د. علي زين العابدين الحسيني الأزهري شاء الله سبحانه وتعالى أن أمر بوعكة صحية احتجت على إثرها أن أزور طبيباً مختصاً عدة زيارات في عيادته الخاصة، وحين زيارتك للعيادة أول ما تراه عيناك العدد الهائل من الوافدين عليها، وتكون محظوظاً حينما تأتي قبل موعد حضور الطبيب بساعة أو ساعتين، أو تقوم بحجز موعد قبلها بأيام عبر الهاتف، وحينما تدخل يدهشك ما تراه من عدد المرضى فتشعر بأن غالب الناس مرضى، وبعد دخولك تدفع قيمة الكشف وتجلس إلى أن يأتي دورك، ومن الملفت للنظر أن المريض لا يأتي منفرداً بل يحضر معه غالب عائلته، فلا يشعر المريض بالوحدة بل يستأنس بأهله معه، ويساعدونه، ويأخذون بيديه، ومن عجيب أمر العيادات أن هناك نظاماً في الكشف، فيدخل المريض تلو المريض، وكل في وقته المخصص له إلا أن هذا النظام شكلي فسرعان ما يكسر المرضى هذا النظام، وتأتيك امرأة تطلب أن تدخل والدتها المريضة قبلك لكبر سنها وحاجتها وشدة مرضها، وهكذا فلا تلبث إلا ولا تدري من الذي سيدخل؟ ومن الذي سيخرج؟، إلا أنه من المؤكد أن الجميع سيدخل على الطبيب. وفي الزاوية البعيدة من العيادة كانت تجلس عجوزاً ربما تجاوز سنها التسعين في أقل تقدير، وبجانبها بنت لها شاهدتها فيما بعد تحملها وتصعد بها للعيادة، هذه المرأة العجوز لسانها لا ينفك عن الاستغفار وذكر المولى سبحانه، ولا تدخل امرأة أخرى إلا وتسلم عليها بحرارة بالغة، وكأنها عميدة المرضى، ثم تجلس النساء بجانبها، وينصتن لحديثها إنصات البنت لأمها، وقد حاولت الاقتراب من مجلسها لأسمع حديثها، ولا أخفيك شدة تأثيرها علي وعلى من حولها من خلال كلامها، فتسمع منها حكايات وغرائب وقصصاً، وتفيدك بخبرات وتجارب حياتية، ولا عجب أن ينصت لها الجميع وأنا منهم بشغف، وبين كل حكاية أو قصة تذكر ربها بصوت عال، ويردد من خلفها المرضى الذكر والاستغفار حتى يصل بك الحال أن تنسى مرضك، وهذا إن دل فإنما يدل على أن المرضى في حاجة إلى الأنس بمن حولهم، أرأيت هذه العجوز الأخرى التي كانت عاجزة عن الصعود إلى العيادة، وترفع صوتها من كثرة الوجع والألم، فلما التقت بهذه العميدة الكبيرة وتبادلا الحديث فيما بينهما نسيت وجعها، واختفى صوتها في موقف مهيب لا يكاد تصدقه لولا أنك شاهدته، وتسأل نفسك أيكون الحديث مع المحبين والاستئناس بالأقارب ذاهباً للوجع والألم؟! نعم من خلال مشاهداتي في العيادة ورصدي لحال المرضى أجزم بذلك، ومن الأمور المهمة التي استفدتها من خلال هذه المشاهدات تلك العبارات التي تخرج من المرضى الكبار وأعني بها عبارات الذكر والاستغفار والرضا التام بقضاء الله وقدره، فلا تسمع سخطاً ولا ترى جزعاً، وكل ما تراه الرضا التام في مشهد نادر من سكون الحال وطمأنينة البال، وإذا كان هذا حال هؤلاء الكبار مع المرض وكبر السن فما بال حالنا ونحن في ازدياد من نعم الله علينا؟! بقلم: الشريف د. علي زين العابدين الحسيني الأزهري باحث وكاتب ومؤلف أزهري وعضو نقابة السادة الأشراف بمصر