نريد رجالا فى كل المجالات ولا نريد مخنثين ، فهذا يتطلب أن يعرف كل منا قدر نفسه ، فيقف حيث ينتهى به وسعه فى مجاله الذى يتفوق فيه ، فلا يطمع فى مكان أومكانة غيره ، فذلك ليس طموحا ، بل طمعا وأنانية ممقوتة ، فقد ظن الناس فى مصر أن الثورة قد فتحت مجالا لكل واحد أن يفعل ما يشاء وتمتد يده عبثا بكل ما تصل إليه ، فيغتصب حقا لأخيه دون وجه حق أو رعاية لقانون أو عرف أو لتقاليد وسلوكيات أخلاقية كريمة ، فمبررات كل من يبقبقون ويتكلمون بكلام غير مفهوم فى الأحاديث الخاصة أو العامة والإعلامية والسياسية على وجه الخصوص أن البلد ليس بها الأمن ، والأمن ليس له وجود يذكر فى أماكن الأحداث وغيرها ، فقط كلام فى كلام ، فلا تجد ثمرة مرجوة من هذا المط السوفسطائي العقيم ، فلا أحد يقدم حلا يمكننا تطبيقه عمليا ولا حتى الحكومة والشرطة ، مع أنها عادت كما كانت الشركة فى خدمة الشعب شعارا .. ! ومن هنا أدعو إلى تكوين جمعيات مدنية تعمل على حفظ الأمن فى مجال تواجدها ، كما أدعو جمعيات حقوق الإنسان أن تتخلص من عباءة الوعظ والخطابة التى لن يتنافسوها مع الوعاظ والكهنة ، فلا طاقة لهم بها ، فلا ينبغى أن يراقبوا ويحصوا أخطاء المجتمع ، بل عليهم أن يساهموا فى معالجة تلك الأخطاء بجمعيات داخلية تشارك فى حفظ الأمن واقعيا لا شكوى وضجر وصراخ واللجوء فى طلب المساعدة من الخارج ، فما حك ظهرك يا مصري مثل ظفرك .. ! أنا مشترك فى جمعية نساء الأعمال بفوة لتوصيل الخبز إلى المنازل ، فمنذ بداية الثورة وحتى اليوم لا يأتينى الخبز بانتظام ، بل يوم الماتشات الكروية لا يأتينى إلا بعد أن ينام الناس وتنتهى كل الماتشات ، ولكن – منذ الثورة انقلب الأمر تماما ، فيوما يأتينى الخبز صباحا ، ويوما يأتينى المغرب ، وآخر يأتينى بعد العشاء طالما ليس هناك ماتش ، وأخرى يأتينى الواحدة مساء ، المهم أن أظل منشغلا طيلة يومى بهم الخبز الذى قد لا يأتى نهائيا ، فيضيع حقى يوما وإثنين حتى خمسة وستة أيام فى الشهر متفرقات ، لو جمعتهم كانوا أكثر لأن العشرة أرغفة لا يصلون على التمام فى كل مرة ، بل قد يغتصب رغيف مرة بعد المرة .. والحل .. لا يرد المسئول على الموبايل أو دائما مشغول أو مغلق ، .. والحل أن تذهب إلى مقر الجمعية فيقابلك المسئول بابتسامة لا تفهم منها شبئا ، ويدور نقاش بينك وبينه عن السبب وعن الأضرار وضياع الوقت وقلة الجهد فى متابعة كل هذه المعاناة ، فيحاول أن يتدخل بقوة جدلا العامل المكلف بتوصيل الخبز ، فيبر تأخيره بكلام لا معنى له ، فيرمى التهمة على غيره ، بأنه لم يتسلم كشف التوزيع ، فهو فى حيرة يعطى الخبز لمن ، فلا أفضل – كما يظن الناس به الظنون أن يغتصب حقهم - ، فيقول لك : أنا عارف الناس بتقول علينا حرامية .. وإلا قال لك : هو انت بيتك فين يادكتور .. ؟ تصور بعد هذه الشهور الطويلة والعديدة يسألنى الآن بيتك فين ؟ ويصر على أنه لا يعرف مع أنه يعرفنى معرفة شخصية ، هو وزميلة ، أما رئيسهم يعنى فيقول : معلش يا دكتور .. آخر مرة .. وأقوم وأسلم وأنصرف ، وأنتظر الفرج ، ولكن – والله فى ذات اليوم لم يأتى الخبز ، بل جاء فى اليوم الثانى صباحا ناقصا كالعادة ، ... ماذا تفعل لو كنت فى مكانى ؟ ستقول إنها وراثة وتركة النظام الفاسد التى انتشرت فى ربوع مصر كالنار فى الهشيم .. ، فمن يحمى الشرفاء ؟ يأتى أحد المتفلسفة ويقول لك القانون يحمى الجميع ، وربما قال لك بضرورة الدولة المدنية والديموقراطية ، بل ربما حدثك عن مليونية بميدان التحرير ، ولعل البعض يرمى ذلك كله حلا للمشكلة المستعصية على الثورة المضادة وفلول النظام ، والبطء فى محاكمة مبارك وعائلته وكل النظام الفاسد المفسد ، فهو حق ، ولكنه قد لا يفى بالغرض ، لا لشيئ إلا أننا كمصريين دوما وتقليدا نرمى الغير بالتقصير ونحاكم غيرنا مع أننا مطالبون بمحاسبة أنفسنا قبل أن نحاسب ، فهذا ليس ضد محاكمة المفسدين ، بل يجب أن تسرع الحكومة بمحاكمتهم قبل فوات الأوان ، فقط علينا أيضا أن نصدق مع أنفسنا ، فنقوم بما كلفنا به من عمل خير قيام ، فهو أمانة ، وإلا فلنترك الآخرين يعملوا .. ومن هنا نقول : لا أقل من مقصلة روبسبير .. أنا لاأنادى بالتصفية الجسدية بدون سند أو قانون ، بل أطالب بسرعة معاقبة الفاسد والمجرم على جرائمة دون توانى ، فلا بد من رادع ، وإلا فلن يتمكن المصريون والثوار حتى من الترحم على شهدائهم ، فقد يلحق بهم البرئ على أيدى الظلمة ومغتصبى الحقوق وقطاع الطرق والبلطجية ، .. ينبغى أن يحاكم المجرمون بسرعة على ما اقترفوا من إثم حتى يرتدع البلطجية ، فطالما كبيرهم طليقا ، أو يأمل فى الفرار والهرب ، فهم مازالوا يصولون ويجولون بطول ابلاد وعرضها ، ... تقلد الرجل الشجاع / زكريا محي الدين وزارة الداخلية أظن عام 1957م ، وكانت جرائم السطو على المنازل وحظائر الماشية قد فشت فى البلاد ، واستفحل أمر اللصوص على مختلف تخصصاتهم ، فلم يعد المصريون والفلاحون بوجه خاص ينامون الليل ، فهم يحرسون أنفسهم وممتلكاتهم بأنفسهم ، فلم يسلموا مع ذلك من تعديات ، فلما تولى الرجل وزارة الداخلية أذاع بيانا فى نشرة الأخبار عن طريق الراديو ، فلم يكن ثم وسيلة فى ذلك الوقت إلا الإذاعة المصرية والصحف اليومية الثلاثة المشهورة ، فقد طمأن المصريين ، حتى قيل لنا : أنه أعلن أن على المصريين أن يناموا دون خوف ، بل فليتركوا أبواب منازلهم وحظائرهم مفتوحة ، ... والمدهش أنه وفى بوعده .. ولم نر وزيرا للداخلية بحجم هذا الرجل إلا بعدها بفترة طويلة ، فقد رأينا الوزير ممدوح سالم كذلك صادقا فيما وعد به من أمن ، بل لم نر حتى الآن إنتخابات محليات ومجلس الأمة سليمة والشعب دون تزوير إلا فى عصر ممدوح سالم ، فقد طالبه السادات بانتخابات نزيهه – ربما كان الطلب العلنى سياسيا لا حقيقيا – ولكن الرجل تلقى الأمر على ظاهره وحقق ما لم يتحقق حتى الآن ... أما ما تحقق من إستفتاء بعد ثورة 25من يناير ، فهو استثناء لا يكشف جوهر العلمية الإنتخابية القادمة إلا ممارسة كاملة تطمئننا على مستقبل مصر وتطلعها إلى التقدم والحرية الحكيمة والعليمية. ( وعلى الله قصد السبيل ) [email protected]