قبل ان يستكمل الشباب التعليم الجامعي .. يأخذه حلم الغربة .. والمال الذي يسقط عليه من السماء .. والبنت الأجنبية ام عيون خضراء وشعر أصفر .. ولكن الحقيقة غير كل تلك الأحلام .. الواقع الذي يحكيه من جرب الغربة يقول :"لو الغربة مرة كالصبر " فالعودة للوطن أصبحت "أمر من العلقم" . بعد ان ضاع عمرة ومرة السنين ولم يحقق شىء .. ولكن ذلك لا ينطبق علي كل المغتربين .. فهم يرون أن التعليم سيء .. والصورة مسيئة بفضل برامج التوك شو .. وفي النهاية قرار البقاء في الغربة أفضل .. فالقضية عند البعض ليست مجرد الاستمتاع بالحياة وبالأموال التي يجمعها من الغربة ولكن رفضهم في الوقت الراهن، سببها الرئيس أن حال الوطن لا يسر عدو أو حبيب، ولا يمكن للمغترب أن يترك سيارة الدفع الرباعي التي يملكها، ونمط الحياة المنظمة ، من أجل أن يعود إلى حيث يسيطر الفساد والعشوائية في الفكر والسلوك.. قضية نستعرضها معكم لإيجاد حل قبل فوات الآوان .. في البداية نود أن نتساءل .. هل يمكن أن يتذكر كل مغترب وعوده التي قطعها لاهله قبل السفر ، وقسمه بأنه لن تزيد عن أربع أو خمس سنوات ، يتمكن خلالها من تحقيق هدفه في ذلك الحين من امتلاك الشقة الملائمة أو غيرها؟ جميعها اسألنا بتداولها في الغربة فيما بيننا .. ألا تتفق أن هدفك الآن قد تطور بشكل ملحوظ؟ وأنه بمرور الوقت صرت تعمل فقط من أجل تحسين حياة أولادك وتكوين مستقبلهم، وهذا بالتأكيد حقك.. ولكن اسمح لي أن أسألك عن اللحظة التي سوف تكتفي فيها وتقرر العودة إلى الوطن، هل هي بعد عام أو خمسة أو حتى عشرة؟ المهم.. هل خططت لمستقبلك؟ أم أنك ستنتظر حتى ينهي أولادك دراستهم الثانوية، لتبدأ حياتهم الجامعية في مصر، بينما تبقى أنت وحيدًا في الغربة تصل الليل بالنهار في نفس الدوامة، هل جربت يا عزيزي أن تتمتع بالعيش مع أولادك بدلاً من العيش من أجل أولادك؟ المعلومة الأخطر التي تهمك.. هي أن الغالبية العظمى من أبناء المغتربين يعانون كثيرًا عند العودة إلى مصر والالتحاق بجامعاتها، أنا لا أتحدث عن المجموع الذي يؤهلهم للالتحاق بالجامعات الحكومية أو الخاصة، وما يتبع ذلك من مصاريف إضافية تحتاج منك مزيدًا من الأعوام بالغربة لتغطيتها، ولكن أعني الجانب الاجتماعي والسلوكي؛ فهم قد ترعرعوا في مجتمع مغاير تمامًا من ناحية العادات والتقاليد، وهو ما يؤثر على تكوينهم النفسي وينعكس على تصرفاتهم، ما بين الانغلاق الكامل وعدم القدرة على التكيف مع الوضع الجديد، وبين الانبهار الكامل الذي يصاحبه محفظة ممتلئة بالنقود من خلال والده الذي يعمل بالخليج، وهو ما يدفع بالكثير من الشباب إلى الانحراف المبكر نتيجة غياب دور الأب. تكمن أحد الجوانب الأخرى للمشكلة في أنك عزيزي المغترب قد تكونت لديك صورة سلبية أكثر من اللازم عن الواقع المصري، صحيح أن أحوال الوطن لا ترضي أحدًا؛ ولكن الصورة لديك تزداد سوءًا من خلال متابعتك لعالم البرامج الحوارية التي تبحث عن السبق الصحفي في قضايا الفساد والجرائم، أضف إلى ذلك أنك تعايش الواقع في المجتمع لمدة أسابيع قليلة من خلال أجازتك السنوية، والتي تلاشت فيها علاقاتك مع الأهل والأصدقاء، اللهم إلا ممن ضاقت بهم سبل الحياة ويرونك المخلص لمشاكلهم ، ولم لا.. وأنت بالنسبة لهم رجل يعمل لمدة عشرة شهور في العام، ثم يعود إلى بلده محملاً بزكائب المال، تلبس ثوب "الدفة" وحوارك معهم يدور حول أنواع سمك "الهامور"، وأسعار جمارك السيارات!. مشكلتك يا عزيزي أنك لا تشاهد الوطن إلا من خلال دائرة ضيقة ترتبط بواقعك المرير حين غادرته، ذكريات الوطن ترتبط معك بزحمة "الأوتوبيس"، وخناقات "الميكروباص"، ومجاري الشوارع، بينما لم تعرف أنه توجد دوائر أخرى أوسع، تضم شريحة استطاعت من خلال تملكها المال أن تصبح حياتها مختلفة عن تلك التي عشتها أنت، حياة يدور فلكها في "فلل" التجمع الخامس، وقرى الساحل الشمالي، أغلبهم من الشرفاء الذين كسبوا أموالهم بالحلال، وقرروا أن يغيروا من نمط حياتهم، وأنت بإمكانك -إن أردت- أن تستمتع بحياتك في بلدك على نفس المنوال. أنا لا أطلب منك العودة ولا البقاء، وإنما أطلب منك أن تقرر ماذا تريد أن تفعل؟ وأن تحدد هدفك بوضوح، وتصبح صادقًا مع نفسك، ماذا تريد الآن من الغربة؟ وإلى متى؟ أرجوك لا تدفن رأسك في الرمل وتؤجل الإجابة على هذه الأسئلة إلى حين تتحسن الظروف والأجواء في وطنك، فهذه عشرات السنين قد مرت ولم يحدث ما تنتظره من تحسن، وستمر أيام العمر سريعًا لتصبح مجرد ذكريات، إذا كان الدكتور "فيصل القاسم" قد طلب منك أن تستمتع بحياتك في الغربة؛ فأنا الآن أطالبك بأن تبدأ حياتك، وتوجه بوصلتها نحو الاتجاه الصحيح، يا عزيزي.. إذا كنت لا تعلم وجهتك، فحتمًا ستصل إلى المجهول.