كنت أبحث عن مصر والمصريين قبل ثورة 25 من يناير 2011م بمدة ليست بقليلة ، فكثيرا ما طالبنا بحقوقنا فى الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم دون جدوى ، فقد كنا كمن يجرى خلف سراب ؛ فى الوقت الذى قطع العالم من حولنا شوطا طويلا فى سبيل التقدم والنمو ، فمنهم دولا لم يكن لها على خريطة العالم مجرد إشارة أو علامة 00 ! أين مصر ؟ وأين المصريون ؟ لا ليست هذه مصر ، فمصر ليست ( إيجبت ) ، ولي المصريون ( إجيبشيان) ، فمصر كما نعرفها اسمها مصر ، والمصريون كما نعرفهم اسمهم المصريون ، فتنطق وتكتب باسمها مصر بكل لغات العالم ، رغم أنف الحاسدين ، فهى أرض الأمن والأمان. وما إن جاءت ثورة 25 من يناير 2011م ، إلا وتلاشت أهدافها وتبددت كما يتبدد الدخان فى الهواء . ولم يكن بد من البحث ، فبحثت فى كل القوى الثورية سواء كانت أحزابا وقوى من تيارات إسلامية أو كانت من قوى وأحزاب وتيارات مدنية يسارية وليبرالية وعلمانية أو مجموعة الكوكتيل المسماه بجبهة الإنقاذ ، فلم أجدها 00 وبحثت فى شباب الثورة ومن يطلقون على أنفسهم نشطاء سياسيين ، فلم أجدها ، فالتناحر بينهم قائم وكل ينسبها لنفسه ، فوجهت شطرى نحو الإعلام المصري الخاص والرسمي ، فلم أجدها 00 ، فهم مشغولون بزيادة الإعلانات من أجل قبض الملايين والمرتبات 00 ! وكان علي أن أبحث عن مصر فيمن يطلق عليهم الإعلام النخبة من المثقفين فلم أجدها ، فقط وجدت أفرادا رقابهم متخشبة كرقاب اليهود يملئون الفضائيات ثرثرة وبقبقة يصفون حسابات قديمة مع رفاق الماضى وخصوم الحاضر والمستقبل 00 لم أجدك يا مصر من بينهم ، فوجوههم المتورمة حقدا و المنتفخة حسدا لا تريح الناظرين00 ! أما رئاسة الجمهورية فهى تعمل بعيدا كما لو كانت دون ساعد أو مساند ، فلا تعرف إن كانت تعى ما تقول أم أنها تحكم كما حكم المخلوع بالتهويش00 ولا تنشغل بالحكومة ، فلا شك أنها معذورة ولا يقلل ذلك من شأن وزراء بها أكفاء رغم أحقاد الأغبياء 00! ولم يبق لى من سبيل إلا البحث عن مصر فى عيون المصريين من البسطاء ، فهم ملح البلد ، فما زالوا على عهدهم وهمتهم وشهامتهم ، فلا يغرنك شظف عيشهم ، فلا تفت فى عزيمتهم قساوة الحكام وظلمهم ، ولا سرقة رجال الأعمال لعرقهم ، فقد علموا بفطرتهم وتربيتهم السليمة أن الله تعالى مع الصابرين ، فالصبر كما يرددون عن يقين مفتاح الفرج. ولعل ما يلطف من حرارة الصيف القادم إن شاء الله هذه الحكاية العجيبة التى وقعت فى بلدتى قبريط بالأمس مساء الأربعاء 24من إبريل 2013م . طفلة ، أو قل صبية غمرها 11 أحد عشر عاما خرجت دون علم أهلها بعد صلاة العصر من منزلها ووقفت تبكى على محطة القطار ، فرآها رجل غريب كان يقف ينتظر القطار المتجه إلى مدينة دسوق ، فسألها : بتعيطى ليه يا شاطرة ؟ قالت : أنا عايزه أروح دسوق وليس معى ثمن التذكرة 00 قال لها : متزعليش 00 أنا حا آخدك معايا 00 وربت على كتفها بحنان وأبوة صادقة. ووصل القطار ، فركبا ، وانطلق بهما لمحطة الوصول ، فما إن وصلا حتى انطلقت فى شارع سعد وهى تقول : شارعنا أهوه وتركت الرجل دون سلام ، فتلك قد تعودها الكبير من الصغير . ولكن الطفلة دخلت أستوديو تصوير وقالت لصاحبه وهى تبكى : أنا عاوزه أروح 00 قال لها الرجل بملاطفة أبوية حانية : انتو بيتكم فين ؟ قالت : فى الجيزة 00 قال لها : أنت من الجيزة 00 ؟ قالت : أيوه 00 وهنا أسقط فى يد الرجل فماذا يفعل ؟ فسألها عن اسمها فتلعثمت وأعطته اسم ابنة خالتها التى تسكن بالفعل فى الجيزة كما ذكرت له العنوان بالتفصيل ، وكاد الرجل أن يسلمها لقسم شرطة دسوق لولا أنه خشي عليها من إجراءات الشرطة الطويلة ولن يقبل أن تبيت طفلة صغيرة فى قسم الشرطة ، فأخذها معه إلا منزلة ونوى أن ينطلق بها إلى الجيزة قبل الفجر ليملك وقته مبكرا. واستشار صديق له ، فأشار عليه أن يعلن عنها وعن أوصافها فى المولد ( الرجبية ) فهناك مناد بميكرفون وسط الميدان 00 فلعله لو أعلن عنها وعن اسمها هناك يكون أحدهم يعرفها ، فما كان إلا أن ذهب إلى المساجد وأعلن عن الطفلة واسمها بعد صلاة العشاء 00 ولا مجيب00 أما أهل الطفلة فى قريتها ، فقد بحثوا عنها فى كل مكان ، فقد تأكد أبوها من أنها قد تكون ذهبت إلى أقاربها هنا أو هناك أو فى أحد العزب التابعة للقرية لتشكوا لهم من تكرار ضرب أبيها لها 00 وانطلق أهالى القرية يبحثون فى كل مكان فى مشهد لا تراه إلا بين المصريين البسطاء من التعاون والتكافل والترابط ، فراحوا يبحثون عنها ويجسدون معان الشجاعة والشهامة والمروءة ، فلا تميز فيهم من هو يساري من اللبرالي من التيار الإسلامي من الفلول وغيرهم ، فكلهم جسد واحد ، فقد راحوا سيرا على الأقدام أو ركبانا على الموتوسيكلات والتكاتك والسيارات ، حتى ظنوا أنها قد تكون دخلت التربة وأنها مختفية بين المقابر ، فلعلها ماتت هناك رعبا ، فكانت كشافات السيارات والموتوسيكلات تخترق ظلام ليل الجبانة الدامس فأحالته إلى نهار دون جدوى 00 ولكن – المدهش أن أحد جيرانهم كان قد تأخر فى عمله بمدينة دسوق ، فلما علم بالخبر ونتائج البحث التى لم تسفر عن شيء لم يتردد فى البحث عنها فى المولد ، فذهب يسأل عنها فى أماكن اللعب والسمر التى يحبها الأطفال ، فعلم أن رجلا كان يعلن بعد صلاة العشاء ودله على أحد المساجد التى أذيع فيها عن الطفلة ، فلم فانطلق إلى المسجد وكان الفراش يهم بغلق الأبواب ، فأراد أن يماطله إلى صلاة الفجر ألح عليه حتى أعطاه تليفون الرجل الذى الطفلة بصحبته 00 واتصل به ، فلما أعطاه اسمها أنكر الرجل فاسم الطفلة مغاير ، ولكنه طلب منه بضرورة أن تكون تلك الطفلة هى من يبحث عنها أهلها ، وأنه ربما من الخوف نسيت واختلط عليها اسمها 00! وكان الرجل عاقلا كما عرفناه منذ بداية القصة وذلك الشوط الشائك من البحث المستمر ، فعاد ، فلما لقيه عرف الطفلة ، فسألها الرجل قائلا : تعرفى الراجل ده 00 ؟ قالت الطفلة : أيوه 00 أنا عارفاه 00 دا عم 00 فلان 00 وهنا قال الرجل لجار الطفلة : عليك بأن تطلب أبيها لأننى لن أسلمها لك إلا فى حضوره ، وأمام قسم الشرطة . وانطلق جميع أهالى القرية وعزبها ، فالتقى الجميع أمام قسم أول ، فكانت أصوات الأهالى ممن حضروا ركبانا فى سياراتهم أو فى التكاتك والموتوسيكلات تدوى فى عنان سماء قسم الشرطة والمنطقة المحيطة حتى ظن الناس أنها مظاهرة سلمية ؛ إلا من أعوزتهم الحيلة فقد قعدوا فى المساجد يصلون ويتضرعون 00 ! والحق أنها كانت مظاهرة سلمية ، بل كانت فرحة كبيرة أطلقت لها أبواق السيارات ، وأشربت أنوار الموتوسيكلات 00 ! لقد عثر المصريون الطيبون بصبرهم وجلدهم وشجاعتهم وتعاونهم ومروءتهم على بغيتهم ، فعادوا بها فى سرور وحبور . فقط لنا ملاحظة أن عنف الآباء يقسى قلوب الأبناء مما يفقدنا الكثير من الأعزاء. ( وكان الله فى عون العبد مادام العبد فى عون أخيه ) [email protected]