إن غوث المواطن من الإدارة وعنتها وكذا غوث الموظف والعامل من قياداته الادارية وعنتها معه لابد وأن يكون بيد الدولة وولى الأمر ذاته .. لكن أن يُترك المواطن ليجأر من هذا الظلم والعنت معه دونما بابٍ يطرقه فهذا هو الظلم بعينه .. فما بالك لو أقام ولى الأمر مع بدء توليته للحكم مثل تلك الدواوين ليرفع عن طالب المظلمة من الادارة سواء كان مواطناً أو موظفاً أو عاملاً ظلم الادارة له فهذه تُعدُ خُطوةٌ عظيمة لايُمكن لأن تمر وتعبُر دونما تقديرٍ أو ثناء .. هكذا تعلمنا فى كُليَّة الحُقوق وعلى مدى ربع القرن من العمل فى هذا الحقل الموضوعيَّة والحياديَّة فى الحكم .. إذ ليس معنى قيامنا بالنقد أننا نعمد النقد لذاته وأن نجحد أيادى البناء والإيجابيات من الأفعال .. صدر قرار مرسى الجمهورى بتشكيل دواوين للمظالم بدءاً بإثنين ومقريهما بأحد دور الرئاسة والقصر الجمهورى بعد أن كانت أشباحاً وفى نظر المواطنين يُعدُّ القربُ منها ركوباً أو ُترجُّلاً ضرباً من ضروب المُستحيل بينما وإن تحقّق فهو المخاطرة بذاتها .. هى اليوم وقد صارت قبلةً للمظلومين وغوثاً للمستغيثين .. كم كتبنا من مقالات تنادى بإنشاء ديوان للمظالم ليرفع عن المواطن ظلم الادارة له وبسرعة لايمكن أن يتحقَّق إلا وإشراف الرئاسة المباشر بنفسه وقائماً عليه .. وهنا وهنا فقط يكون الراعى قد تواصل مع الرعيَّة كما وعنت الادارة يكون قد أفل وولَّى مخافةً أن يعلم به الراعى بنفسه وهو الرئيس الأعلى للسلطة التنفيذيَّة الأمر الذى لم يكن ليشغل بال الأنظمة السابقة برمَّتها وقد بلغ ظلم الادارة للمواطنين مبلغاً لم يكن لتتحمَّلهُ الجبال بينما فالأنظمة تغُضُ الطرف عنهُ ولا تأبه به ولم لا والمواطن لم يكن له قدرٌ فى حساباتها بينما هو اليوم ومن بعد الثورة وبقرار مرسى الأخير صار الهدف والمبتغى وقد أسماهُ هو فى التحرير يوماً صانع الشرعيَّة وأساسها .. ولمن أراد أن يقرأ تفصيليَّاً تصورنا عن ديوان المظالم هذا وكذا طموحنا فى عدالة ناجزة أن يرجع الى مقالاتنا المنشورة بجريدة شباب مصر والشروق والمصرى اليوم ومنها ( عدالةٌ نقتاتها لاخُبز منشود ) وكذا ( قُضاةٌ لاعدول ) وكذا (المشرِّع نصف الموهوب بين الوكالة والإنابة القانونية ) وكذا (نطالبكم سيدى الرئيس القادم ) وكذا ( الإنحراف بالسلطة وجهٌ آخر من أوجه الفساد ) وكذا ( المحامى إما حُرَّاً أو مجرماً فى نظر القانون ) وغيرها من المقالات .. لذا أتمنى أن يعتنى مرسى بفكرة القضاء كعدالة وتخفيف غلواء الشكل والإجراءات عنه والتى باتت وحسب ماتناولناه بتلك المقالات عائقاً عن حصول المواطن على حقه فى عدالة حقيقية وناجزة .. أتمنى أن يُعيد مرسى النظر فى رفع حق الادارة فى ايقاف العامل عن العمل وجعله فقط وحصريَّاً بيد جهات التحقيق غير التابعة لذات الادارة كالنيابة الاداريَّة تحقيقاً لحيادية التحقيق مع العامل