تعد المرحلة الحالية هى الأخطر عبر تاريخ مصر الطويل القديم والوسيط والحديث بسبب الصراع على الاستئثاربالسلطةبين تيارات دينية تارة ...وبين قوى سياسية تارة ثانية ...وبين المجاس العسكرى ومجلس الوزراء تارة ثالثة.ووسط هذه الصراعات غابت أولويات المرحلة الحالية والمتمثلة فى ضرورة الخروج من الوضع الراهن الى وضع أفضل ...وليس الى وضع أسوأ. ان الثورة ( حدث سياسى شعبى ) يستهدف غايتين هما : الأولى : اسقاط النظام القائم . الثانية :ضرورة احداث تغيير جذرى وهيكلى فى الأسس العامة للحياة فى المجتمع سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا. وبعد مرور خمسة أشهر من نجاح ثورة 25 يناير 2011..وتولى المجلس العسكرى مسؤلية ادارة المرحلة الانتقالية وتوليه مهام السلطتين التشريعية والتنفيذية ...لحين الانتهاء من الانتخابات البرلمانية ..ومن انتخابات الرئاسة..لم نلمس أى انجاز يضع مصر فى المكانة اللائقة بها بما يتمشى مع انجاز الثورة المصرية . حتى أن حكومة الدكتور / عصام شرف ..وهو الشخص المنتخب من ميدان التحرير فى ظل توقعات الثوار بأنه سيقود المرحلة الانتقالية جنبا الى جنب مع المجلس العسكرى ...غير أن الواقع قد كشف لنا أن الدكتور / عصام شرف ليس هو الرجل الأول الذى يدير قواعد اللعبة السياسية فى مصر.. حتى أن البيان الذى ألقاه بالأمس لم يأتى مواكبا لتطلعات الثوار عشية جمعة ( الثورة أولا) حيث أنه أعان أنه استجابة لمطالب الشعب المصرى ..فقد قرر الاتى: أولاً : اتخاذ الإجراءات اللازمة داخل الحكومة بما يلبى مطالب الشعب ويستجيب لمتطلبات المرحلة الحالية، وذلك فى أقرب وقت ممكن. ثانيًا: أصدرت تعليمات مُباشرة لوزير الداخلية بضرورة إصدار قرار بإنهاء خدمة كافة القيادات والضباط المُتهمين فى قضايا قتل الثوار .. كما كلفته أيضًا بالإسراع بتحقيق أقصى درجات الانضباط الأمنى فى الشارع المصرى بما يُعيد له أمنه وأمانه، مع مراعاة كرامة الوطن والمواطن والتأكيد على أن الأمن ضرورة مُجتمعية، وأن الجماهير مُتطلعة لدور أمنى فاعل يُعيد الاستقرار والأمان الضروريين لمُمارسة الحياة الطبيعية. ثالثًا: تم التنسيق مع السيد الأستاذ المُستشار رئيس محكمة اسئناف القاهرة بأن يُفرغ الدوائر التى تنظر قضايا قتل المُتظاهرين ومحاكمة الفاسدين، لنظر تلك القضايا دون غيرها، وهو ما يكفل سرعة إنجاز هذه القضايا دون التقييد بالإجازة القضائية بالنسبة لهذه النوعية من القضايا. رابعًا: اتفقت مع النائب العام على اختيار فريق من أفضل وأكفأ رجال النيابة العامة للانتهاء من التحقيق فى قضايا قتل المُتظاهرين، وقد تم بالفعل إحالة كافة المتهمين إلى المحاكمات الجنائية، كما قرر النائب العام الطعن على كافة الأحكام التى صدرت بالبراءة فى قضايا قتل المُتظاهرين ورموز الفساد. خامسًا: قررت تأسيس آلية مُستدامة للحوار مع القوى الوطنية وشباب الثورة لبحث كل ما تتطلع إليه تلك القوى وما يمكن تحقيقه على المديين القريب والبعيد. سادسًا: أصدرت تعليمات صارمة بصرف حقوق شهداء ومصابى الثورة دون تأخير أو تباطؤ أو تعقيدات إدارية، باعتبارها حقوقا وليست منحة أو هبة من الدولة. سابعًا: كلفت وزير التضامن الاجتماعى بتشكيل لجنة برئاسته تتولى بحث المطالب المُتعلقة بتحقيق العدالة الاجتماعية والتى رفعتها الجماهير فى التحرير، والخاصة بموضوعات ارتفاع الأسعار والعلاج والصحة والسكن والتعليم والتوظيف والمعاشات والأجور، وتضم كافة الوزراء المعنيين، بحيث تلتقى بممثلين عن القوى السياسية ومُمثلى شباب الثورة وعرض نتائج أعمالها فى أقرب وقت. واقع الأمر أن هذا الخطاب السياسى لاطائل منه ..وقد عهدنا هذا النوع من الخطاب السياسى طوال فترة حكم مبارك ..ويكفى أن أدلل على ذلك بالبند سابعا والمتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية ..ومع كل يقينى بكفاءة الاستاذ الدكتور / جودة عبد الخالق وزير التضامن الاجتماعى والعدالة الاجتماعية..وبايدولوجيته الاشتراكية ..