الدكتور / رمضان حسين الشيخ إن الاختلاف في الرأي أمر طبيعي جداً فكل شخص يمتلك وجهة نظر تختلف عن باقي الأشخاص، والاختلاف شئ إيجابي يساعد على النقاش والحوار والخروج بأفضل النتائج كما أنه يساعد في الاستفادة من تجارب الآخرين والتعرف على الخبرة التي اكتسبوها نتيجة التعرض للعديد من المواقف والمشكلات في الحياة، ولكن في الوقت الحالي تحول الحوار إلى جدال وأصبح الشخص الذي يحمل وجهة نظر مختلفة غير مرغوب فيه، وأصبح كل شخص يحاول إثبات صحة وجهة نظرة دون أن يستمع لوجه النظر الأخرى، كما أصبحت العقول متحجرة غير قابلة لتغير بعض المفاهيم والنظريات، فالمجتمع أصبح خالي من أصحاب العقول المرنة التي تتفهم الأمور، وبالتالي المشكلات بالمجتمع كما زادت المشاجرات التي تحدث بشكل يومي بين الأصدقاء وزملاء العمل وأفراد الأسرة الواحدة نتيجة اختلاف وجهات النظر، وللتغلب على تلك المشكلة لابد من التعرف على آداب الحوار مع الآخرين والتي يجب الالتزام بها لتفادي حدوث أي مشادات أثناء الحوار. نجد اليوم أننا نواجه تحديات من النوع الذي يحتاج تفهما وإدراكا لاحتياجات الآخرين أكثر من أي وقت مضى، قرارات تتخذ من قبل القلة تؤثر في مسار حياة الأغلبية، كيف لهذه الأغلبية أن يُسمع صوتها إن كان من يضع القوانين غير مستعد أن يصغي؟! إن الزمن قد تغير والكثير أصبح يتوقع بل يطالب أن يكون له رأي في القضايا التي تؤثر في حياته ومستقبل أسرته، بل منهم من يجنح إلى طرق تعطل تنفيذ القرارات بطرق شتى إن لم يفسح لهم المجال في المشاركة، هذا لا يعني أن من يتخذ القرار على خطأ أو حتى على صواب، ما يعني هنا أن ثغرة ما قد تخلق وقد تتسبب بمشاكل لم تكن في الحسبان، كان بالإمكان تفاديها لو أن كان هنالك حوار؛ ليس محادثة أو نقاشا أو حتى مناظرة، كلمة السر هنا هي "حوار"، لماذا الحوار؟ لأنه يبدأ باعتراف بالآخر ككيان مؤثر له احتياجات وله تطلعات بحاجة لمن يفهمها، وأن كل فرد لديه فكرة أو رأي أو وجهة نظر قد تسهم في بناء القرار السليم الذي يخدم مصلحة الأغلبية.. نعم إلى وقت قريب لم نكن نسلك الحوار لأن حسب مجريات الأحداث التي كانت متوقعة ومقبولة عند الكثير هي تنفيذ الأوامر دون نقاش، الإدارة في المدرسة تصدر القرارات والهيئة التعليمية تنفذ، المعلم يعطي الأوامر والطالب ينفذ، الأب يطلب والأبناء ينفذون، صاحب العمل يقرر والموظف ينفذ، لا نقاش ولا حوار ولا حتى مراجعة، لم يكن في قاموس التواصل والتفاعل أي شيء يشير إلى تفهم الآخر كإنسان له تطلعات واحتياجات وتحديات، ولكن اليوم غير الأمس! إذن الحوار في الأساس هو وسيلة التعارف الذي أمر به الله الشعوب والقبائل وأول ما يجب أن يتوفر في أسلوب الحوار ومنهجه، الحكمة، فلا ينقاد للهوى والرغبة في الظهور والتقليد الأعمى والتعصب للرأي وعدم احترام كل طرف رأى الطرف الآخر، مما يفقد الحوار الفائدة المرجوة، بل قد يؤدي هذا الأسلوب إلى تفاقم الخلاف. ويجب أن يلتزم المتحاورون بموضوع الحوار فلا يتجاوزونه إلى مسائل جانبية، فتطمس الحقيقة، ويتشتت الفكر.. والخلاف والاختلاف أمر طبعي وسنة من سنن الله في خلقه، والحوار المستنير هو صمام الأمان لطرح مشروع الإصلاح المدروس، هذا هو المنهج العلمي للحوار في الإسلام. فالمتأمل لحياتنا اليومية يجد أن الحوار هو مرتكز أساس لحياتنا وخاصة بعد دخول الاتصالات المادية التي هي جزء من نشر الحوار اليومي من خلال أجهزة