سقط من كتاب كليلة ودمنة قصة لم يذكرها « بيدبة الهندى» مؤلف الكتاب الشهير .. انه كانت هناك محاكمة لحمار أفسد الغابة ولوثها بروثه وشوه أشجارها بعد أن أكل الأوراق وترك الأغصان عارية لتموت .. فلم تجد العصافير لونا اخضر تغنى له ولم تجد السناجب والغزلان شيئا تأكله .. وأصبحت الغابة الجميلة التى كانت حديقة غناء ترزح تحت ظلم وحماقة الحمار وجماعته من الحمير الذين استولوا على مقدرات الغابة واختصوا بها أنفسهم بعد أن كونوا لهم جماعة من الخنازير الانتهازيين الذين وجدوا فى روث الحمار وجماعته من الحمير وجبات يأكلوها وهم راضون مغتبطون مسرورون وشجعوا الحمار على أكل المزيد من أشجار الغابة وتدمير الأغصان وأكل الأخضر واليابس حتى يكثر الروث وتمتلئ به الغابة وهو ما كان يشجع عليه أنصار الحمار من جماعة الخنازير فكلما كثر الروث والفضلات امتلأت بطون الخنازير وانتفخت فكان فى ذلك مصلحة كبرى لهم ولجماعتهم .. كل ذلك كان على حساب نظافة ونزاهة الغابة وسكانها الأشراف الأحرار فقد عم الفساد والتخريب على أيدي جماعات الحمير والخنازير .. حتى أن الزرافات والأفيال كانوا لا يجدون ما يأكلون ، أما الغزلان فقد اتخذت لها مكانا بعيدا فى انتظار أن يأتي الله بفرج وتتخلص الغابة من التلوث والخراب والروائح الكريهة التى أتى بها الحمار وجماعته من الخنازير .. وفى ليلة شديدة البرودة هبّت الغابة كلها وثارت فى وجه الحمير والخنازير وارتفعت الأصوات منادية برحيل الحمار الأكبر وطرد الخنازير من الغابة .. وقد حاول الحمار الاستعانة بالأسود لتخويف الثائرين فى الغابة .. لكنهم لم يسمعوا له وقبضوا عليه وشاركوا سكان الغابة وساعدوهم على التحرر من ظلم الحمار وجماعته وساعدوهم فى تنظيف الغابة من التلوث والخراب الذى أحدثه حكم الحمار وجماعته من الخنازير والذين تم خلعهم ليحاكموا أمام كل سكان الغابة .. أما الغريب فقد فوجئ الجميع بأن الذئب الأغبر قد ظهر فجأة ليدافع عن الحمار بعد أن تخلى عنه كل أعوانه .. أما الأكثر غرابة فإن هذا الذئب والذى كان لا يأكل إلا الجيف من فضلات حيوانات الغابات المجاورة وقد ملأ بطنه بطعام الخيانة والخسة والعار حيث كان دائما يدافع عن أعداء الغابة من الحيوانات التى كانت تتسلل للتجسس وإثارة الفتن حتى لقب بالذئب الأغبر الذى يدافع عن الجواسيس.. لم يراع الذئب الأغبر أى نوع من الانتماء لغابته المظلومة فقد كان كل همه أن يملأ بطنه باللحم الحرام ويشبع غريزته الانتقامية وشهوته الافتراسية ليعوّض النقص الذى حل به بعد أن خانته ذئبة زرقاء أيام فترات شبابه فحقد على الغابة كلها وأصبح نصيرا لأعداء بنى جلدته وكل سكان الغابة التى يعيش فيها. لقد كان الذئب الأغبر يعلم مدى كراهية كل سكان الغابة له فأرا دأن يغضب الجميع ويرضى شهوته الانتقامية وحقده على مجتمع الغابة بأن قال إنه لا يحق لكم محاكمة الحمار فهو البطل المغوار الذى أسس الأمن والاستقرار لكل سكان الغابة من الفأر حتى الفيل .. ولم يكتف الذئب الأغبر المطعون فى شرفه والمشكوك فى ذئبيته بكل ما قاله بل انه دعا الجميع لأن يقدموا التحية والاحترام للحمار لأنه لا يزال القائد لهذه الغابة وعندما قال ذلك ضجت الغابة بالغضب وكادوا يفتكون بالذئب الأغبر لولا تدخل طائر أبو منجل رمز العدالة فى الغابة والذى قال فليأخذ الذئب فرصته فى الدفاع عن الحمار وابنه الجحش الأبيض الذى كان يهز ذيله فى استخفاف وغرور فقد قال الطائر الحكيم أبو منجل اتركوا الذئب يعوى كما يشاء لكن فى النهاية ستكون العدالة وسيرتفع ميزان الحق وسيأخذ كل سكان الغابة حقوقهم .. وأكد الطائر الحكيم أبو منجل أن عواء الذئب لا يخيف العدل ولا يقف حائلا دون تنفيذ العقاب والقصاص من كل الذين أخطأوا وارتكبوا الجرائم فى حق سكان الغابة المظلومة .. أما طائر مالك الحزين الذى كان يدافع عن حقوق أهل الغابة المظلومين فقد ذكّر سكان الغابة بما كان يفعله الجحش الأبيض ابن الحمار وأمه الأتان ذات العيون الزرقاء الذين كانوا يعاملون كل سكان الغابة باستخفاف واستعلاء ظنًا منهم أن كل شئ أصبح ملكا لهم ولأعوانهم من الخنازير فقد كانت الأتان الأم تشجع ابنها الجحش على البرطعة والنهيق فلا شئ يهمه ولا يعنيه احد. فقد كان ينظر الى نفسه على انه وريث أبيه فى الاستيلاء على مقدرات الغابة بعد والده الحمار الكبير .. لكن ثورة أهل الغابة المظلومين أطاحت بأحلام الجحش الصغير ونبذوه مع أبيه وأمه الأتان وتحفظوا عليهم على أطراف الغابة فى انتظار ما سيقرره الحكيم طائر أبو منجل فى حق هؤلاء إما بالطرد من الغابة وإما تسخيرهم للعمل فى الأشغال الشاقة جزاء لما اقترفوه فى حق سكان الغابة المظلومة .. أما الذئب الأغبر الذى يدافع عن الظلمة والظالمين والذى يناصر الطغاة والجبارين. فالجواسيس والخونة أصدقاؤه وأعداء الغابة أولياؤه فانتماؤه لمن يملأ بطنه بلحم الجيف وفرائس الخيانة .. هذا الذئب يا سادة بدأ حياته فى الدفاع عن البغايا من حيوانات الغابة حتى لقب بالذئب « الزفر» آكل اللحوم النتنة .. وهو الآن ملقب بالذئب الأغبر المدافع عن الحمار الأكبر.