فان الفترة المتاحة أمامه غير كافية لمواجهة ما فشلت حكومات ست فى عهد مبارك ..انتهجت سياسات فاسدة كانت محصلتها ( تزايد أعداد الفقراء فى مصر ..وسوء توزيع الدخل بين أفراد المجتمع ) ..فى الوقت الذى كان مبارك يؤكد عى ( الانحياز لأصحاب الدخول المحدودة) ..واليوم يخرج علينا الدكتور / عصام شرف بنفس الخطاب السياسى متناسيا أن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء التابع لمجلس الوزراء قد أشار فى تقريره الصادر من أسبوعين فقط الى أن نحو 17 مليون مواطن مصرى يعيشون تحت خط الفقر وأن نحو 17 مليون أخرون يقتربون من خط الفقر)..الأمر الذى دفع بعض الثوار الى أن يرفع شعار ( الفقراء أولا ).. وهنا نعود إلى المجلس العسكرى الإنتقالى الذى يتولى قيادة البلاد الآن ، لقد إختفى جنرالاته من المشهد السياسى برمته ، اللهم إلا اللقطات التليفزونية لنشرات الأخبار عند إستقبالهم للوفود من زوار البلاد ،تركوا الساحة التى تغلى كآتون مشتعل وإرتضوا موقع المتفرج منها ، ولاشك وهم يراجعون المشهد الآن يلمسون مدى فداحة الخطأ الذى وقعوا فيه ، فالشعب منذ اليوم الأول للثورة وهو ينادى بدستور جديد للبلاد ، لكنهم خرجوا علينا بتعديل هزيل لبعض مواد الدستور ، إيده الإخوان والتيارات الدينية ورفضه غالب التيارات السياسية ،ولو أن المجلس العسكرى إستمع لنصيحة ومطالب الشعب بدستور جديد لكنا اليوم تحت بنوده وأحكامه ، لكنه التعنت مع إرادة الشعب ،كانت فرصة سانحة ليرتاح الكافة من أمر الدستور الجديد. فقد مضى الآن من عمر الثورة خمسة أشهر كانت كافية ليتبارى فقهاء القانون الدستورى لوضع مواده خالية من الشوائب والعيوب ،ثم بعد ذلك نأتى إلى محاكمة رموز الفساد والقضاء على جيوبه وجحوره ،فبدلاً من أن يقيم الجيش المحاكم الخاصة على وجه السرعة للانتهاء من محاكمة هؤلاء الفاسدون ، تباطأ وتماطل فى إجراءات المحاكمة والشعب يغلى فى صبر أيوب ينتظر القصاص العادل لتبرد ناره المشتعلة فى الصدور ، أقام الجيش المحاكم العسكرية لمحاكمة أفراده على وجه السرعة ، وكأنه يعاقب الثورة والثوار ، ويدير ظهره لهم آثراً الصمت الطويل ،كان مبررهم الوحيد أنه لابد من محاكمة عادلة بحيثيات قانونية تتيح لنا إسترداد الأموال المنهوبة فى بنوك العالم ، وحتى الآن لم ننته من واحد فقط بحيثيات قانونية ودليل إتهام دامغ ضد كل نزلاءليمان طرة ، هل يعقل هذا ؟هل هذا هو العدل الذى ينتظره الشعب على مضض ؟،ولما لا وقضاة التزوير فى العهد البائد مازالوا على منصة القضاء،هل يعقل أنه إلى الآن وكل اتباع النظام البائد هم الذين يديرون المؤسسات والمصالح ؟، هل يعقل أن تظل كل أسباب الظلم المسلطة على رقاب العباد من مغالاة فى الفواتير وزحام الطوابير من رغيف الخبز وأنابيب الغاز والسولار وإنتهاء بالرواتب وتدنيها مع غلاء الاسعار التى لاتقف عند حد ؟، لماذا قامت الثورة إذن أيها السادة؟هل ليتربع كل واحد على كرسى العرش فى مملكته الخاصة وكفى ، أم ماذا أجيبونى ، هل يعقل أن يظل الرجل الذى أفسد البلاد والعباد على سريره ينعم بمكيف الهواء على سواحل شرم الشيخ كطائر البطريق يهز لنا جناحه ، ؟، متى سيتم سجنه ومحاكمته حتى يهدأ هذا الشعب ويستريح ؟، لابد أن تنصاعوا لأوامر الشعب ومطالبه ، فقد جربنا حكم العسكر منذ ثورة يوليو وحتى الآن وقد ثبت فشل هذا الحكم بطبيعته الأستبدادية التسلطية ، فأنتم أهل الحرب والقتال وهذا هو تخصصكم الذى برعتم فيه ويعمل لكم العدو قبل الصديق ألف حساب ، فمصر تحتاجكم بشدة على حدودها لحمايتها من كل معتد أثيم ، مصر أمانة بين أيديكم ، والعدو متربص لنا ،وإن لم ننته من الداخل على وجه السرعة فمصر فى خطر داهم ، وفى النهاية لابد من القول أنه وجب على المجلس الانتقالى أن ينظر للبلاد بصورة أشمل وأعم ، فأمام الله أنتم المسئولون عن هذا الوطن ،والوطن يناديكم طهروا أرضى من الخونة والظالمون ، وأرسوا قواعد العدل إن كنتم فاعلين وانا لمنتظرون بقلم د/ محمد حجازى شريف أكاديمى ومحلل سياسى.