وسط الفرحة العارمة التي يعيشها الشعب المصري عقب زوال نظام مبارك المستبد ومع توالي الانتخابات النزيهة والتي اكتسحها الإسلاميون خرجت علينا تصريحات تريد إعادتنا للخلف وكأن دماء الضحايا التي لم تجف بعد، وكأنها نُزفت من أجل استبدال عسكر بعسكر ودكتاتور بدكتاتور، ويبقى الشعب رهينة المنح والعطايا.. لقد خرج علينا أحد أعضاء المجلس العسكري الحاكم في مصر، والذي أكد دومًا على أن السلطة ستعود للشعب، وأنه لا تراجع عن "الديمقراطية" ليقول: إن البرلمان القادم لن ينفرد باختيار لجنة تشكيل الدستور؛ لأنه "لا يمثل الشعب"، وأن المجلس الاستشاري والحكومة -التي شكلها المجلس العسكري بالأمر المباشر دون رغبة معظم القوى السياسية- سيشاركان في اختيار اللجنة, وأنه لن يسمح لأي تيار سياسي بفرض إرادته حتى لو حصل على الأغلبية في الانتخابات! وجاءت هذه التصريحات بعد قليل من تصريحات أخرى سبقت الانتخابات أكد فيها المجلس العسكري أن الحزب الفائز في الانتخابات لن يكون له رأي في الحكومة ولن يشكلها، وأن المجلس العسكري هو وحده صاحب الحق في ذلك. وهو كلام يتنافى مع أبسط قواعد "الديمقراطية" في أي بلد عرفتها، ويسحب حق الشعب في اختيار من يحكمه. إذن لماذا قام الشعب بالثورة؟ هل من أجل تشكيل برلمان خالي الصلاحيات لا يستطيع عزل الحكومة التي عينها مجلس عسكري جاء للحكم بإرادة الشعب نفسه؛ لكي يسلم السلطة للمنتخبين؟! إن المجلس يفعل كما كان يفعل مبارك من قبل، غير أنه يجعل الشعب يختار من يريد ثم يسحب منه صلاحياته، أما مبارك فكان لا يسمح للشعب بالاختيار مع منح المجلس صلاحياته. فالنتيجة واحدة، وفي النهاية الشعب عند المجلس العسكري ومبارك بل والعلمانيين قاصر وجاهل لا يعرف مصلحته، وينبغي الوصاية عليه لا يوجد برلمان في أي دولة في العالم يمكن أن نقول: إن كل الطوائف والفئات ممثلة فيه، ولكن هناك أغلبية وأقلية؛ فالأغلبية هي التي تحكم وعلى الأقلية والفئات غير الممثلة أن تعيد حساباتها للفوز في مرات قادمة، ولكن نزع صلاحيات الأغلبية من أجل هذه الحجة الباهتة معناه أن لا فائدة من الانتخابات، وأنها تمت من أجل تسكين وتسكيت الشارع، كما يفعل المجلس منذ أن جاء للسلطة إن ما يحدث في مصر انطلاقا من تصريحات العسكر ومرورا باحداث مجلس الوزراء من قتل الشيخ عماد عفت وتجريد فتاة من ملابسها وتعذيبها علي ايد العسكر يعد اهانة للديمقراطية وحرية التظاهر و انقلابًا على الخيار الشعبي ولكن بشكل تدريجي وأدخل البلاد دوامة شديدة من العنف, ولكن الشعوب الآن أصبحت أكثر نضجًا وعرفت طريق الميادين، ولن تترك فئة واحدة تتصدى للاستبداد فيسهل القضاء عليها كما كان يحدث من قبل، ولكن ستقف جميعها للدفاع عن حريتها واختيارها.. لقد أصابت هذه التصريحات الكثيرين بالصدمة وأعادت الحديث عن إمكانية رجوع العسكر حقًّا لثكناتهم بعد هذه المناورات دون ترتيب الحكم بشكل يرضون عنه هم وليس كما يرضى عنه الشعب, خصوصًا ونحن مقبلون على انتخابات رئاسية لا نعرف كيف ستجرى بالضبط.. هل أصابت نتائج الانتخابات العسكر بالصدمة كما نقل بعض الكُتَّاب عن سياسيين بارزين التقوا بهم مؤخرًا؟ هل هناك ضغوط ما يتعرضون لها من الغرب؟ هل سيؤثر ذلك على كيفية إدارة انتخابات الرئاسة وتشكيل لجنة إعداد الدستور؟ ألف هل وهل تطرح نفسها، بعضها إجابته واضحة ومخيفة، والآخر ستكشف عنه الأيام القادمة.