د. علي زين العابدين الحسيني الأزهري إنَّ لمقال (روح الاجتماع) للأديب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي عندي يداً لا أنساها؛ لأنه أزال ما في نفسي من إشكالات، فدائماً ما يراودنا السؤال عن أتباع الفكر المتطرف والجماعات الحزبية من وجود فئةٍ متعلمةٍ بين صفوفهم على قدرٍ كبيرٍ من الفهم والإدراك من أساتذة جامعات، وأطباء، ومعلمين، وغيرهم من الحذاق والأذكياء، وهؤلاء المنتمون لهذا الفكر من هذه الفئة المتعلمة يفهمون كما يفهم أهل التطرف، ويصرخون صراخهم، ويضجون ضجيجهم، ويتقلبون في أكف زعماء هذه الجماعات تقلب الكرة في أكف اللاعبين، فيشاركونهم في تصور ما لا يتصور، واعتقاد ما لا يعتقد، وتصديق ما لا يصدق، وفهم ما يستحيل فهمه، وبعد التأمل في طبيعة إيديولوجيا هذه الجماعات ستجد أن كل هؤلاء الموصوفين بالذكاء والقدر الكبير من الإدراك المنضمين لصفوف هذا الفكر الضال لا يختلفون في حقيقة أمرهم عن العوام في الأمور التي مرجعها الشعور والإحساس، فقادة هذه الأفكار المنحرفة يسيطرون على أتباعهم بالمشاعر والأحاسيس، ولذا يوجد في صفوفهم العالم والجاهل، وبينهما من البعد في الفهم والعقل والذكاء كما بين السماء والأرض إلا أن مرجعهما واحد، وهو الشعور والإحساس، وبالتالي يسهل السمع والطاعة لقادتهم، كما أن غالب هذه الفئات تنصرف عمن يدعو إلى الوسطية، ويأخذ المجتمع باللين، ويرفق بحال الناس، ويحنو عليهم؛ لأن هذه الفئات لا تحترم إلا القوة، ولا تخنع إلا لها، فلا تتأثر بالحسنى، ولا تلين بالرفق؛ لأنه في نظرهم صورة من صور الضعف ليس إلاّ. وغالب هذه الجماعات يعتمد في التسويق للفكر المتطرف على كثرة أعداد أتباعهم، وهو في الحقيقة ليس ظاهرة صحية، حيث لا يُعدّ إجماع واحد أو مئات الآلاف وهم متأثرون بشعور واحد ومستمدون قوة واحدة على رأي واحد من الآراء دليلاً على صحة هذا الرأي؛ لأنه في ميزان العقلاء هو رأيُ فردٍ واحدٍ، وتأثر به الباقون وقلدوه، كما أن غالب الموصوفين بالذكاء والنبوغ لا يدخل في هذا الفكر المنحرف إلا بعد أن يخلع عقله وموهبته قبل دخوله باب الجماعة، وفي حقيقة الأمر فإن قادة هذه الأفكار المتطرفة لا يحتاجون لامتلاك التفكير والعقل، بل يكتفون من ذلك كله بمعرفة أذواق أتباعهم، فيتحكمون، ولا يختلف حالهم عن التجار الذين يروجون لبضائعهم، ويعرفون احتياجات السوق، ويكونون على إلمام برغبات زبائنهم، وقد فطن لخطورة هذه الأفكار على المجتمعات الوطنيون والمحافظون على الهوية الوطنية، فنادى المُدركون لقيمة الوطن إلى ضرورة الخلاص من خطل هذه الجماعات وضلالها، وإكساب المجتمع وخاصة الطلاب والشباب بقوةٍ من العلم تساعدهم على اكتساب ملكة معرفة خطر هذه الأفكار على مجتمعاتنا، وعلى اكتساب الحصانة الوطنية للخلاص من جنون التطرف، وبيان خطر التحمس الزائد والتهور؛ لخطورتهما على تماسك هويتنا الوطنية. بقلم: الشريف د. علي زين العابدين الحسيني الأزهري باحث وكاتب أزهري وعضو نقابة السادة الأشراف بمصر