في سياق المواجهة القواتيّة - العونيّة التي تجدّدت لدى عودة رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون من باريس وتمثلت بتنافس الطرفين في الانتخابات النيابيّة، استمرّ هذا التنافس حاداً ولم يُسجّل أيّ تقاطع بينهما الّا بعد انتخاب البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي رعى إنشاءَ لجان ضمّت «قواتيين» و«عونيين» وغيرهما للبحث في قضايا المسيحيين. ولكنّ هذا التقاطع بقي مركّزاً على الجانب الاداري المتصل بالقضايا العقارية ووضع المسيحيين داخل الدولة وبيع الأراضي والوضع الديموغرافي وغيره. فهل يصلح الاستحقاق الرئاسي ما أفسده "عطّار" القانون الأرثوذكسي؟ وهل ستستعيد اللقاءات المسيحيّة - المسيحيّة زخمها مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسيّة؟ وهل اتفاق المسيحيين على مرشّح رئاسي سيمكنّهم من تسويقه لدى حلفائهم المسلمين؟ وهل يقوّي هذا الاتفاق، في حال حصوله، موقع رئاسة الجمهورية؟ وهل يشكّل اتفاق المسيحيين مقدّمة لزوال الشكوى من انقسامهم وتشرذمهم؟ التلاقي السياسي الأساسي والأبرز منذ العام 2005 كان حول "القانون الأرثوذكسي" الانتخابي، بحيث برز إهتمام مشترك لدى الطرفين لتحسين التمثيل المسيحي وتعزيزه بمعزل عما انتهى اليه هذا القانون، وتحميل كلّ طرف للآخر مسؤولية إدارة معركته الانتخابية. إلّا أن الأساس يبقى في أنّ "القوات" والتيار لديهما أجندة مسيحيّة قاعدتها تعزيز الحضور المسيحي بما يؤدّي الى تعزيز الوحدة الوطنيّة، ومن هذا المنطلق فإنّ القانون الانتخابي شكّل أول محطة تلاق سياسيّة جدّية قواتيّة - عونيّة. ولكن على رغم الخلاف السياسي بين "القواتيين" و"العونيين" على خلفيّة "الأرثوذكسي" كان البارز ما قاله رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع أخيراً من أنّه مستعد للتعاون مع عون لإيصال "رئيس مسيحي قوي" وبهذا المعنى رمى الأخير الكرة في ملعب عون، حسب مصدر سياسي بارز. ولكن لهذا الطرح دلالات تؤشّر الى أنّ جعجع الذي استَبعد نفسه من الترشيح للرئاسة واستبعد عون أيضاً، يريد البحث مع الأخير عن إسم مشترك يتمكنّان من خلاله تجنب الفراغ المنتظر في سدة الرئاسة الأولى. وعليه لا بدّ من طرح التساؤلات الآتية: أولاً، ماذا عن ردّة فعل عون على مبادرة جعجع؟ ثانياً، كيف سيقرأ الطرف المسلم المبادرة المسيحيية في حال توحّدها الى تسمية رئيس جمهورية؟ وهل اتفاق عون - جعجع على اسم مشترك سيقبله المسلمون؟ لا شكّ في أنّ الاستحقاق الرئاسي سيكون محطة جديدة بقاعدة جديدة على طريقة ربّما تكسر الاصطفافات القديمة وتعيد خلط الأوراق السياسيّة والتحالفات وصولاً الى تموضعات تتصّل حصراً بهذا الاستحقاق. والسؤال المطروح في هذا السياق هو: هل سيأتي الاستحقاق الرئاسي ليستكمل التصدّعات التي خلقها الأورثوذكسي داخل كلّ فريق وصولاً الى فرط هذه التحالفات؟ وكيف سيقرأ تيّار "المستقبل" أيّ اتفاق عوني - قواتي تحت عنوان رئاسي؟ وكيف يمكن "حزب الله" أن يقرأ الاتفاق نفسه؟ في ظلّ الحديث عن احتمالات التقارب القواتي العوني ومعاودة تكرار تجربة القانون الانتخابي وإسقاطها على الاستحقاق الرئاسي يبدو أنّ كلا الفريقين بدأ منذ الآن الانفتاح والتفاعل والتواصل مع قوى سياسيّة خارج تحالفاته التقليديّة على غرار اللقاءات التنسيقيّة التي تجريها "القوات اللبنانية" مع تيّار "المردة". وفي موازة ذلك فإنّ معاودة عون ترميم علاقاته مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس تيار "المردة" النائب سيلمان فرنجية، فضلاً عن اللقاءات المستجدّة بين "التيّار الوطني الحرّ" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، كلها تؤشر الى أنّ البلاد، وعلى رغم الانقسام السياسي العمودي الحاد وطنياً وسياسياً، قد دخلت في مرحلة الانتخابات الرئاسيّة. وفي المحصلة فإنّ التطورات المرتقبة في الأسابيع والأشهر الفاصلة عن هذا الاستحقاق الأساسي في المعادلة الداخليّة ستقدّم الأجوبة الشافية على كلّ التساؤلات المطروحة. المصدر: ليبانون ديبايت