ومثل اقرانها بدات حياتها الفنيه و الغنائيه بين ملهى « التام تام » في الحي اللاتيني بباريس، ومسرح « أولمبيا » الفخم الذي يطل منه المشاهير من أهل الغناء في العالم على جمهورهم، مسافة لا تزيد عن بضعة كيلومترات، ولكن وردة، قطعتها في فترة زمنية لا تقل عن خمسة وعشرين عاماً.. والفتاة الجزائرية الصغيرة، التي كانت في أوائل الخمسينات تغني في ملهى تام تام المتواضع الذي يملكه والدها، ويديره شقيقها، ثم خرجت منه حاملة صوتها وموهبتها الى مشرق الوطن العربي، وكان العمل و التنقل بين المحلات رحلة طويلة وشاقة قطعتها وردة، وربما كانت، وهي تسمع تصفيق الجماهير لها يدوي في جوانب قاعة المسرح العالمي طوال سبعة أيام، تتذكر كل مراحل الأمل، واليأس، والنجاح، والاعتزال، والحب، والزواج، التي قطعتها في هذه الرحلة.. وفى أوائل الخمسينات، كان هناك اختراع جديد قد دخل الى العالم العربي، هو «الجوك بوكس» الذي هو عبارة عن علبة اسطوانات أوتوماتيكية، يكفي أن تضع في ثقب منها قطعة نقود لتسمع الأسطوانة التي تريدها من بين الأسطوانات التي تحتويها هذه العلبة!. وكانت ورده فى بدايتها الغنائيه تغنى لحن ياظالمنى لام كلثوم - وكان صوتها جميل وعمرها لا يتجاوزالخامسة عشرة من عمرها، وكانت تلك الاسطوانات و التي أنزلت الى الأسواق العربية يومئذٍ، وتحمل أغنيات أم كلثوم بصوت وردة، وكانت ألاسطوانات من إنتاج شركة فرنسية، وقد أثارت هذه الأسطوانات ضجة كبيرة في العالم الفني العربي وبادرت أم كلثوم الى الطلب من محاميها أن يسافر الى باريس ويتخذ الاجراءات اللازمة لوقف طبع مثل هذه الأسطوانات.. وما فوجئت به أم كلثوم وغيرها - أن القانون الفرنسي يسمح للشركة بطبع أية أغنية بأي صوت ما دامت تدفع حق الأداء العلني للمؤلف والملحن، ومن هنا فلم يكن ممكناً وقف الشركة الفرنسية عن تسجيل أغنيات أم كلثوم على أسطوانات بأصوات مطربات غيرها..و بنشر تلك القضيه جعلت إسم وردة يقفز الى الألسنة، والى عناوين الصحف والمجلات في المشرق العربي، وولد عند الكثير من أهل الفن فضول كبير لمعرفة كل شيء عن هذه الموهبة الغنائية غير العادية التي انطلقت من باريس.. وكانت ورده فتاة حسناء، ناعمة، ذكية، حلوة الصوت، موهوبة الشخصية، جزائرية تقيم في باريس مع عائلتها التي تملك ملهى «ا لتام تام » وهي أيضاً لبنانية الأم، ووالدتها من عائلة « يموت » المعروفة في بيروت و سافرت ورده الى المشرق العربي، وكانت محطتها الأولى بيروت.. و قال الملحنين اللبنانيين الذين استمعوا الى الصبية الجزائرية الحلوة قالوا إن حنجرتها أشبه بكنز فني ثمين، وأن وردة فتوكي - مرشحة مع الأيام، ومع النضوج، ومع ألحان خاصة توضع لها، لأن تكون في مقدمة المطربات العربيات!. وكانت الساحات الفنية في العواصم العربية تزدحم بالمطربات الناجحات، وكان على ورده ان تقنع الملحنين العرب بأن يضعوا لها ألحاناً خاصة، وهي المطربة التي لم تكن تتمتع إلا بقدر قليل من الشهرة.. وفي هذا السن الذي هو سن المراهقة لم تكن شؤون القلب وشجونه تشغل وردة، بل انها أبداً لم تكن تصغي الى دقات القلب الخافق المعذب، لأن السعادة عندها في ذلك الحين كانت فقط سعادة الفن!.