وحمايةً له من تنكيل الادارة به اذا ماتقدم ضدها بشكواه .. وتحديداً النص الاجرامى المشبوه والذى كمَّمَ به نظام مبارك العاملين بالدولة فيوقفهم عن العمل بقرار ادارى دون حاجةً لتحقيقات جديَّة اذا ما خرج عن الخط المرسوم له حتى ولو كان هذا الخط فى غير صالح العمل وبما يعنى هذا المسلك من مفاهيم الإذلال والتعريض بالموظف لظلم وتنكيل الادارة به .. ويكمن هذا تحديداً فى نص المادة من قانون العاملين بالدولة والذى ينص فى المادة 83 على أنه )لكل من السلطة المختصة ومدير النيابة الإدارية حسب الأحوال أن يوقف العامل عن عمله احتياطيا إذا اقتضت مصلحة التحقيق معه ذلك لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر ) .. تخيلوا معى ياسادة أنه وبموجب هذه المادة تملك الادارة حق الايقاف للعامل لديها بما يهدده وأسرته من قطع مورد رزقهم أو نصفه عند أول خطوة من الاختلاف بينهما ودون حاجة لتحقيق حقيقى رغم أنه دائماً مايكون بيد جهة تحقيق تابعة لها وتؤتمر بأمرها بل يكفى فقط التحقيق الصورى معه لاصدار مثل هذا الأمر فى حين أن الادارات القانونية فى الجهات الادارية مأمورةٌ بأمر رؤسائها .. فهل يستقيم أن يُعطى مصير العامل وحياته بهذا الاطلاق لرؤسائه وليس حصريَّاً لجهة النيابة الاداريَّة أو جعل جهات التحقيق برمَّتِها مُستقلَّة عن جهات الادارة ومراقبةً لها تحقيقاً للشفافية والاستقلال وعدم التدخل منهم فى عملها وبما يحقق مفهوم العدالة للعامل .. لقد ترتب على هذا الفهم المغلوط والنص المشبوه المذكور أن تواترت أحكام القضاء على تعزيز هذا الحيف بأن أصبح وبموجبها من حق الادارة الاعتراض على قرارات النيابة الادارية بالحفظ بل ولها أن تحيل الملف ثانيةً الى النيابة لأجل احالته للمحكمة التأديبية .. وتخيلوا معى كيف أن للادارة وقد يكون رئيسها لايعنى من فقه القانون شىىء يعترض على قرارات سلطات التحقيق القضائية ويأمرها بالغائها !!! أرى بالاضافة لالغاء هذا النص المشبوه أو تعديله بحصر هذا الحق بيد النيابة الادارية وحسب .. كما وأرى ألَّا تكون الادارات القانونية بالهيئات العامة وشركات القطاع العام جهات معاونة للادارة وكما هو منصوص عليه بقانون الادارات القانونية فى المادة الأولى منه بل لابد وأن يتحقَّق لها استقلالها عن الجهات الادارية تحقيقاً لحياديتها وصوناً لها من تدخل الادارة فى شئونها بما من شأنه تحقيق عدالة وصوناً حقيقياً للعامل من بطش الادارة بل والأكثر أهمية هو حماية المال العام برقابة فعليَّة لأوجه صرفه لا أن يكون وجود أعضاء الادارات القانونية بلجان البت وجوداً صوريَّاً غير حقيقى بما يكون المال العام معه أكثر صوناً وحماية بدلاً عن صورة التعاون بين الادارات القانونية وجهات الادارة التى لاتخلو من الضغوط عليهم من قبلها والتنكيل بهم ان عارضوا ووجَّهوا .. ولايأخذنَّ بعض رجال القضاء غرورهم