا يستطيع آخر أن ينافسه فيها ، كما أنها نقلت لنا مشاعر الحبيبه من خلال لغة فينة . اكتسبت فيها الألفاظ شحنتها الجمالية من خلال السياق المكون لصورة الحبيب الذي يشحن بالجراح وهو يسمو بالآخرين ومن قصيدة "وحين أحبك " : حين أحبك لا يبقى من الصلصال تشكيل سوى الدهشة تباغتني تعيد بهاء تكويني فتجري جداول الاحساس و الرعشة آلاف من القبل تموج بها شراييني مزيجا رج بالعسل عليه تغذى جوع العمر يخضر طينة الحرمان والدهشة لقد تكونت عناصر الصورة بالترتيب الآتي : صلصال --- تشكيل--- دهشة ---- إعادة تكوين --- احساس ورعشة ---- شرايين ممتلئة بالقبل ومزيج رج بالعسل – اخضرار طينة الحرمان إن هذا التشكيل يذكرنا ببداية الحياة ، فتشكيل الصلصال لم يتحول إلى انسان إلا بفعل الحب ، الحب هو الروح ، الحب يعيد التكوين الإنسان ويحول الطين إلى خضرة . إن هذا التحول العظيم بمثابة خلق جديد ، فهذه الصورة الكلية تشي بتأويلات عديدة ومن ثم لا تأويل بدون تشكيل ، تتدفق الصورة بإشعاعات جمالية وفكرية محورها الصدق الشعوري ، لقد نجحت الشاعرة في جعل الحب فاصلا بين الموت و الحياة ، بين السكون والحركة ، بين العدم والوجود ومن قصيدة "أربعاء" ياحبيبي ليس في المقهى سوانا والزمان والمكان وعيون ملء هاتيك الزوايا لهفة البوح والأسرار ثم تفتسم الهفاء ياحبيبي ياشعاعات من مصابيح السماء ياانتشاء يتندى من عطور الأربعاء تبدأ الصورة بنوع من الخداع اللفظي ياحبيبي ليس في المقهى سوانا و الحقيقة أن المقهى يكتظ برواده الذين يشغلون كل الزوايا – لكن – الحبيبة تنفصل تماما عن الآخرين لا نشعر إلا بوجود الحبيب وهي لا تشغل نفسها بهم ، فهم مشغولون أيضا ، يقتسمون الأسرار والهناء ، إن عطر الأربعاء يتحول إلى انتشاء وإلى شعاع من مصابيح السماء ، صورة تتوحد فيها الأرض مع السماء وتصل بالحب إلى قدس أقداسه ، وذلك من خلال لغة بسيطة وملائمة تستطيع التعبير عن أرق الأشياء من الواقع وهي ذات مقدرة وصفية هائلة و لغة تتسم بالحيوية والاشراق في تصوير الحب وعلاقته بالحياة ومن قصيدة "كن عاشقا " ياسيدي كن عاشقا واشعل مصابيح الحوار لا .... لا تقل للصمت مائدة اللغات فتلك فتوى الإحتضار من صوتك الخصب المعطر تنمو حواسي غاية حبلي بأصناف البهار ياسيدي وهج الفساء حواسها الرقراقة الخجول البتول فافهم صدى شفراتها وأقم صلاة الانبهار الصورة هنا صورة انشطارية ، القسم الأول من الصورة ... العشق / الاشتعال / الحوار / الخصوبة / النمو / الوهج / صلاة الإتبهار أما القسم الثاني .. الصمت / فتوى الأحتضار وتشعل الحواس وتضئ المصابيح ، إنها حالة الذي يؤدي إلى الاحتضار ، صورة مركبة تختزل العالم في لحظة عشق ، فيها لون المصابيح ، ورائحة العطر وطعم البهار ، تنفجر الدراما بوجود الصراع بين العشق والممات وجاءت الأفعال ، كن / أشعل / لا تقل / أفهم / تحول الصورة من السكون إلى الحركة ومن قصيدة "لماذا... " ؟؟ لماذا لماذا افترشت من العين كل الزوايا وأجرت قلبي وكل حواسي مرايا تحاصر نبضي وتكشف دربي تسخرنى مثل عبد أمين ورغم شجوني ورغم أنيني رفعتك تاجا يضء جبيني ولو بتقول انس وجن ويخلف وعد ويصدق ظن أكذب أهلى ونفسي أكذب قلبي ..... ووحدك وحدك تبقى صلاة يقيني نستطيع أن نقسم الصورة هنا إلى ثلاثة محاور المحور الأول : الحبيب ، المحور الثاني : الحبيبة ، المحور الثالث : الآخر المحور الأول وهو الحبيب الذي أجر القلب والحواس وافترس كل الزوايا وحاصر النبض بل وأصبح يمارس الهيمنة والسيطرة وتسخير الحبيبة المحور الثاني : وهو الحبيبة التي رفعت جبيبها فوق جبيبنها رغم شحوبها وأنينها وألمها وقد صدقت الحبيب وكذبت كل الناس المحور الثالث : الذي يشكل فضاء اللوحة هو الآخر المتمثل في الانس و الجن والناس والاهل . الذين يتقولون ويتسع التشكيل هنا إلى كثير من التأويلات وهل بدأت الحبيبة بسؤال استنكاري لماذا ؟؟ فهل هذا السؤال كانت تعرف اجابته لأنه لم يتبق في حياتها سوى هذا الحبيب لقد جاءت الصور في معظم القصائد مثل الفاكهة الطازجة المقطوفة توا من الشجرة ، وجاءت اللغة مألوفة وأنبقة ومليئة بالثراء ، ولا توجد تعبيرات مكرورة مبتذلة لقد حفرت الشاعرة بعمق من أجل الوصول إلى لغة خاصة بها ومن ثم استحوذت على وجداننا فى ديوانها الجديد " مازلت امشى على الماء " تحاول الشاعرة من خلال نسيج ابداعى متميز معالجة قضايا المرأة معالجة شعرية راقية ويبدو ذلك جليا من بداية ديوانها . تستشهد الشاعرة فى مدخل الديوان بعبارة أحد كبار الفلاسفة وهو نيتشه : " المرأة لغز كبير مفتاحه كلمة واحدة هى الحب " وأيضا بالمثل الهندى " البيت ليس حجارة . البيت امرأة " وقد جاءت هذه الكلمات لتشكل عتبة مهمة للولوج فى قصائد هذا الديوان الذى ركز على العلاقة بين المرأة والرجل بكل مافيها من حب وعشق . وفراق ولوعة وتمرد وتوحد وسعادة وشقاء وحزن ويأس وأمل . فكل مفردات الحياة الإنسانية تستوعبها هذه العلاقة الرجل والمرأة . المرأة زوجة وحبيبة وعشيقة وأم وأخت وصديقة فى قصيدة مشاهدة : أراك وأن جفف الحلم قناديله وأطفأ فينا فتيل الحواش ستبقى ضيائى وأبقى ضياك مع هذه الصورة الشعرية الرائعة ومع جفاف الحلم وانطفاء الفتيل يظل الرجل ضياء المرأة والمرأة ضياءه إذا كانت الرواية قد نجحت كجنس أدبى فى وقتنا الحاضر أن تهتم بقضايا المرأة وخاصة فى علاقتها مع الرجل وقد اتجه كثير من النقد إلى مايسمى بالأدب النسوى فإن الشعر لايقل قدرة على معالجة تلك القضايا ولكن من منظوره كجنس أدبى عربى أسبق من الرواية وله جمالياته الخاصة والمعروفة وفى ديوان " مازلت أمشى على الماء " استطاعت الشاعرة أن تطرق قضايا معرفية وجمالية ضرورية وشائكة . وبعيدا عن التصنيفات والدخول فى اختلافات جديدة حول مفهوم النسوية فقد احتشد الديوان بهذه الظاهرة " التركيز على هموم المرأة وعلاقتها بالرجل " . وفى ملحمة عشتار لم يعرف انكيدوا معنى الخلود إلا بعد امتزاجه وانصهاره بالمرأة وتوحده معها ونفس المعنى نطالعه فى احدى قصائد الديوان . حين جاءت المرأة رمزا للخلود : لاترقص على سكاكين الوجع فلست نبيا ولست الولى أنا الجمرة والخمرة إليك .....فإشربنى تنجو من غمرات النسيان ومن ثم اقترن الخلود بالمرأة واقترنت المرأة بالخلود وهذه إحدى الثيمات الأساسية فى الديوان والتى يوازيها مجازيا وشعريا المشى على الماء