لقد كان لسقوط نظام الرئيس المصري حسني مبارك عقب قيام ثورة الشباب ، وقعه البالغ الأثر على الحياة السياسية في العالم العربي ، إذ أعادت تشكيل و صياغة العلاقة بين الحاكم و المحكوم ، أو بين الفرد والسلطة و كان له انعكاساته المختلفة في تحديد سمات و ملامح الظرف السياسي في المرحلة الراهنة و القادمة ، كما أنه خلق شيئاً من عدم الاستقرار في بعض المجتمعات العربية الباحثة عن التغيير في حكوماتها و سلطاتها السياسية ، ومن المؤسف حقاً أن نسمع من جراء ذلك تصريحات تهكمية لكبار المسئولين الاسرائليين تعرب عن حالة التشفي و الشماتة ، و تفصح عن مشاعر الغل و الحقد التي جبلت عليها نفوس الاسرائليين إزاء العرب و المسلمين ، فقد صرح أحد كبار السياسيين الصهاينة منذ أيام بأن العالم العربي يتعرض لزلزال سياسي عارم ... و بأن إسرائيل مستعدة لكل تغيير يحدث في العالم العربي ، و بشكل خاص لما يحدث في مصر ..! أقول : رأينا و سمعنا كيف أن التصريحات الاسرائلية و الأمريكية و الغربية كانت تتكيف مع الأحداث المستجدة على أرض الواقع بحيث تخدم مصالحها و توطد لها من نفوذها و تدخلها السافر في العالم العربي ..! ولو كان هذا على حساب تخليها عن أصدقائها و محابيها الاستراتيجيين من حكام العرب .... الذين أعطوها ما تتمناه و ما تصبو إليه من مآرب و أطماع و لو اطرّ الأمر في بعض الأحيان إلى أن يفرطوا بحقوق شعوبهم و أمتهم و قضاياهم القومية و الوطنية متحججين تارة بذريعة الحسابات الدولية أو الإقليمية ، و تارة أخرى بمساعدات الغرب و استدرار عطفه على البلاد و العباد ..! بل إن بعض حكام العرب الذين أوغلوا في محاباة الغرب الطامع بخيرات بلادنا و ثرواتنا القومية حرصوا باندفاع و اهتمام كبيرين على تحقيق مطالب الغرب أكثر من حرصهم على تأمين الخبز والعيش لمواطنيهم ، أو توفير الحدّ الأدنى من العيش لأبناء مجتمعاتهم أو منحهم حقوقهم المدنية المشروعة و تحقيق العدالة الاجتماعية و توفير الأمن و الاستقرار لهم ، فباء هؤلاء الحكام بغضب الله و التاريخ و نقمة شعوبهم عليهم ... و لم يكن نظام الرئيس المصري المخلوع يقف بعيداً عن هذا الاتجاه ... . ثم إن من الأمور التي تدعو إلى الاعتبار و الوقوف وقفة متأنية تراجع خلالها الحسابات و الممارسات الخاطئة ، أن نظام مبارك اعتمد اعتماداً كلياً في السنوات الأخيرة على رجال الأعمال و كبار الأثرياء في المجتمع المصري الذين شغلوا أغلب المناصب الهامة و الحساسة في نظام مبارك ... هذه الطغمة التي جاوزت بين السلطة و المال دائماً تسعى من أجل التربح غير المشروع و استغلال المناصب السياسية التي يتبؤنها في تنمية ثرواتها و يصرفون أنظارهم و يصمون آذانهم عن مطالب الجماهير و حاجاتهم فيضرون بالاقتصاد القومي و الوطني و يسعون نحو سرقة المال العام و يقودون المجتمع نحو الدمار و الهلاك ... حتى أنهم لا يحرصون على الوفاء للسلطة التي تمنحهم المناصب السياسية و يمارسون دور النفاق السياسي و هذا ما لاحظناه عقب سقوط مبارك و شاهدناه بأم عيوننا كيف أن العديد من رجال الأعمال الذين كانوا يشكلون عماد نظام حسني مبارك يتبرؤون من النظام الذي كانوا يباركونه بالأمس و يدافعون عنه قبل سقوطه بل لعل هذا ما تناقلته العديد من وسائل الإعلام المصرية وغيرها ، عن نجلي الرئيس المصري حسني مبارك عقب خطابه الأخير قبل تنحيه عن السلطة بأنه نشبت مشادة كلامية عنيفة كادت أن تصل إلى حدّ الشتم و الضرب بين الابن الأصغر لمبارك ( علاء ) مع شقيقه الأكبر ( جمال) أو ( جمال بيك ) كما يلقبه الأخوة المصريون ، لأن هذا الأخير قد قرب إليه رجال الأعمال و اعتمد عليهم في ترتيب أوراق النظام و شغل مناصبه و المواقع الحساسة الرسمية في المجتمع بعد أن أطلق والده له يده العنان على غاريها بالتدخل في الشؤون الداخلية و الخارجية للدولة أملاً بأن يرث الحكم بعد أبيه و هو لم يملك المؤهلات أو الكفاءة التي تجعله على قدر عال من تحمل المسؤولية هو و أصدقاؤه من الوزراء و المسئولين الذين أدينوا بالفساد و سرقة المال العام ... و بهذا الصدد نحن نتساءل بدورنا إلى متى ستبقى عائلات الكثير من حكام العرب و أفراد أسرتهم يتدخلون في شؤون الدولة و الحكم نساءً و رجالاً ، كباراً و صغاراً... !؟ ثم لا يمكننا أن ننسى الإشارة هنا و خاصة في هذا الوقت بالذات إلى أن الحكام العرب مطالبون أكثر من أي وقت مضى بالمصالحة مع شعوبهم ، و توفير مناخ حرية التعبير عن الرأي ، و الاستجابة لمطالب شعوبه و آمالهم ، و الاهتمام بقضايا العرب القومية و الوطنية و التعامل معها بما يخدم مصالح الأمة و مستقبلها انطلاقاً من الثوابت القومية و الوطنية لأمتنا العربية و الإسلامية ... و إلاّ اجتاحتهم السيول الجارفة التي لا تبقي و لا تذر من سلطتهم شيئاً... و أخذتهم الصاعقة من حيث لا يشعرون و ما أروع كلام رب العزة حيث يخاطب الطغاة و الجبارين في الأرض (كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ) (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )... ! و ما أسرع أن يتخلّى عنهم الغرب الذي يعتزون به ..! في هذه الحالة .. و خاصة أن طبول الثورة باتت تقرع في أكثر من مكان ، و لا يخفى على العاقل البصير أن حالة الاحتقان الشعبي في الدول العربية بدأ يتصاعد أوارها عقب الحرب الأخيرة التي شنها العدو الغاشم على غزة و قابلها حكام العرب بالصمت و التفرج ليس إلاّ .. ! و ما زالت تتصاعد حتى وصلت هذا اليوم إلى مرحلة الانفجار أو ساعة الصفر ... و لا أجد حرجاً في هذا المقام أن أورد قصيدتي ( لا نريدكم أيها الحكام ) التي كتبتها في تلك الأثناء ، و التي تعكس صوت الشارع العربي الذي خرج يندد بحكامه و يدعو إلى إسقاطهم بعد أن ولوا الأدبار عن آمال شعوبهم و قضاياهم ، و أول هذه القضايا قضية العيش بكرامة و كفاية متطلبات الحياة على صعيد الفرد و الأسرة و المجتمع .... و هاكم القصيدة : لا نُريدُكُمْ أَيُّها الحُكَّامُ ْ اِخرجوُا مِنْ أَرضِنا اِخرجُوا مِنْ عُمْرِنا مِنْ مَفاصِلِ البُلدانِ ْ وَبالٌ عَلينا أَنَّكُمْ مِنْ قَومِنا و مِنْ بَحرِنا و مِنْ صَحرائِنا و مِنْ هَواءِ بِلادِنا و تَتَحدَّثونَ بِلُغَةِ القُرآنِ ْ * * * ارحلوا عن سمائنا اُخرُجوا مِنْ أَرضِنا أَيُّها الحُكَّامُ ْ عارٌ عَلينا أَنَّكُمْ تَحكمونَ أَعمارَنا و أَقدارَنا و تَتَبارونَ بِلُغَةِ النِّفاقِ ْ أَضَعتُمْ لَنا أَمجادَنا و تَنازَعتُمْ أَيُّكُمْ يَفوزُ بِحُصَّةِ الخِيانَةِ مِنْ جُعبَةِ الأَعداءِ ْ * * * اِرحَلوا عَنْ بِلادِنا أَيُّها الحُكَّامُ ْ و خُذوا مَعَكُمْ أَشياعَكُمْ و سِلالَ أَقذارِكُمْ و احملوا مَعَكُمْ عَمالَةَ ثَرواتِكُمْ في مَصارِفِ الأَعداءِ ْ خُذوا مَعَكُمْ قُصورَكُمْ و ضِياعَكُمْ خُذوا مَعَكُمْ سُجونَكُمْ و سَفاسِفَ إِعلامَكُمْ و اترُكوا لَنا خَلفَ حُدودِ أَوطانِنا فَرحَةَ الأَحزانِ ْ * * * اِرْحَلوا عَنَّا بَعيداً بَعيداً أَيُّها الحُكَّامُ ْ و مارِسوا هُناكَ خَلفَ المُحيطِ هِواياتِكُمْ في لُعبَةِ الشِّطرَنجِ و الرَّقصِ عَلَى الجَليدِ في حَضرَةِ الأَعداءِ ْ لا تَرومُ مِنكُمْ جِراحُنا إِلاَّ الهَمَّ و الخُذلانَ ْ * * * اُخرُجوا مِنْ أَرضِنا أَيُّها الحُكَّامُ ْ اُخرُجوا مِنْ تَفاصيلِ أَرزاقِنا و مِنْ رُؤَى صَلاتِنا و مِنْ أَحلامِ أَطفالِنا لا نُريدُكُمْ أَيُّها الحُكَّامُ ْ حَتَّى و لا يُريدُكُمْ مِنْ شُعوبِكُمْ الأَجِِنَّةُ في الأَرحامِ ْ * * * بقلم : عبد الرزاق كيلو سوريا [email protected]