وكبرياؤهم بالحيلولة دون تحقيق هدف هذا الاستقلال لتلك الادارات القانونية فيرفضون مشروع قانون حماية المال العام والذى بموجبه يتم إلغاء قانون الادارات القانونية رقم 47 لسنة 1973 وإقرار محلَّهُ المشروع بقانون المذكور والذى سيُحقِّق استقلال أعضاء الإدارات القانونية فى مواجهة رؤساء مجالس إدارات الهيئات العامة وشركات القطاع العام والذى قد لوَّح بعضهم بعدم قبوله من باب إستحواذهم على الوجاهة الاجتماعية دون غيرهم من رجال القانون .. إذ مصلحة البلاد العُليا أولى من كل الوجاهات وكفانا نرجسيَّة الأنظمة السابقة بتقديم المظهر الخارجى على الأولويَّات والمضامين العامة .. أرى ضرورة التخفيف من غلواء الاجراءات والشكل والذى بات يُثقِل الدعاوى القضائية والذى بات هو الآخر يقف عقبةً كؤود أمام طالبى العدالة والقاضى نفسه على السواء ويكون كل هَم القضاء وشاغله تعداد وكم الفصل فى القضايا بغض النظر عن تحقيق العدالة ذاتها وأخص بالذكر قانون السجل العينى والذى أصبح يتخذه القضاء مطيَّة للفصل فى الدعاوى بعدم القبول اذا لم يتم شهر عرائضها وصحفها رغم ما فى هذه الاجراءات من صعوبة تصل لدرجة المستحيل وان أمكن إتمامها تُحمِّل المتقاضين أعباء مادية لاقبل لهم بها .. فإن كان ولابد منها فيمكن اتمامها بعد حصول المدعى على حكم قضائى نهائى فى دعواه وهنا يكون من مصلحته ساعتها شهره لكن أن نشترط اتمام هذه الاجراءات دون أن تثبت هذه الحقوق بعد فنكون قد خنقنا العدالة بتفريغها من مضمونها .. تخيلوا معى ياسادة أن قانون السجل العينى رقم 142 لسنة 1964 قد ألزم المدعى بشهر عريضة دعواه ومن ثم لايكون أمام المتقاضى المدعى وحتى يقبل القاضى نظر موضوع دعواه وعدم القضاء بعدم قبولها أن يشهر صحيفة دعواه بكل المعاناة التى يتحملها وكل الأموال التى يتكلفها سواءاً بإيصالاتٍ رسميَّة أو طلبات مختفيةٍ من تحت المنضدة .. لكن المصيبة أن أن المادة 83 من اللائحة التنفيذية لقانون السجل العينى رقم 142 لسنة 1964 قد تم تعديلها وبموجب المنشور الوزارى رقم 7 لسنة2009والذى بموجبه قد اشترط أن يُحضر طالب الإشهار للصحيفة خصمه ليوقع أمام الشهر العقارى .. وهذا قد يكون مقبولاً فى العقود إذ يُمكن اتفاق طرفى التعاقد على توقيع البائع للمشترى أمام الشهر العقارى ولكن هل يكون مقبولاً فى حال الدعاوى المفترض فيها الخصومة بين طرفيها فكيف إذاً لطالب اشهار الصحيفة إحضار خصمه ليوقع أمام الشهر العقارى الأمر الذى إن لم يتم فلن يتمكن وحسب المنشور العبقرى المذكور من شهر صحيفة دعواه ... ومن ثم لن يتمكن من رفع دعواه لحماية حقه العقارى او إسترداده قضاءاً وإن تمكن ورفع دعواه فلن يقضى القاضى فى موضوع نزاعه إذ سيقضى فيه بعدم قبوله وبعد أن يكون المدعى رهين سير دعواه لمايقارب العامين أحياناً .....