فى البداية كانت مزحة طريفة " الشعب يريد إنشاء النظام " ثم إكتشفنا أنها واقع ملموس، فلم يكن هناك نظام لنسقطه، فكان لابد من الإسراع بإنشاء نظاماً سياسياً لحكم البلاد، وهب الجميع من كل حدب وصوب، كل حسب إمكاناته وقدراته، وبدأت اللقاءات والمشاورات...مؤتمرات وتصريحات...أحزاب تتشكل وجمعيات تشهر...وجوه معروفة وأخرى مجهولة تطل علينا عبر القنوات الفضائية فى مقابلات وندوات ساخنة...صحف تصدر ومقالات تصدح...حراك سياسى- بلغة الساسة - لاقيود له...عندها بدأ الصراع على السلطة مرئياً بوضوح... وأخذ الليبيون يتهمون الجميع بالسعى لتولى السلطة. نعم، إن الغالبية العظمى من الناشطين السياسيين تسعى لتولى الحكم-هذه حقيقة لاأنكرها- ولكنى لاأقبل أن تكون تهمةً أوعيباً أو أمراً مذموماً، بل العيب كل العيب أن تظل الأفكار الخاطئة - موروثات العهد الفاسد - راسخة فى أذهاننا تتحكم فى تفكيرنا وتصرفاتنا، فمازالت الغالبية منا تؤمن بأن السعى لتولى الحكم والتنافس فى ذلك عملاً خبيثاً وتهمة نكراء عقابها السجن أو حتى الموت، هكذا أوهم الدكتاتور المقبور الشعب دفاعاً عن حكمه وملكه، أليست السلطة بيد الشعب !! إنه لأمر طبيعى أن يسعى الناس أفراداً وجماعات لتولى الحكم فى كل المجالات والقطاعات، بدئأً من داخل الأسرة وإنتهاءً بالبلاد، فما الحكم - فى أبسط صوره - إلا القدرة على إتخاذ القرارت وإصدار التعليمات بتنفيذها. وهنا يبرز السؤال الجوهرى : لما يسعى الجميع لتولى الحكم؟ إن الحكم هو الوسيلة لتحقيق الغايات، والتى غالباً ماتكون سامية ونبيلة ومعلنة، والتى تحقق مصالح الغالبية العظمى من الناس، فالسلطة تمنحنا صلاحيات أوسع ومسؤليات أكبر- فى نفس الوقت - تمكننا من تحقيق غاياتنا، بخلاف مايتوهم البعض من ذوى النفوس الخبيثة والعقلية الفاسدة من أن الحاكم دائما مايسعى لمآرب شخصية ومنافع مادية له ولحاشيته - فهكذا كان الحال فى زمن الطاغية ومازال راسخا فى عقول البعض منا- أما مصالح البلاد والعباد فلهم رب يقوم عليهم.!! إن الثورة تعنى نبذ الواقع الخاطىء وتغييره بواقع أفضل، فلننبذ الأفكار الخاطئة موروثات الماضى ولنتبنى الآراء الصحيحة ذات الأسس المنطقية والعلمية التى تزيح من طريقنا عقبات التقدم وموانع التطور، ومن كان غيرقادرعلى هذا فليدع من تتوفر فيه القدرة والإرادة على آداء هذا الدور والقيام بالثورة لنتمكن من إنشاء النظام.