في مطبخي أدواتٌ عصريّةٌ لتقشيرِ الأفكار، وتقطيعِها، وخلطِها، وشيِّها. مراتٍ، تَلْزمُني مصفاةٌ ناعمةٌ لأنقّي ذهني من العوالق وبقايا بذورِ فاكهةِ اللغة. لديَّ أيضًا ... جارورٌ يَحْفل بمفكّاتِ براغي النحو وزيتٌ من صنعِ سيبويْه؛ فإذا ما زقزقتْ مفاصلُ شبابيكِ القصيدةِ عالجتُها. قلمي نادلةٌ تسعى بين يديّ تحتفظُ لنفسها بركنٍ دافئٍ في المطبخ وبكرسيٍّ يمكن أن يصبحَ سريرا. *** تسألني جارتي عن نكهةِ كعكةٍ قدّمتُها مع الشاي: "ما سرُّها"؟: أتريدين الوصفةَ الخاصّةَ بي لتحضير طبقٍ شعريّ بنكهةِ وجعِ القرفة؟ (يمكنكِ اختيارُ النكهات بحسب الرغبة) وكذلك المكسّرات: جوزٌ.. لوزٌ.. زبيبٌ.. دموعُ أمّهاتٍ وفاكهةُ الموسم المفضّلة.. المكوّناتُ اللازمةُ لقصيدةٍ تكفي أربعةَ أشخاص: أربعة أكواب من طحين المفردات بعد نخلِه من حروفِ العطفِ والعلّة؛ كوبانِ ونصفٌ من حليبِ الأفكار الكاملِ الدسم أو نصف دسمٍ إنْ رغبتِ؛ ملعقتانِ كبيرتانِ من الإحساس؛ ملعقةٌ صغيرةٌ من خميرةِ المسوّدات؛ رشّةٌ أو رشّتانِ من فانيليا الخوف؛ ربعُ كوبٍ من زبدةِ القلق أو من عويل سيّاراتِ الإسعاف. كدتُ أنسى إضافةَ سُكّر الأمنيات. اعجني المكوِّناتِ في طبقِ صدركِ العميق، ثم اتركي العجينةَ ترتاحُ في مكانٍ دافئٍ قربَ روحِك. اطهي كعكتكِ في نيرانِ الإطاراتِ المشتعلةِ في الشارع.. حتى تمامِ النضج. المشروباتُ الغازيّة متوفّرةٌ؛ ماءٌ ترشّهُ سيّاراتُ الإطفاءِ لتفريقِ المتظاهرين، وقليلٌ من الغازِ المسيّلِ للبكاء. هل ترغبين في معرفة سرّ نضارةِ قصيدتي؟ إليكِ طريقةَ صُنع "ماسكٍ" طبيعيٍّ لتجديدِ بشرةِ وجهِكِ: اقطفي من حديقةِ بيتكِ أطفالَ النعناع. ألا تملكين بيتًا؟! هذا مؤسف. ابحثي، إذنْ، عن البابونجِ في بريّةٍ حول المدينة. تقولين إنّ الطرقاتِ غيرُ آمنةٍ والعبواتِ الناسفةَ تتربّصُ على قارعة الخروج؟! اشتري، إذنْ، بعضَ الأعشابِ من تلك البقالةِ في أوّل الحيّ. أهذه أيضًا أُحرقتْ محتوياتُها.. وأغلقَ الباقون خوفًا!؟! إذًا بعضُ المعادنِ قد تكون ضروريّةً! تبتسم جارتي: "سأجمع الطلقاتِ الفارغةَ وبعضَ الشظايا المتراكمةِ على شرفتي. هناك أيضًا طلقةٌ صفراءُ ذهبيّةٌ صافحتْ خزانةَ ملابسي". *** عفوًا، يبدو صوتُ مذياعك صاخبًا. أهي حفلةُ هيب هوب؟ جوقةُ ألعابٍ ومفرقعات؟! أتعنين أنّ هذا صوتُ المؤذّن؟ صوتُ الهتافاتِ، الرشّاشاتِ، البنادقِ الروسيّة، قذائفِ ال آر. بي. جي؟! *** ماذا تقولين؟ لا، لست منجِّمًا. لكنْ إليكِ ما يلي: ستعاودكِ الحكّةُ أسفلَ ظهرِ قلمكِ. استخدمي زيتًا مليّنًا يمنعُ التخمةَ في لهفتك. فحمُ بقايا الاحتراقاتِ قد يفيد أحيانًا ثلاثُ ملاعقَ من زيتِ الزوفا كافيةٌ للقضاءِ على إحساسكِ بالرعب.. وبالغثيان. *** نعم... صحيح سأشارك غدًا في أمسيةٍ شعريّة. نسيتُ أن أستشيركِ في أمرِ: أينبغي عليّ الجلوسُ على كرسيّ خلف الطاولة، أمام الميكرفون؟ لا؟ هذا جيّد، سأنزعُ الميكرفونَ من بطن أمه أحشو به أصابعَ يدي اليسرى. قد أجلس متربّعًا فوق الطاولة، أو أستلقي على جانبي على أرض المنصّة. قد أجلس على حافة خشبة المسرحِ وأدعُ ساقيَّ تتأرجحان ثم أقرأ قصيدتي الأخيرةَ تلك. هل تأتين؟ أنا أيضًا لا أستطيعُ عبورَ المدينةِ إلى المركز الثقافي؟! هل تمزحين؟ هل أعلنوا حظرَ التجوال؟ والقصيدةُ التي طهوتُها اليوم!؟ *** ينتابني دوارٌ حادٌّ ثمة حمّالةُ إبرٍ وخيوط خلف بابِ مطبخي ورثتُها عن جدّتي، كانت تعلّقُها قربَ نافذةِ القاعةِ الطينيّةِ الكبيرة مزركشةً مثلَ ثوبها القرويّ، مثلَ بستان الليمونِ المبرقعِ بزهر البراري. الآن سأرفو فتقًا شاسعًا.. حادًّا في وعيي. ..... هل تحضّرينَ الشاي؟ سنتشاركُ نكهةَ القرفة في كعكتي هذا المساء.