ولكى تتأكدوا ياسادة راجعوا رجال القانون وخاصة السادة المحامين واسألوهم كم عدد دعاويهم المدنية الخاصة بالحقوق العينية العقارية والتى قاموا برفعها حماية للحقوق العقارية لموكليهم ؟! للأسف سيجيبونكم بندرتها وهنا تكونوا قد تيقنتم أن العدالة غائبة موضوعاً بينما فهى حاضرةً شكلاً ومظهراً .. تخيلوا معى ياسادة أن هكذا دور القضاء ومنذ سنوات طويلة وبصدد القضايا المدنية الأمر الذى جعل رجال القانون من المحامين يبعدون عن الدعاوى الخاصة بالحقوق العينية العقارية ويحجمون عنها بما فيها من صون للملكيات الخاصة للأفراد ويكتفون بدعاوى صحة التوقيع وهى من الدعاوى الاجرائية التحفظيَّة والتى لاقيمة لها الا بصدد توقيع طرفى التعاقد وشهوده دون صلة لها بموضوع التداعى واثبات صحته وبطلانه .. الأمر الذى باتت الحماية الفعلية قضاءاً لملكيَّات الأفراد حبراً على ورق .. ولايهم القاضى قدر العدالة التى حقَّقها بقدر ما يعنيه كم الفصل فى القضايا التى أنجزها !! نريد قضاءاً غير مُتكلِّف يشعر المتقاضى معه بأمان اللجوء إليه لايُفرِّق بين أطراف التداعى أمامه ويكون مُنجِزاً فلايهم صاحب الحق كل هذا الكم من الفلسفات القانونية والاجتهادات القضائية والتى باتت تُظهر تناقض القضاء مع ذاته فى أحكامه فأصبحت تتعدد الأحكام وتختلف فى الموضوع الواحد وحسب تعدد القضاة والدوائر المختلفة . ولكن كل مايهم صاحب الحق هذا أن يذهب للقاضى شارحاً دعواه ومظلمته المبتغى بها استعادة حقه المسلوب أو حماية حقه المُهدد بفقدانه وفى وقت قصير وبجهدٍ قليل وبلا عبقريَّاتٍ كلامية وتقعيراتٍ لُغويَّة .. هنا فقط تكون العدالة قد تحقَّقت .. أمَّا وبفقدان هذا فقد بتنا لا نرى قضايا تظل بدور المحاكم أعواماً عديدة .. بينما فنجد هناك دعاوى أخرى حسب أهميَّة رافعيها وموضوعاتها وقد تم الفصل فيها فى أيَّامٍ قلائلٍ فقط .. ان حق الانسان فى الحصول على العدالة الناجزة مُقدَّمةٌ لديه على حقه فى المسكن والمأكل .. اذ يقبل المرء أن يعيش وسط المجتمع وفى العراء إن أمن على نفسه من الآخرين وقد وثق بوجود قاضٍ عادلٍ ومُنجزٍ لحقه المُطالب بشأنه قضاءاً .. ان رئيس الدولة الآن ليس من أبناء القصور ولا أحفاد السُلطة والجاه وقد نال من الظلم ماقد جعله أحرص على إقامة العدل فينا .. لذا كان ضروريَّاً أن تكون أولى أولوياته العدالة الناجزة ورفع الظلم عن المواطنين من عنت الإدارات المختلفة لذا كان ضروريَّاً لديه إقامة هذه الدواوين وفى قصور الرئاسة والتى كان الشعب ينعتها وبحق بقصور الظلم والطغيان والتى لم تكن يوماً ملكاً للمصريين لكنها كانت ملكاً لمحتلين البلاد وللأسف من أبنائها ذاتهم .. هى اليوم باتت مفتوحة على مصراعيها وقد أنشأ مرسى بها ديوان المظالم ليمحو ألماً لديه وقد شعر به وأهله يوماً من ظُلم السلطة وحيف الإدارة .. الأمر الذى يجعلنى أُُقرر وبحق أن دواوين المظالم لو لم يكن لمرسى إلَّا هى لكفته ..