لقد كان من حظ وردة أن تعارفت و تقاربت من الموسيقار محمد عبد الوهاب..وأعجب بها وبدأ على الفور يلحن لها أغنية اسئل دموع عينيه فى موسم 1961 ومن نظم صالح جودت وقدم لها الموسيقار فريد الأطرش لحن روحى وروحك فى فيلم المظ وعبده الحامولى و بعد مرور عشرين سنة و بعد وفاته غنت لحن « كلمة عتاب ».و اعترف فريد الاطرش خلال حياته و بعد شهرة ورده كان يقول - كانت غلطة.. واللحن الذي سأهديه لها، سوف يكون بمثابة اعتراف علني مني بخطأ الرأي الذي أبديته بصوت وردة أيام زمان، وكان سبب الخطأ يومها أنها كانت فتاة صغيرة لم تملأ عيني!. وقطعاً، فإن صوت وردة الشجي القوي، المليء بالعذوبة والفرح، والأنوثة، كان هو جواز المرور لها الى الشهرة، ولا عجب لمحبى الفنون فان المطربه ورده فى أقل من عامين من مجيئها الى المشرق العربي أصبحت إحدى المطربات البارزات في المسارح والإذاعات، بل ومثّلت دور البطولة في فيلمين سينمائيين، المظ وعبده الحامولى ووقفت بطله امام المطرب عادل مامون وكان العرض 14 يناير 1962 ومن اخراج حلمى رفله – اميرة العرب و البطوله الغنائيه وكان العرض 18 مارس 1963 ومن اخراج نيازى مصطفى وخلال تلك المواسم شاركت فى اوبريت الوطن الاكبر مع عبد الحليم حافظ، وفايدة كامل، ونجاة الصغيرة، صباح وشادية!. وكانت وردة، وهي في القاهرة، تعيش بكل مشاعرها مع ثورة بلادها.. ثورة الجزائر، وعندما وصلت هذه الثورة الى مرحلة انتصارها التاريخي، لم تبق وردة طويلاً في مصر، وإنما غادرتها على الفور لتذهب الى وطنها الذي لم تكن قد رأته من قبل، وكان عندها الشوق كله لأن ترى وجوه صانعي التاريخ في بلادها، والأبطال التي كانت تغني لهم من بعيد.. ولكن.. في الساعة التي دخلت فيها وردة الى الطائرة كانت الاشاعات تنطلق في طول القاهرة وعرضها، وتزعم أن مطربة الجزائر لم تغادر مصر باختيارها، وإنما أبعدت عنها!! لماذا؟؟ واستمرت الاشاعات تقول بأن السبب في إبعادها هو أنها كانت على علاقة غرامية بالمشير عبد الحكيم عامر الذي كان في هذه الفترة الرجل الثاني في الدولة، والقائد العام للقوات المسلحة..إن وردة إنسانة لها الكثير من المزايا.. الصراحة التامة وعدم الكذب والعجز عن كتمان أي سر، حتى ولو كان من أدق أسرار حياتها!. وعاشت تلك الصراحه تنعكس على كل اعمالها الفنيه وايضا الحياتيه و عندما سافرت الى احد الدول العربيه كانت مقترنه بالفنان بليغ حمدى و عندما تصفحت مجلة الموعد وجدت صورة زوجها الملحن بليغ حمدى فى جلسه فنيه مع المطربه المغربيه سميره سعيد وهنا تعبت نفسيا و قررت و طلبت الطلاق وكانت النهايه الحزينه فى حياتها على الرغم انه تعاون فني بريء بين الموسيقار الشاب والمطربة المغربية السمراء، وهو تعاون كان علنياً، وتجسّد في