سميرة بنت صغيرة.. شقراء جميلة ومثل دمية.. وكانوا يشبهونها بالدمية.. لكنها أبداً لم تحصل على دمية.. وكلما طالبت أمها بأن تأتيها بدمية ترد عليها قائلة: - سأشتري لك دمية عندما نذهب الى السوق. ومرت فترة طويلة ولم تذهب الأم الى السوق.. فالحي القديم في القدس محاصر ومعزول، لا احد يدخل اليه أو يخرج منه.. إلا أن أم سميرة حصلت على تصريح لزيارة أقربائها في حي آخر. قالت لسميرة الصغيرة: - ستلبسين ثوبك الصوفي الأحمر.. ومعطفك الأبيض.. فالدنيا برد.. وستذهبين معي الى خالتك. سألت سميرة ذات السنوات الأربع: - وهل سنشتري الدمية؟ لم ترد الأم.. فالسوق بعيد.. وهي لا تملك النقود لأن والد سميرة قد غاب منذ أيام ولا تعرف عنه شيئاً.. هل التحق بالمقاومين أم ذهب الى أقاربه في رام الله ليهيىء مسكناً لأسرته: الأم، وسامر، وسميرة بعد أن حرمه الإسرائيليون من عمله في القدس؟؟ وماذا يعمل هذا الأب؟ ليس أكثر من مستخدم في دكان لبيع التحف والأثريات للسياح.. ينظفها، ويضعها بأشكال جذابة.. وإذا كانت هذه التحف معدنية او فضية فهو يلمعها، ويعلقها بشكل يلفت الأنظار. آخر مرة فقد صاحب الدكان عدداً من هذه التحف بعد أن زارته مجموعة كبيرة من السياح اليهود.. ربما سرقوها أو ربما لم يستطع التفاهم معهم بالعبرية او الإنكليزية فأخذوها مع ما أخذوا بثمن قليل. الحاج نعيم لم يتهم أحداً.. أبو سامر إذن ليس متهماً ولا مذنباً.. لعله كان مقصراً في الانتباه لما حدث.. ولكن هذا الذي حدث. وبما أنه أي أبو سامر وسميرة كان قد ضاقت به الحياة في القدس لأن الربح قليل والمعيشة صعبة للغاية فقد قرر الذهاب الى أقربائه في رام الله. فرحت سميرة فرحاً شديداً بذهابها مع أمها وخصوصاً أن سامر سبقهما الى هناك حيث ستذهبان عند خالتها. وأخذت تقفز وتزقزق مثل عصفورة بعد أن مشطت شعرها، وعقدته بشريط ملون، وارتدت ثيابها الجميلة. سألت أمها: - هل سنشتري الدمية؟ قالت الأم: - سنمر على السوق لنسلّم على العم نعيم. ولم تقل لها إنها ستشتري لها الدمية. لكن سميرة ظلت فرحة.. فالسوق يعني شراء الدمية. عندما اجتازت الأم الحاجز العسكري الإسرائيلي وهي تمسك بقوة على يد سميرة وتجيب عن كل الأسئلة شعرت سميرة بالخوف، والتصقت بأمها.. ليتها تعود الى البيت.. أو ليت أمها لم تأخذها معها وتركتها عند الجيران. ولكن لا.. كيف ستحصل على الدمية إذن؟ ولاحت لها صورة الدمية ترتدي ثوباً أحمر.. وعطفاً أبيض.. وقبعة وحذاء.. دمية تشبهها بعيونها الزرقاء وشعرها الأشقر على أطراف القبعة. ولما وصلت الى دكان الحاج "نعيم" كان مصفر اللون.. يسعل سعالاً قوياً. سأل الأم عن زوجها، وتمنى لها التوفيق ، ومد يده الى درج واطىء فأخرج إسورة من الصدف البراق، وقال: - هذه هدية مني لسميرة.. الحلوة الصغيرة. فأخذتها سميرة مندهشة، وبدأت تضعها في معصمها عندما بدأ الرصاص من بعيد مع أصوات المتظاهرين. أسرعت الأم خطواتها.. اقتربت الجموع منها أكثر وأكثر. سميرة تفلت من يد أمها.. تصرخ بها: - لا تتركي يدي يا سميرة.. وأسرعي في المشي مثلي. ولكن سميرة كانت تتأكد من أن الإسورة في يدها.. وفجأة يدفعها جندي إسرائيلي وتسقط على الأرض.. تنتشلها الأم، وتمسك بذراعها بينما تصرخ سميرة: - الإسورة.. الإسورة.. ولم تنتبه الأم الى أن الإسورة الصدفية سقطت.. كل همها أن تصل الى تلك الحارة الضيقة الخالية..إلا من الجنود الإسرائيليين. ولما وصلت.. أخذت تمشي بهدوء وسميرة تبكي بكاءً شديداً. وفي لحظة وبينما هي تنظر الى الجندي الإسرائيلي الذي أشار إليها أن تقترب ضاعت منها سميرة. تلفتت حولها بذعر فوجدتها تركض نحو زاوية في الحارة فيها أشياء غير واضحة. نادت بأعلى صوتها: سميرة.. سميرة. لكن سميرة لم ترد فقد عثرت على دمية جميلة قرب الجدار.. شقراء.. وذات عينين زرقاوين.. وترتدي الأحمر والأبيض . أمسكت بها بفرح وهي تناديها: يا دميتي.. يا دميتي.. أين كنتِ؟ وما أن حاولت أن تضمها الى صدرها حتى انفجرت الدمية. لقد كانت قنبلة على شكل دمية.. ومثلها كثير من الألعاب القاتلة التي يضعها الإسرائيليون أفخاخاً لاصطياد الأطفال العرب.. وكذلك الحلوى السامة لإيذائهم. الأم تولول وتهجم على سميرة لإنقاذها.. لكن سميرة أصبحت كتلة حمراء. تصرخ الأم طالبة النجدة والإسعاف.. يختفي الجنود من أمامها.. تصبح الحارة فارغة إلا من سميرة الصغيرة وأمها. وتناثرت أجزاء الدمية.. لم يبق منها سوى حبتين من الخرز الأزرق كانتا عينين شيطانيتين اختطفتا روح سميرة الصغيرة. يا دمية الشر والموت.. أي أيدٍ آثمة صنعتك؟.. بل وأية قلوب حجرية وضعتك ليأخذك أطفالنا؟ * * *