النفس تتجرع كئووسا شتى ولكن أقسى ما تتجرعه النفس البشرية هو كأس الغربة. وأقسى أنواع الغربة وأشدها غربتك فى وطنك ، بين أناس هم أهلك ، هم شركاء لك فى وطن يقبل القسمة على الجميع . ومع أنك منهم دما ولحما دينا ووطنا ، إلا أنهم قد حلفوا اليمين وأدوا القسم على أن يلفظوك ، ينفوك ، يغربونك ويغربون معك الوطن . يحرمونك من خبز هو لك فيطعمون به غيرك ،ويحرمونك من غاز هو لك ليضخوه لعدوك . أليست غربة ، وغربة متعمدة ؟ غياب العدالة في الوطن غربة ،غياب قوة القانون في الوطن غربة، الظلم في الوطن غربة ،الفقر في الوطن غربة ،الإهانة في الوطن غربة ،الفساد في الوطن غربة ألا ما أبشع تلك الغربة ! ألا ما أقساها على نفسك أيها الغريب فى وطنك ! الحزين أنت لغربتك ، تدمع عيناك وينفطر قلبك لدمعتك ، ويسهر ليلك لا ينام ولا يغمض لك جفن حيث الغربة بالليل والنهار باليقظة والمنام . نعم وكيف ينام الغريب فى ليل الغربة يا وطنى؟ أيا مصر : جسمي معي غير أن الروح عندكم فالجسم في غربة والروح في وطن فليعجب الناس مني أن لي بدنا لا روح فيه ولي روح بلا بدن متى ياوطن الغربة أعود إليك وإلى نفسى ؟ متى يا وطن الصحبة يلتئم الشمل؟ متى يا مصر نطعم من خير هو لنا حق وليس لغيرنا ؟ متى يا مصر تمنحينا حق اللجوء إلى نيلك؟ ونعمة التمتع باستنشاق عبق التاريخ عند أهراماتك ؟ نذرت نذرا لو تلاقينا يا مصر لأذبحن على أعتاب أبوابك خوفى وغربتى وهمومى، فلا أخاف ولا أهتم وأحزن لغربتى . نذرت نذرا لو عدنا إليك يا مصر ألا أنام حتى تهدئى ، ولا أغترف من نهرك غرفة حتى ترتوى . آه يا مصر لو عادت لنا أمجادك ،وأمنك ، واقتربنا من وجدانك ، ساعتها نقبل حبات الثرى من بين أقدامك . هل سنظل غرباء فى بلادنا و وطننا؟ هل سننتظر طويلا لتنقشع عنا غمة تلك الغربة؟ آن الآوان لنعمل جاهدين على ألا نكون فى أوطاننا غرباء . هشام الجوهرى