الاتصالات الهاتفية والقنوات الفضائية. وبما ان الحوار أصبح حاجة إنسانية وعلماً يدرس ومهارة تكتسب فإن هناك أسساً لهذا العلم ينطلق من خلال التعرف على مفهوم الحوار وأنواعه وأهميته في حياتنا اليومية سواء أكان هذا الحوار معداً له من قبل أو من خلال الحوار التلقائي البسيط الذي يجري بين الناس دون إعداد أو ترتيب. ويعمل الحوار على تهميش ثقافة أحادية التفكير والإقصاء الذي يمارسه البعض تجاه الآخر مما يساعد على التعرف على الآراء المطروحة وأسباب طرحها لكي يسهل الحوار من خلالها للوصول إلى إظهار الرأي وبيان وجاهته وقيام الحجة على الطرف الآخر. تظهر أهمية الحوار بأنه حاجة إنسانية مهمة يتواصل فيها الإنسان مع غيره لنقل آرائه وأفكاره وتجاربه وقيمه، كما ان الشعوب أصبحت في حاجة ماسة لنقل حضارتها من خلال الحوار، كما ان الحوار يساعد الإنسان إلى تقوية الجانب الاجتماعي في شخصيته من خلال حواره مع الآخرين وتواصله معهم، كما ان العصر الذي نعيش فيه أصبح لزاماً على الإنسان أن يدرك مهارة الحوار من خلال ظهور القنوات الفضائية فأصبح في عالم متسارع من الاكتشافات العلمية والانفجارات المعرفية في جميع مجالات الحياة. ونلاحظ ان هناك الكثير من الأشخاص يجيدون الحديث والثرثرة لفترات طويلة، والقليل من يجيد فن الإصغاء والاستماع للآخرين، فالكثير حتى الآن لا يدرك الحكمة وراء أن الله عز وجل جعل للإنسان لسان واحد وأذنين، فيجب على الشخص أن يستمع جيدا لما يقوله الآخرين ويستوعبه جيدا، فالإنصات للشخص الذي يتحدث يعتبر دليل على قوتك وقدرتك،كما أن الإنصات يساعدك على إيجاد بعض الملاحظات التي يمكن أن تكون في صالحك بعد ذلك. من المؤسف أن يعتقد البعض إسقاط الطرف الآخر الذي يحمل وجهة نظر مختلفة عنه يعتبر نجاح، ويجهلون أن إسقاط شخصية الطرف الآخر دليل على العجز والإفلاس وافتقار الحجة، لذلك يجب أن يقوم الحوار على الاحترام المتبادل من الطرفين وأن يدركوا جيدا أن الهدف من الحوار هو الوصول إلى وجهة النظر الصحيحة والمفيدة، وأن الحوار قائم على الإقناع والحجج القوية المقنعة. إن من أهم أسباب نجاح الحوار يعود إلى إدراك المحاورين إلى آداب الحوار وإلى فنياته الموصلة إلى الهدف ومن أهم آداب الحوار أن يكون المحاور حاضر الذهن مركزاً في الطرح وألا يقاطع الطرف الآخر ولا يسابقه بالحديث ولا يرفع صوته وأن يحسن النية بالطرف الآخر ولا يظهر الظن السيىء به لأنه حضر لكي يطرح رأيه للوصول إلى الحقيقة، ويحدد الموضوع مسبقاً بين المتحاورين لكي يسهل التركيز في الطرح للوصول إلى النتيجة الإيجابية، وان يركز المتحاور على موضوع الحوار وليس صاحب الحوار من أجل أن يكون الحوار موضوعيا ومحققا للهدف، وليس من أجل تحقيق انتصار شخصي للطرف الآخر، وأن يستخدم الكلمات الجيدة بين المتحاوين وتحية بعضهم بتحية الإسلام الخالدة، والتحلي بالشجاعة في تقبل الرأي الآخر، وعدم الإساءة للآخرين بالعبارات أو الإشارات. تعد الحوارات الناجحة عندما يؤكد المحاور على فنيات الحوار الناجحة وتتمثل في التركيز على استخدام الأرقام والاحصائيات الدقيقة والحديثة واستخدام الرسوم البيانية التي تحدد تسلسل الموضوع وتفاعلات، وأن يكون لديه مؤشرات مهمة في طرحه لبعض المواضيع وذلك من خلال استقرائه للموضوع، ويجب أن يقلل المحاور من الانطباعات الشخصية في حديثه وحواره، كما يعد استخدام التقنية في حواره أمراً مهماً من خلال