عشرات الأغنيات التي لحنها بليغ حمدي لسميرة سعيد ومنها ما ظهر في برنامجه التلفزيوني « جديد في جديد » الذي أنتجه في استديوهات تلفزيون أبو ظبي.. وعاشت البلبله وردة طيلة حياتها الزوجيه لا تتهم بليغ حمدي ولا مرة بالخيانة الزوجية، وإنما فقط كانت تأخذ عليه عدم « جديته » في مسؤولياته نحوها، ومن دلائل عدم الجدية هذا أنها كانت تعرف أخباره من الناس، ولم يكن هو يهتم بأن يتصل بها أو يطمئن عليها عندما يكون بعيداً عنها في أي بلد.. ولا احد يغفل ما لحنه بليغ حمدى للبلبله الصداحه ومن تلك الدرر الحان انا عندى بغبغان و اسمعنى يا قمر و اه لو قابلتك من زمان و يانا ياحيرانه و اه يانا م الهوى و اوراق الورد و باسم الحب نغنى و بوسه ع الخد و تعيش وتفتكرنى و زمان و ظلمته مره واحده و على شط بحرنا و عجايب و كل سنه وانتى طيبه و معجزه و معقول احب تانى و سلامتك و يانا يا حيرانه من نظم عبد الوهاب محمد العيون السود و بلاش تفارق و حكايتلى مع الزمان و سلام ع الناس الحلوين و ليل ياليالى و والله زمان يا مصر و طب وانا مالى لمحمد حمزه اشترونى و وحشتونى و اسمعونى و لاد الحلال من نظم سيد مرسى ايه ولا ايه لمامون الشناوى بادوب فى الهوى لحسين السيد باحبك فوق ماتتصور من نظم على الفقى باودعك و من بين الوف من نظم منصور الشادى حلوه بلادى سكه واحده و انا ع الربابه بغنى و لو سالوك وناوى ع البعاد و الليالى امينه و اوصيك يا بحر الهوى و ابكى يا سماء و ليكى يا مصر و حبايبنا جم بالسلامه و العلم وعم يا صياد و الدار المهجور و ياغريب و حترجع حبايبنا و ياللى عيونك حلوه من نظم عبد الرحيم منصور يا صاحب الملك لعبد الفتاح مصطفى يانخلتين فى العلالى من نظم صالح جودت داليا الجميله من نظم مصطفى عبد الرحمن لقد أحبت مطربتنا في بليغ حمدي فنه الرائع بالقدر نفسه الذي أحبت فيه شخصه.. وكانت سنوات الزواج الأولى هي أحلى السنين في حياة وردة، خصوصاً وأنها كانت تعامل الوسط الفني في هذه المرة بفهم ونضوج، وليس بمراهقة وعصبية كما كانت في الماضي. وكان بليغ حمدي طوال هذه السنوات يتفانى في حب وردة، ويعبر عن حبه كل يوم بأنغام تتجمّع وتتحوّل الى أغنيات هي أقرب الى الروائع. ولأنه كان قد تفرّغ لصوت وردة فقط فإن العلاقات ساءت بينه وبين صديقه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، الذي كان قد وصفه يوماً ب« أمل مصر في الموسيقى ».. وغنت ورده فى حياتها الفنيه من موسيقى اهل الالحان جميعهم ومنهم رياض السنباطى – عبد العظيم محمد – فريد الاطرش – سيد مكاوى – محمد محسن – محمود الشريف - محمد عبد الوهاب – جمال سلامه – صلاح الشرنوبى – عمار الشريعى – محمد فوزى – حلمى بكر – ابراهيم فارس – محمد الموجى – منير مراد - سامى الحفناوى و غيرهم و غادرت عالمنا فى هدوء 17 مايو 2012 رحمها الله على ما قدمت من اعمال خالده المؤرخ و الباحث فى التراث الفنى وجيأأه ندى 01204653157 01006802177 [email protected]