الميلاد زمن الفرح والرّجاء العظيم الممتدّ من الأزل إلى الأبد. وسرّ التّجسّد الإلهي هو سرّ الفرح الّذي يبحث عنه كلّ إنسان حتّى وإن كان يُنشد فرحاً أرضيّاً. إلّا أنّه يعلم في داخله أنّ هذا الفرح الأرضي لا يروي عطشه إلى الفرح الأعظم وأنّه مهما كان من فرح وسرور لن يصل به الأمر إلى الاكتفاء الكّلّيّ والتّام. فالفرح الأرضيّ لا يتعدّى كونه فرحاً آنيّاً ذلك لأنّه مرتبط بظروف وأشخاص. ولا يستطيع الإنسان أن يتحكّم بهذا الفرح الأرضي إذا ما واجهه حزن أو شدّة أو ألم، وسرعان ما سيرزح تحت وطأة الضّيق وتغلبه الأحزان، فيمّحي وينطفئ. وأمّا فرح الله، فهو ذاك الّذي لا ينتهي ولا يزول. يتملّك قلب الإنسان فيحصّنه ويقوّيه فتستحيل الشّدائد والصّعاب مجرّد خبرات في الحياة يقرأ من خلالها الفكر الإلهي ومشيئته، ويتأمّل مقاصده وغايته. كتب بولس الرّسول رسالته المفعمة بالفرح والبهجة إلى أهل فيليبي وهو في السّجن. وكلّنا يعلم الصّعوبات الّتي مرّ بها القدّيس بولس من أجل المسيح، ولا نفهم معنى الفرح الّذي يسكنه رغم كلّ الضّيقات إلّا من خلال إيمانه العميق بيسوع المسيح. " إفرحوا دائماً بالرّبّ، وأقول أيضاً: افرحوا. " ( فيليبي 4/4). وفي ( 2 كور 10:6) نغمة فرح متصاعدة تترجم شعلة الغبطة والسّرور المضطرمة في قلب بولس، لا سيّما في قلب كلّ مؤمن أسر المسيح قلبه: " يحسبنا الناس كاذبين ونحن صادقون، مجهولين ونحن معروفون، مائتين وها نحن أحياء، معاقبين ولا نقتل، محزونين ونحن دائماً فرحون، فقراء ونغني كثيراً من الناس، لا شيء عندنا ونحن نملك كل شيء." من لبس المسيح لبس الفرح وشعّ غبطة وجذلاً ونقل الفرح للجميع وبشّر به. بشّر الملاك جبرائيل ذكريّا بولادة يوحنا وقال له: " لا تخف يا ذكريّا، لأنّ الله سمع دعاءك وستلد لك امرأتك أليصابات ابناً تسمّيه يوحنا. وستفرح به وتبتهج،... ( لوقا 14،13:1). وبشّر الملاك مريم قائلاً: " لا تخافي يا مريم، لقد نلت حظوة عند الله. فستحبلين وتلدين ابناً تسمّينه يسوع، فيكون عظيماً وابن العليّ يدعى... ( 23،30:1). " لا تخافوا! فها أنا أبشّركم بفرح عظيم يكون لجميع الشّعب: أنّه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرب." ( لوقا 11،10:2). "ستحزنون لكنّ حزنكم يصير فرحاً" ( 20:16). " حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم: " هكذا هو مكتوب، وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث، وتعلن باسمه بشارة التوبة لغفران الخطايا لجميع الأمم، ابتداء من أورشليم. ( لوقا 47،45:24). إنّها نغمات الفرح المنبعثة من الإنجيل المقدّس، البشرى السّارة وكلمة الله الحيّ لجميع الشّعوب. الله فرح وحضوره في العالم فرح لجميع الشّعوب وسعادة حقيقية تسكن الإنسان فيعي قيمته الإنسانيّة وكرامته في عينيّ الرّبّ. إنّ مشيئة الرّبّ هي سعادة الإنسان، وأرسل ابنه الوحيد فرحاً للبشريّة كلّها ينزع عنها شقاءها ويرفعها ويسمو بها إلى مجده السّماويّ. وإذ نصلّي قائلين: لتكن مشيئتك"، فنحن نثق أنّ الرّبّ يريد بنا خيراً وسعادة وفرحاً. فلنفرح كلّ حين بالرّبّ، ولنبتهج بحضوره فينا ولنجذل إذ لنا ربّ ليس مثله، وحده الّذي يليق به كلّ مجد وإكرام، الآن وكلّ أوان وإلى دهر الدّاهرين. أمين.