بالرغم من قيام الثورات فى أكثر من بلد عربى، تعبيرا عن طموحات الشعوب العربية المشروعة، وتطلعاتها نحو الديمقراطية، و الحرية، و التنمية. فإن كل المؤشرات السياسية و الاجتماعية التي أعقبت هاته الأخيرة لا تشي بالجديد، وأن دم شهداء الساحات وميادين الاعتصام و الاحتجاج قد ذهبت سدى. فقد جاءت نتائج الانتخابات، التى جرى التخطيط لها بسرعة من طرف قوى كانت تناور على هامش الثورات، أو انها لم تشارك بشكل فعال فيها. ومع ذلك ساهمت ديمقراطية الصناديق الغاشمة في حمل ممثلي "الاسلام هو الحل" في مجموعة من الدول العربية إلى مراكز السلطة و القرار السياسي. و هنا لا بد من التمييز بين سياق الانتفاضات وسياق الانتخابات، ففى الانتفاضات لم يكن للإسلاميين دور مهم، وكان الشباب غير المسيس فى الغالب هو الذى لعب الدور المحورى، لكن فى الانتخابات برزت عناصر أخرى بسبب ممانعتها للمس بالاسلام منذ حدث 11شتنبر الارهابي، ناهيك عن معارضتها لنماذج الهيمنة الرأسمالية و التدخل الخارجي في القضايا الوطني، و العمل الخيري الدعوي مما اكسبها حضورا قويا على مستوى الوجود التنظيمى والدعم المالى لشفط الانتخابات. وعليه لا بد من الإعتراف بأن مكتسبات "الربيع العربي" ديمقراطيا و سياسيا في العالم العربي عامة و المغربي خاصة، قد تحولت تدريجيا إلى شتاء قارس. إذ تجمع كل الوقائع الميدانية على تفاقم الاوضاع العامة و انحرافها نحو الاسوء، و هو ما يؤشر على تراجع حس المسؤولية السياسية و التاريخية للفاعلين السياسيين، و الدعاة الذي ذاقوا حلاوة منصب الوظيفة العمومية في عدد من الدول العربية. بحيث لوحظ تعويم القضايا المصيرية، و الاكتفاء بالسجالات العقيمة و الاعتصامات، التي لا تشرف صورة الواقع العربي، و هو في خضم تحولات ديمغرافية هائلة، و توسع عمراني مخيف وتحديات شظف العيش اليومي، ناهيك عن موشرات تفكك البنيات الاجتماعية و انقسامية طائفية و ايديلوجية لا غبار عليها. بحيث تشير بعض الدراسات الغربية، على أن الحالة الثورية التي يعيشها العالم العربي ليست خطاً مستقيماً متصاعداً، وأن هذه الحالة ليست واحدة لا في التاريخ ولا في الجغرافيا، وأنها كذلك ستكون متعرضة بالأساس، لثورات وهجمات مضادة في الداخل ومن الخارج، وبالتالي استبق ذلك شعور بالإحباط والندم، بمقولة التنبيه على أن مسار الثورات دائماً متعرّج وصعب، وإمكانية الانتكاسة دائماً موجودة، ولحظة القطيعة ليست دائماً متوافقة مع لحظة انفجار التناقضات. كما أن استشراف المستقبل قد أصبح مستعصيا أمام انعدام فرص إنتاج الحلول والتسويات، و سبل تنظيم المشاركة الشعبية في العملية السياسية حتى تكون فاعلة ومؤثرة، ومن ذلك التظاهر والاعتصام وغيرهما من أساليب التنديد أو المعارضة في التعبير عن الرأي. أصبح من الضروري لهاته الأنظمة أن تقدم تنازلات مبدئية لتتماشى مع صيغة النظام الديمقراطي في ظل الدولة المدنية. آخر جولات الإسلام السياسي في السيطرة على المشهد السياسي ما بعد «الربيع العربي»، الذي اختطفه الإخوان في أكثر من موقع، لكنهم لم يستطيعوا الحفاظ عليه لأسباب كثيرة أقلها تأثيرا جاء من الخصوم لكن أهم الأسباب تعود إلى فشل الإخوان في الخروج من عقلية «المعارضة» وذهنية «السجون» ومظلومية خلفاء الله في أرضه أو ما سماه المفكر الفرنسي جيل كيبل «ثنائية الفرعون والنبي» والتي لا تزال تستحضر حتى الآن. ومع ذلك فقد اكدت الحركات الإسلامية استعدادها لتقديم تنازلات بشأن قضايا حساسة مثل الشرعية والحداثة، لكنها كما لم تقطع أي شوط حاسم نحو القبول صريح بالتعددية الفلسفية وتحقيق اندماج في قضايا التسامح الديني والعلمانية والمساواة بين الجنسين وغير ذلك. و الواقع هو ان الاسلام السياسي، لم ينجح في صياغة مشروع واقعي للحكم وموثوق به وقابل للحياة، كما انه عجز عن عن سد الفجوة بين بلاغة الأقوال المتحيزة وبين قوانين الواقع الصارمة. وهذا ما دفع بالفيلسوف الإيراني داريوش شايغان الى توضيح طبيعة الانفصام الذي يعانيه الاسلام السياسي: "فمن يزعم أنه يأخذ بالتكنولوجيا الحديثة وفي الوقت نفسه يرفض محتواها الفلسفي ويرفض القطيعة الأبستيمولوجية والمنهج العلمي والاضطرابات الاجتماعية التي آذنت بشكل أو بآخر بميلاد الحداثة فزعمه ببساطة من باب الأوهام".