لأن المُحصلة النهائية للثورة غير كاف حتي الأن ليرضي من طموحات الشعب في التغير الفعلي الذي ينتج أثره ويراه المواطن واقعا ملموسا، ولا يمكن الأكتفاء بالقول أن هناك حدثا تاريخيا كبيرا قد حدث بالفعل في ميدان التحرير وفي كل شبر من أرض مصر، ممتدا لمعظم الدول العربية علي مُستويات مختلفة، وهو يحتاج لوقت أطول في جني ثماره ومعرفة نتائجه، وهذا صحيح نسبيا، غيرأن الطريق لابد أن تكون واضحة علي الأقل في فكر النخب السياسية، التي تريد أن تخوض غمار هذه الحياة بأشكال مختلفة، لأن التغير الأيجابي والحقيقي الذي يشمل ً فكرة المواطنة الفعلية، والديمقراطية الحقيقية، هو التغير السياسي الجذري في مفهوم هيمنة الدولة واستبداد الحاكم، ومتطالبات هذا الشعب التي ترضي طموحه الي حد مناسب والذي عاني لسنوات طويلة فائتة لعهد من الغياب السياسي وحقيقة كونه مواطن وإحساس المواطنة الغائب ومن الأستبداد في القرار السياسي المهيمن والفردي، فكان لابد من تغير واضح المعالم، يكشف وجه الحقيقية، ويقدم رؤيا واضحة المعالم. ولابد لهذا أن يحدث علي مستوي بنية المجتمع وتوجهه الفكري والسياسي والرؤية الشاملة لمستقبله، في كافة مناحي الحياة. إن قيام الثورة لم يكن الهدف منه اقصاء فريق ووضع بديل له ، فليست المسألة موضة جديدة ووجوه أخري لم يعد هذا مطروحا مثلما كان من قبل، إنما الفكرة تكمن في هذا التغيير الذي يمكن أن تحدثه الثورة في الفكر السياسي أو ما يمكن تسميته بالفكر الثوري، بعيدا عن المقارنات بثورات مصر المختلفة سواء أكانت ثورة 1919 أو ثورة يوليو 1952 وما حققته كل من الثورتين مع إختلافهما عن ثورة يناير علي الأقل في الأرضية التاريخية والأسباب التي دعت اليهما والقائمين عليها. والمدي الزمني لهما، لأن لكل فترة زمنية ومرحلة تاريخية أسبابها وطرائقها المختلفة واذا ما كان الطريق غير ممهد حتي الأن للأنطلاق لأفاق المستقبل، فلابد لنا من تتابع مثل هذه الموجات الأصلاحية التي تشمل الحياة بكافة مناحيها وحتي تستطيع الثورة أن تكرس بشكل موثق ومميز لثقافتها الحقيقة في وجدان وعقل وقلب الحاكم والمواطن علي السواء ولأن المسألة أكبر من فكرة التظاهر والأحتجاجات وفقط وليست المسألة منابر من الخطب والشعارات الرنانة والمناقشات غير المثمرة والتي تخرج غالبا بنتائج أحادية النظر،بين النخب السياسية بعيدا عن المواطن وأماله الحقيقة نحو مُجتمع مُتقدم، تزكي في المواطن الروح الوطنية وتعلو فيه أهمية الأنسان، ورغم أهمية الوقفات التي تطالب بالأستمرار الثورى لأن الثورة ليست مجرد وقت محدد وينتهي الأمر بل هي تكريس وتمديد لأدائها مع اختلاف الطرق ومع ما لهذه التظاهرات من أهمية في الوقت الراهن، إلا أنها تبقي مرهونة بمدي ما تحققه من انجازات وليست المسألة مجرد احتجاجات لا أهمية لها كما يشاع، خاصة في ظل حالة الحراك الشعبي الحالي وأفكار العقد الأجتماعي، لأن اسقاط المنظومة السياسية يخلق نوع من الفراغ الذي يبللور الرؤي الجديدة نحو المستقبل لكي يصنع لهذه الأمة تاريخا جديدا ومختلفا، لتخلق منظومتها الفكرية والأنسانية علي نحو خلاق ومبدع، بعيدا عن المزيدات والاعتبارات الشخصية للقوي السياسية التي تحاول الهيمنة علي مقدرات الثورة. وبعيدا عن فكرة اقصاء الأخر والرأي الفردي الذي عانينا منه. بات التحرك الشعبي الهائل في كافة أقطار العالم العربي دالا علي مرحلة جديدة بادئة في النشوء تمهد الطريق نحو اصلاح مُجتمعي شامل لابد من حدوثه ولم يعد هناك بالأمكان غير تقديم فكر شامل يحوي منظومة فكرية وسياسية متكاملة البناء والرؤي خلال السنوات التالية، وفي أسرع وقت ممكن وهي تعني بالضرورة تغيرا في النظام الدولي سواء في فكرة العولمة التي سادت لأزمنة طويلة في مرحلة النظام العالمي أوغيرها من الأفكار السياسية الأخري التي تدعي التحرر والديمقراطية، حيث أحدثت سلسلة الثورات في