أصدقائي زوار معرضي الإلكتروني، لا توجد صورة لعمل فني مرفقا بهذه الرسالة، ذلك لأني لم أقم بأي عمل فني علي الاطلاق في الفترة من 1983 وحتي عام 1987 ، لقد كنت في أجازة هانئة طويلة بعيدا عن الفن، أجازة فرضتها علي الطبيعة الساحرة التي قضيت في أحضانها أربع سنوات، كنت خلالها أقيم في وسط مجتمع يعيش افراده في وداعة وسلام مع النفس ومع الطبيعة، التي لم تمتد اليها يد الانسان بالتلويث والتخريب بعد. يبدو أن الله قدر مكافأتي بعد سنوات من العمل الشاق بواشنطن، اذ نقلت للعمل بولنجتون (عاصمة نيوزيلنده) اكثر العواصم بعدا جغرافيا من القاهرة، فكانت نقلة مثيرة و مدهشة، من الصخب والحركة التي لا تهدأ الي الهدوء والسكينة. بهذه المناسبة، أذكر أن كاتبنا الكبير الأديب الفنان توفيق الحكيم كتب في صدر كتابه ( يوميات نائب في الارياف) يقول " لماذا أدون حياتي في يوميات؟.....ألأنها حياة هنيئة؟....كلا ان صاحب الحياة الهنيئة لا يدونها، وانما يحياها" ...........علقت تلك العبارة ببالي ولم أدرك معناها الحقيقي الا عندما وطئت قدماي الجزر النيوزيلندية، فعندما عينت نائبا لرئيس البعثة في ولنجتون، واستقر بي المقام بها، عرفت أنها فترة هنيئة لي ولأسرتي......أتاح الله لنا أن نحياها، علي علي نحو ما ذكر توفيق الحكيم. لقد استحوذ استمتاعي بالبيئة الطبيعية والبشرية في تلك البلاد علي كل طاقاتي في أوقات فراغي، بالاضافة الي أن ولنجتون لا يوجد بها نشاط فني له وزنه، فلا توجد مثلا قاعات لعرض الاعمال الفنية، والمبدعون في نيوزيلنده لا يجدون مجالا لنشر وعرض ابداعاتهم داخل بلدهم، لذلك يهاجرون الي بلاد ما وراء البحار، الي استراليا، المملكة المتحدة، الولاياتالمتحدة، وفي تلك البلاد يبرزون فتجدهم من بين مشاهير الموسيقيين والممثلين والفنانين التشكيليين.....الخ. لقد حبي الله نيوزيلنده جمال الطبيعة بكل اشكالها والوانها، بحرا وجبالا وسهولا وخلجانا ومضايق، وحماها أيضا من شرور كثيرة فلا توجد في غاباتها وأحراشها حيونات مفترسة علي الاطلاق، فلا دببة أو ذئاب أو ثعالب....الخ، وكذلك لا توجد زواحف مثل الثعابين السامة كانت أم غير سامة، فيمكنك التجول في الجبال والغابات والبيات في العراء دون خشية التعرض للأذي. كما أن الظروف المناخية معتدلة صيفا وشتاء، أضف الي كل هذا مجتمعا آمنا يكاد يخلو من الجريمة، اذا تركت بابك غير موصد فأنت آمن لن يدخل أحد دون أذنك، اذا ترك عامل البريد طردا بريديا أمام باب منزلك فلن يسرقه أحد مهما كانت قيمته. تمشي في الشوارع المقفرة من المارة في أي ساعة من ساعات النهار أو الليل، أو تسلك الدروب في الجبال دون خوف أو خطر يتهددك.........انها أقرب شيئ الي المجتمع المثالي في عالمنا. لم يكن أمامي سوي الاستمتاع بالطبيعة ، أقف أمامها في خشوع، طبيعة جعلتني عاجزا حتي عن محاكاتها في رسوم سريعة، واكتفيت بخزن هذا الجمال في ذاكرتي واجترار تلك الخبرة بداخلي، لقد تذكرت ما أورده الفنان سعد الخادم في كتابه عن فناننا العظيم محمد ناجي وكيف أنه عندما نقل من مصر الي البرازيل بهرته الطبيعة المختلفة عن طبيعة وادي النيل، فطفق يتأملها ويستوعبها الي درجة أنه طوال خدمته بالبرازيل لم يرسم سوي عدد محدود من الرسوم. شيئ من هذا القبيل كان حالي في نيوزيلنده، التي استمتعت فيها باجازة مستمرة وطويلة بعيدا عن هموم الفن ومتاعبه، من عام 1983 وحتي عام 1987. وإلي الملتقي في الرسالة التالية باذن الله.