ولعل وصول مرسي وشياطين الإخوان لرئاسة اكبر دولة عربية عرفت بعراقة حضارتها وروح التسامح وطيبة شعبها وثقافتها وانفتاحها، كان أمرا غريبا حول مسار الثورة المصرية بل اختطفها من الثوار الشباب المتنورين وقدمها غنيمة جاهزة لمشايخ الإخوان من الجهلة المتخلفين والمتطرفين، وكان الأكثر غرابة والأعظم مفاجأة ان الثورة عادت لمجراها ولأصحابها وبطريقة لم يتوقعها الإخوان وشياطينهم والذين ساندوهم بالمليارات من عربان الخليج للهيمنة على مقدرات مصر العروبة وتحويلها الى قاعدة أفغانية تنطلق منها خنازير القاعدة وزعماء الطائفية. فخلال عدة أشهر قليلة وزع الرئيس المخلوع كل حقائب الوزارات والمناصب الاستشارية والمحافظات والوظائف الخاصة وكل مصالح. وهيمن الإخوان على كل مرافق الحياة ومارسوا كل عمليات الابتزاز والاحتكار والتدخل في شؤون القضاء وقمع الإعلام وتقييد حرية التعبير. ان تكنولوجيا منظومة كاميرات المراقبة والاتصالات استطاعت ان توثق هذه الأفعال مثل استخدام السلاح الأبيض والقنابل الحارقة ورمي الأطفال من سطوح البنايات وترهيب المتظاهرين ومحاولة قتل الإعلاميين والاستيلاء على التلفزيون المصري والفضائيات العربية والأجنبية ومحاولات إحراق وتدمير المباني الحكومية وممارسة كل ما يثير المخاوف وردع الجماهير في محاولة يائسة لاسترجاع كرسي مرسي المخلوع. *لم لكن للإخوان أي برامج سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية قادرة على تغيير الأوضاع في مصر،أي انهم قاموا فقط بتغيير المسئولين والوزراء وقادة بعض أركان الدولة فيما بقت هياكل النظام السابق على شكلها وجوهرها ولم يقدم الإسلام السياسي للإخوان أي حلول اقتصادية واقعية لتحسين الأوضاع المعيشية المتردية لمعظم ابناء الشعب المصري بل أكدت تقارير إعلامية استمرار سوء الوضع الاقتصادي وانهيار العملة الوطنية وتفشي المحسوبية وانتشار الرشوة وهروب الرساميل وزيادة نسبة البطالة والتضخم واتساع رقعة النفاق السياسي والإعلامي وبالتالي عدم تلبية أي مطلب شعبي واستمرار غضب الجماهير التي كانت قد انتفضت من اجل التغيير الجذري وإصلاح الوضع العام وليس تغيير مسئولي الحزب الوطني بجماعة الإخوان وكلها تنطبق على الوضعية التي توجد عليها الحكومة الحالية في المغرب التعدد و الانفتاح و التسامح، والتي يطغى عليها الطابع الحزبي الصرف، إضافة إلى سيادة نزعة شمولية تنتقل تدريجيا من الجانب النظري إلى الجانب العملي".التى تعرضوا لها على يد قيادات الإخوان والتى كشفت الأحداث عن تلوث أيديهم بدماء المصريين من أجل كرسى الرئاسة وهو ما بدأ الشباب المنتمى لها فى إدراكه مما دفعهم للانسحاب من ميدان رابعة وسط رفض وتهديدات كما لا يمكن لأي عاقل أن يعتبر أنه من الخطيئة كشف المفارقات السياسية والعملية في هذه التجربة، سواء بين خطاب الحزب الأغلبي وواقع ممارساته وفعله وأدائه، أو بين "طموحه السياسي" وملابسات الوضع الحالي المتسم بفراغات سياسية وأخلاقية لدى أغلب قيادييه، وإلا كان لزاما على أصحاب هذه التجربة أن يركنوا إلى الجانب الدعوي في عملهم، دون أن يعملوا على توريط أنفسهم في مثل هذا المأزق السياسي. كما لا مجال للتغلب على الصعوبات والإكراهات بالدعاء والتضرع إلى الله أو بالهجوم على المنافسين السياسيين والعمل على إقصائهم ومعاداتهم بادعاء الشرعية الشعبية التي هي ليست حكرا على هذا الحزب لوحده بل هي موزعة على كل الأحزاب كل حسب تمثيليته