عندما أُعلن فوز رجل الدين الإيرانى الإصلاحى حسن روحانى فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وبفارق أكثر من ثلاثة أضعاف ما حصل عليه أقرب منافسيه (مع ضرورة الوضع فى الاعتبار نسبة ال30% التى قاطعت الانتخابات الرئاسية)، هذا الفوز أثبت للعالم (والغرب، خصوصاً الولاياتالمتحدةالأمريكية) أن الشعب الإيرانى يتوق إلى التغيير ويسعى للوصول إلى الإصلاح، ويزداد هذا التأكيد عندما ندرك أن نسبة كبيرة ممن قاطعوا الانتخابات الرئاسية كان دافعهم ومبررهم هو عدم الثقة فى النزاهة وتشككهم فى التزوير، كما حدث سابقاً فى انتخابات 2009. هذا يؤكد أن إيران تقترب من التغيير، وعلى السلطة الدينية المحافظة فى إيران، متمثلة فى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله على خامنئى، وما يمثله من قوة محافظة مهيمنة على سياسات إيران، ولا تريد أى تغيير، عليها أن تستجيب للمتغيرات التى تجرى داخل المجتمع الإيرانى.. لأن العالم كله الآن أصبح يتحرك بقوة دفع الإرادة الشعبية، وقد يحدث فى إيران ما حدث فى كثير من الدول العربية، ولا يخفى أن أمريكا وجدت ضالتها في الهيمنة والسيطرة العالمية، خلف مطالب التغيير التى تقابَل بتجاهل من الحكومات والأنظمة، وأن هذا التجاهل يفتح أبواب الدول أكثر مما تقوم بها الطائرات الحربية والدبابات العسكرية.. فعلى صقور التيار الشيعى الدينى المحافظ التفكير فى ضرورة وحتمية التغيير، وعليها أن تدرك أن وقوفها ضد التغيير بهدف الحافظ على وجودها وسلطانها وهيمنتها، سيؤدى إلى انهيار ذلك كله أمام الإرادة الشعبية التواقة إلى التغيير، وهذا لن يتوقف عند السلطة العليا فقط، بل سيذهب بالإمبراطورية التى حققتها إيران على جميع المستويات، وأهمها المستوى النووى.. إن الرئيس الجديد «روحانى» (رغم أنه رجل دين أصلاً) سيكون عليه الدخول فى صراع مرير مع السلطة الدينية المحافظة فى إيران، فالرجل تعهد فى برنامجه الانتخابى بالعمل على إجراء إصلاحات تخرج الاقتصاد الإيرانى من أزماته، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وضمان الحقوق المدنية والتوسع فى الحريات الصحفية والإعلامية، وضرورة استعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولاياتالمتحدة التى قُطعت فى أعقاب حصار السفارة الأمريكية فى طهران عام 1979. الصراع المتوقع فى إيران لن يكون «روحانى» أول الداخلين فيه، بل سبقه إليه سلفه خلال السنوات الماضية، فرغم أن «أحمدى نجاد» من المحافظين الذين يرفضون التغيير ويتمسكون بالسلطة الدينية المتمثلة فى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية «خامنئى»، إلا أن الصراع كان محتدماً بين السلطة الدينية الممثلة فى المرشد الأعلى والسلطة السياسية الممثلة فى الرئيس المنتخب، ولعله كان صراع زعامة، فأحمدى نجاد (الرئيس السادس لإيران الإسلامية المعروف بميوله الدينية المتشددة) كان يحلم بالزعامة، بل إنه تخطى ذلك فى أحلامه، حيث رأى فى نفسه «المهدى المنتظر» والإمام الغائب الذى سيخلص الشيعة وسيقضى على اليهود، وسيكون نصر الله للمسلمين فى العالم أجمع على يديه، أما المرشد الأعلى فلا ولن يسمح لأىٍّ من كان أن يسحب من تحت قدميه سلطة القداسة الدينية التى يرتكز عليها، ويقوم النظام الإيرانى أساساً عليها. الصراع الآن سيكون مختلفاً بين حسن روحانى، الذى تم انتخابه بناءً على برنامج انتخابى إصلاحى، رغم أن المؤشرات تؤكد أن سياسته لن تختلف عن سابقه «نجاد» إلا قليلاً، وظهر ذلك جلياً فى خطبه الأولى، إلا أنه سيكون مطالباً بتحقيق قدر كبير من برنامجه الانتخابى حتى يستطيع الاستمرار لدورة انتخابية جديدة، لأن الشعب الإيرانى الذى أدرك أن صوته أصبح ذا أهمية ولن يتم تزويره، وشاهد على الشاشات التليفزيونية الثورات العربية التى أطاحت بأنظمة لا تفهم شعوبها، قادر على التغيير.. لكن ينبغى التأكيد على أن هذا الصراع لن يقترب من السلطة الدينية، أو يحاول التعارض بأى حال مع السياسة الدينية الإيرانية القائمة على ولاية الفقيه، وسيطرته وتمكينه (على الأقل خلال الفترة القليلة المقبلة)..