تمثل تجربة القنوات الإسلامية، عملاً جديداً ومختلفاً، بكل المقاييس. جدّة التجربة واختلافها ليس في مهنية العمل، أو في استخدام تقنية جديدة .. خاصة بها، غير موجودة عند غيرها من القنوات. التفرد كان في (الثورة) النوعية، التي أحدثتها القنوات الإسلامية، في مجال البث الفضائي. في وقت لم تلتزم القنوات الفضائية الأخرى، بأي ضابط يحكم طبيعة البث ونوعه، إلا ما كان له علاقة بالتنظيمات (القانونية) في البلد الذي تعمل فيه .. وضعت القنوات الإسلامية معايير صارمة .. أخلاقياً ومهنياً، تحكم سياستها في البث. الحرية غير الملتزمة بقيود من أي نوع أعطى الفضائيات غير الإسلامية هامشاً كبيراً جداً للعمل. في المقابل .. المعايير والضوابط الأخلاقية للقنوات الإسلامية ضيقت هامش العمل لديها، وحدّت من استخدامها لكل ما هو (متاح)، في مجال العمل التلفزيوني .. مما يمكن أن (يجذب) المشاهدين، بمختلف شرائحهم، كما هو حال الفضائيات الأخرى. أمْرٌ آخر يُحسب للقنوات الفضائية الإسلامية أنها نجحت في امتحان وإثبات مبدأ "التعرض الاختياري" Selective Exposure، كأحد أهم الفروض التي تفسر عملية اكتساب المعلوماتInformation Acquirement ، ومن ثمّ التفاعل معها. وفق هذه الفرضية، فإن الفرد يختار أن يعرّض نفسه لمصدر معلومات (معين)، ويتفاعل معه، ويتأثر بما فيه من معلومات .. ويكتسبها، على أساس من احتياجه. هذه النتيجة، تؤكد الحاجة لتوسيع هامش الاختيار أمام المشاهد العربي، بتشجيع قيام قنوات جادة، تسهم في الارتقاء بالوعي والثقافة، كما أنها -كذلك- تدحض الزعم بربط تنامي السلوك المحافظ، والصحوة الدينية، في أوساط المجتمعات العربية، بنفوذ أفراد .. أو مجموعات غامضة، تمارس ضغوطاً على الناس، لإقناعهم بأفكارها. التعرض الاختياري، قرار شخصي بحت، يتم بمعزل عن أي نفوذ لطرف خارجي. إذا كانت أبرز الملامح النوعية لتجربة القنوات الإسلامية قدرتُها على تقديم مضمون جاد، واستقطاب جمهور يهتم به .. في ظل أنماط متعددة لسلوك إعلامي استهلاكي، يعتمد على الإثارة .. بمختلف أشكالها، فإنه يجب الإقرار أن تجربة القنوات الإسلامية، لا تخلو من قصور مهني... حداثة التجربة، ونقص الكوادر المدربة، من أهم الأسباب، وغياب الرؤية أحياناً .. سبب آخر مهم. لا يمكن الادّعاء كذلك أن كل (الأهداف) التي تقول القنوات الفضائية الإسلامية إنها وضعتها، جزءاً من سياستها، بوصفها إعلاماً إسلامياً .. قد تحققت. استخدام العامية في تلك القنوات، ما زال موجوداً، وإن كان بنسبة أقل من غيرها من القنوات. بعض القنوات الإسلامية كذلك لم تستطع أن تتخلص من الطابع المحلّي للبلد الذي تبث منه، خصوصاً الاهتمام بالأحداث والفعاليات القُطْريّة، على حساب قضايا الأمة والأحداث العالمية. كما تسود هيمنة الطابع الشخصي .. لمالكيها، أو القائمين عليها، فتؤثر على السمة العامة لبرامجها، وعلى مستواها المهني.