زيادة التفاعل في طرحه وعرض أفكاره بشكل إيجابي، وتعد فنية مهارة الاستماع مؤشرا رائعا لاستمرار الحوار والوصول للهدف كما ان تحديد موضوع الحوار والهدف منه مؤشر لاصدار الحكم على نجاح الحوار. في هذا المقال سأقدم لك ايها القارئ العزيز أهم النصائح التي تُساعدك على قيادة أي حوار بايجابية : • قبل بدء أي حوار تخلى عن فكرة أن رأيك أنت فقط هو الصحيح وآراء الجميع خاطئة. من يدرى فربما كنت أنت المخطئ لذلك لا تدخل أي حوار وعقلك مبرمج على شيء واحد وهو إقناع الطرف الآخر برأيك مهما كان الثمن، بهذه الطريقة تأكد أنك ستصل لطريق ومسدود ولن تُقنعه بأي شيء سوى أنك شخص متعنت صلب الرأي لا تتقبل الآخرين. ضع في ذهنك أنك ستقتنع بالرأي الصواب والحق سواء كان رأيك أو رأي أي شخص آخر. • إن كنت تريد التحكم في سير الحوار فلابد أن تضع خطة ونقاط أساسية تمثل ما ترغب في معرفته والوصول إليه من هذا الحوار، مثل لماذا تحاور هذا الشخص؟ إلى أي مدى تريد أن تصل؟ هل أنت مستعد لتغيير وجهة نظرك والتخلي عن رأيك؟ ما هي أدلتك على ما ستطرحه؟ كل هذه الأشياء من شأنها أن تقودك إما إلى حوار ناجح ورائع إن أعدتها بشكل جيد، أو حوار مزري إن لم تعيرها اهتمام وتركت نفسك لعبة في يد محاورك يضعها أينما شاء! • لا تتوقع من خصمك أن يتقبل هزيمته بهدوء، فأغلب الناس يضعون في أذهانهم "سأفوز ولو حاورته للعام القادم." لذلك تجنباً لإضاعة وقتك ومجهودك في حوار لن ينتهي، وحتى لا تُحرج الطرف الآخر أيضاً، ضع في ذهنك دائماً حلول وسطية تُشعر خصمك أنه خرج فائزاً وفي نفس الوقت لم تخسر هيبتك، وقم بطرحها إذا شعرت أن خصمك يحاور لمجرد الحوار لا أكثر. • أسوء ما قد تفعله هو أن تُشعر خصمك أنك في موقف ضعف، سواء بإظهار التعبيرات الخاطئة أو بتقديمك تنازلات ليست في محلها، بهذه الطريقة أن تعطيه فرصة لكي يحصل على أكثر مما يريد حتى وإن كان هو في موقف ضعف، أهم ما يجب أن تهتم له في أي حوار هو اختيار المصطلحات واللغة الملائمة لكي تعبر عن وجهة نظرك بصورة واضحة تماماً لا تشوبها أي شائبة ولا تترك له فرصة لاستخدام كلماتك ضدك أو فهمها بصورة خاطئة، أيضاً لا تُقدم أبداً أي تنازلات مهما كانت طالما كنت على صواب، فإذا اضطررت إحرص أن تكون تنازلات بسيطة وبصورة صحيحة تحفظ لك هيبتك ومصداقيتك. • مهما حدث ومهما حاول الطرف الأخر استفزازك، لا تخرج أبداً عن شعورك أو تتلفظ بألفاظ سيئة أو حتى ترفع نبرة صوتك بشكل حاد، فكلما ارتفع صوتك ضاع حقك، لذلك لا تعطه هذه الفرصة أبداً وتوقع منه أن يحاول إخراجك عن شعورك بشتى الطرق، فدرب نفسك على تخييب ظنه وتفويت هذه الفرصة عليه! • إذا انتهت المناقشة وكل طرف متمسك برأيه الخاص فما علينا ان نغضب من بعضنا البعض بلا ، علينا احترام بعضنا البعض وتقبل الطرف الاخر دون حمل اى غضب او كراهيه او ضيق فى القلب للطرف الاخر . عزيزي القاري .. لكى تتخاطب مع الآخرين بطريقة فعالة ، يجب أن تدرك أننا جميعاً مختلفون فى الطريقة التى نفهم بها العالم ، ونستخدم هذا الفهم كدليل يرشدنا الى الاتصال بالأخرين . وتذكر دائما أن افكارك لك ، لكن اقوالك لغيرك . الدكتور / رمضان حسين الشيخ خبير الإدارة والتنمية والتطوير المؤسسي باحث وكاتب في العلوم الإنسانية وفلسفة الإدارة إستشاري التدريب وتنمية الموارد البشرية وتصميم النظم مصمم منهج فرسان التميز لتغيير فكر قادة المؤسسات [email protected]