العالم العربي بؤرة من الصراع الدولي وبالتأكيد تغيرا في مواقفها السياسية في الوقت الراهن ولابد أنها تبحث عن طرق جديد للتعامل مع هذه الثورات الممتددة في الوطن العربي با أنه منطقة دولية لها أهمية استراتيجية هائلة، علي مستويات عديدة وبالضغط علي الحكومات الدولية صاحبة اليدي الطولي في القرار السياسي باتخاذ مواقف شاملة وقرارات دولية قد تؤثر علي مستقبلها السياسي في الشرق الأوسط ككل ولنشر مفهوم حقيقي للديمقراطية، خاصة في ظل تولي المجتمع المدني لزمام الأمور في أهم أحداث القرن الجديد وتوليه رسم السياسيات الخارجية والداخلية لشعوب المنطقة العربية ودورها الهائل في هذه الثورات التي ليست فقط علي الحاكم وانما هي ثورات ذاتية أيضا علي الفكر وجموده وعلي الأنسانية وجحودها لصالح الأنسان وحريته في النهاية. ومن أجل غد أفضل لشعوبها ففي معظم الثورات العربية نري أنها حركة شعبية داخلية تهدف للأطاحة بالحاكم المستبد والفاسد في ذات الوقت وهي تبحث بجدية في منطقة الموقف الأقتصادي والموقف السياسيى مع اجراء الأصلاحات الأجتماعية الهامة وتغير نظامه تغييرا جذريا ويحدث هذا غالبا بشكل سلمي يحقق مطالب الشعب ،إن الفكرة الأساسية تتركز علي الفقراء والكادحين من هذه الأمة وتتركز أيضا علي الأصلاح السياسيى بمعني عدالة التوزيع في الثروة، بمعني المساواة في الحقوق والواجبات، وتمسك هذه الثورات بفكرة الديمقراطية كبديل وحيد ونهائي لا رجعة عنه انما هو انتصار للمواطنة وبحثا عن الهوية الوطنية بمفهوم جديد، حيث السعي نحو التعدد والرأي الأخر وقبوله في منظومة واحدة تضم أكثر من فئة وهي تنتصر لفكرة سعي المجتمع نحو السلام والتجمع في بوتقة واحدة تتقارب من بعضها البعض بعيداعن الفرقة والخلاف،ونبذا لفكرة العولمة بكل معطياتها وخلفياتها، وسببا أساسيا للتحولات الأجتماعية الغارقة في العنف والتخلف السياسي إن مصطلح الثورة يعني غالبا الخروج عن الوضع الراهن سواء إلى وضع أفضل أو اسوأ غير أنها في عالمنا العربي قد اتخذت موقفا مميزا ألا وهو الأصرار علي الوضع الأفضل، ووضع أنسب البدائل في وقتها الراهن، بمعني التطور الأيجابي الذي يبحث عن موقف يقدم فيه تغيرات جذرية وأساسية في البناء المجتمعي ككل،فالثورة الشعبية في فرنسا عام 1789 قضت علي الملكية المطلقة والنفوذ الديني، وثورات أوروبا الشرقية عام 1989. وغيرها كانت نماذج جيدة حاولت التخلص من ماضيها وتقديم مستقبل مشرق لأبنائها وقامت بتحولات جذرية في واقعها بعد ذلك ومع هذا الأختلاف التاريخي والمبدئي، لابد من القول أن التحول الثورى هو مهد المجتمعات المتحضرة التي تسعي لنيل أفكار ورؤي واضحة المعالم بعيدا عن التخبط السياسي أو الفرقة العقائدية،تهدف الي سيطرة الشعب علي مقاليد الأمور، ووضع الدولة في موقف متقدم علي الساحة الدولية، بعيدا عن سيطرة وهيمنة الدول العظمي، بحيث يصبح قراراها السياسي قرارا مستقلا نابعا من مصالحها الوطنية والقومية بالدرجة الأولي، مع ثبات مواقفها الداخلية في هزيمة مشكلاتها الأجتماعية المزمنة من فقر وبطالة وعدالة وتشريع وغيرها من الآصلاحات الجوهرية التي تمنح لها استقرارها ومكانتها الدولية بعيدا عن شعارات دولة الأمن والأمان دون سند وذلك الذي لا يتحقق بمجرد القبضة البولسية الصلبة أو العصا الغليظة للسلطة في مواجهة القوي السياسية المختلفة بل بامكانية الحوار الديمقراطي والرؤي السياسية الواضحة لطريق واضح المعالم وخطة تعمل مبدئيا لصالح الوطن والمواطن، إن ما نتمناه للثورة المصرية الرائدة أن تنتهج في موقفها الأفكار الخلاقة القادرة علي صنع بدائل حقيقة لحالة الفساد السياسي والتخبط الاجتماعي الذي كنا نعيشه، بمنظومة متكاملة من الأفكار الرشيدة التي تمضي بهذه السفينة لبر الأمان في بحر عالمي من الأمواج العاتية تحملها قوي اقليمية تسعي لمصالحها دون أى اعتبارات أخري.