انتخابات نقابة الصحفيين لا تهم أبناء "مهنة البحث عن المتاعب" وحدهم وإنما تهم المجتمع بأسره وليس في هذا القول مبالغة أو تعصب ل"صاحبة الجلالة" فنقابة الصحفيين ليست مجرد "ناد" أو "رابطة" لعدد يزيد أو يقل من أبناء مهنة من بين العديد من المهن الأخري، وإنما هي أيضا بحكم طبيعتها الخاصة كنقابة للرأي منبر للدفاع عن الحريات العامة والخاصة وأحد مصابيح التنوير وأحد معاقل الذود عن الاستقلال الوطني والكرامة الوطنية، وليس فقط للدفاع عن مهنة الصحافة ومصالح الصحفيين. هكذا كانت دائما منذ ظهور الصحافة مع "الثورة" التي صاحبت وصول "المطبعة" الي ضفاف النيل، حتي ثورة 25 يناير التي زعزعت دعائم تحالف الاستبداد والفساد وأجبرت الرئيس السابق حسني مبارك علي التنحي عن الحكم بعد 30 عاما متصلة تشبث فيها بعرش البلاد ولم يكتف بها بل حاول توريث حكم مصر لولده "جمال". وإذا كان هناك من الصحفيين من خان ضميره المهني، والوطني، وشارك في التضليل الصحفي والإعلامي ومحاولة تجميل الوجه القبيح للنظام السابق فإن الغالبية العظمي من الصحفيين المصريين شاركت في فضح مساوئ تحالف الاستبداد والفساد، وكانت هذه الشجاعة الصحفية والإعلامية أحد الروافد التي تجمعت في تيار كاسح أدي إلي خلع مبارك وإجباره علي "الرحيل". * * * وللأسف الشديد فإن رياح ثورة 25 يناير لم تصل بعد إلي الصحافة والإعلام رغم مرور تسعة أشهر كاملة فقد كانت هناك حرية تعبير غير مسبوقة عشناها في ظل النظام السابق، لكنها كانت حرية "عرفية" كما قلنا مرارا وتكرارا. هذه "الحرية العرفية" كانت ولاتزال تحاول التغطية علي أربعة عيوب هيكلية تعاني منها الصحافة المصرية وتؤثر تأثيرا مباشرا وغير مباشر علي أدائها وحريتها. العيب الأول هو القيود التي كانت ولا تزال تكبل حرية إصدار الصحف والعيب الثاني هو عدم وجود قانون يكفل الحصول علي المعلومات وحرية تداولها، علما بأن هذه المعلومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي شريان الحياة للصحافة والإعلام. والعيب الثالث هو ازدحام القانون المصري بترسانة من القوانين البالية الموروثة من عصور الاحتلال الاستعماري المعادية لحرية التعبير وعلي رأسها القوانين التي تجيز الحبس في قضايا النشر، والتي يزيد عددها علي 18 قانونا مسلطة علي رقاب الصحفيين. والعيب الرابع هو تدهور أصول المهنة بعد سنوات وعقود سادت فيها معايير النفاق والفهلوة والولاء الشخصي والسياسي علي حساب معايير الكفاءة والمهنية. * * * في ظل هذه العيوب الأربعة، الموروثة عن النظام السابق، جرت الانتخابات الأخيرة لنقابة الصحفيين والأهمية الاستثنائية لهذه الانتخابات تعود إلي أنها أول انتخابات تجري بعد ثورة 25 يناير، وبهذا فإنها أول انتخابات لا يكون فيها صراع بين مرشح "حكومي" لمنصب النقيب ومرشح "معارض" أو "مستقل". وأول انتخابات لا تكون فيها "الرشاوي الانتخابية" هي القاعدة. وأول انتخابات لا يكون فيها مرشح "الخدمات" هو الحصان الأسود الذي يسيل لعاب الناخبين علي "المزايا" التي سيجلبها. وأول انتخابات تجري بعد دفن القانون 100 الذي ظل حاكما لكل النقابات المهنية، ومن بينها نقابة الصحفيين التي عادت في الانتخابات الأخيرة للاحتكام إلي قانونها الخاص كما اعتدنا طويلا. لكن هذه النقطة الأخيرة تستحق ان نتوقف أمامها قليلا، لأن الانتخابات جرت في مرحلة "بينية" بين القانون 100 وقانون نقابة الصحفيين وظهر ذلك مثلا من الإشراف القضائي علي عملية الاقتراع التي هي جزء من العملية الانتخابية وقد تسبب ذلك التراوح بين القديم والجديد الي مشكلات كثيرة حيث استطالت العملية الانتخابية الي ما يقرب من 16 ساعة وأصيب الناخبون بإنهاك شديد والأخطر ان الكثير من الناخبين قد يئسوا من الإدلاء بأصواتهم أو تصوروا أن النصاب القانوني لم يكتمل فغادروا مقر النقابة ولم يدلوا بأصواتهم وكانت النتيجة ان الذين شاركوا في