خرج تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير حول نتائج زيارة المفتشين الدوليين إلى طهران، والتي كان الهدف منها متابعة والتأكد من سلمية برنامج إيران النووي. ولم يكن تقرير الوكالة الأخير أكثر من تقرير وصفي موجز لما قام به المفتشون ؛ فلم يشر صراحة إلى سلمية أو عدم سلمية برنامج إيران، بل أشار إلى ماقامت به هيئة التفتيش، ورفض السلطات الإيرانية السماح بفتح موقع "بارتشين" العسكري في شرق طهران؛ ليضع المجتمع الدولي بعد ذلك في حيرة من حقيقة البرنامج النووي الإيراني، ويتيح للقوى الغربية وجود ذريعة وشبهات في برنامج إيران النووي. وقد علقت إيران عبر خارجيتها وممثلها في الوكالة الدولية علي أصغر سلطانية، بأن الوكالة لا يجوز تعاملها مع إيران إلا في إطار الاتفاقيات المنعقدة بين الوكالة الدولية وإيران، ولايحق لها دخول مناطق عسكرية مرتبطة بصواريخ أو بتجارب تفجيرية؛ طالما أن الأمر لايرتبط بمعاهدة «ان بي تي» لحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل. وعقب ذلك، تصريحات من البيت الأبيض والرئاسة والخارجية الفرنسية تتهم إيران بعدم سلمية برنامجها النووي، وأصبح الكل يتخبط في فهم تقرير الوكالة. الأمر الذي جعل علي أصغر سلطانية ممثل إيران في الوكالة يحذر من تدخل أمريكا في سياسة عمل الوكالة، ويصرح أن أمريكا جعلت من الوكالة أداة تفتيش ومراقبة وتجسس لصالح القوى الغربية وواشنطن ، أكثر من كونها هيئة فنية وعلمية مستقلة، تصدر قراراتها على أسس علمية وأكاديمية وحقوقية أكثر منها سياسية. ويأتي هذا التخبط، وزيادة حدة التوتر على مستوى التصريحات السياسية، متزامناً مع الرسالة التي أرسلها سعيد جليلي إلى كاترين آشتون مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، والتي أعلنت أنها تدرس رسالة جليلي مع مجموعة 5+1، لتحديد المرحلة القادمة، وتحديد ميعاد وزمان استئناف المحادثات مع إيران. والتصريحات التي أُثيرت حول إيران بعد تقرير الوكالة، الهدف منها هو ممارسة ضغط على طهران قبيل إعلان استئناف هذه المحادثات، ولاسيما أن أغلب تصريحات الدول الغربية ركزت على نقطة استئناف إيران لتخصيب اليورانيوم بنسبة 20% ؛ الأمر الذي اعتبروه مخالفاً للقرارات الدولية، ولنتائج المحادثات السابقة، التي طالبت إيران بوقف التخصيب في داخل إيران. الأمر الذي رفضته إيران تكراراً، وأكدت أن من حقها القانوني تخصيب اليورانيوم في الداخل، واستئناف برنامجها النووي؛ طالما أنشطتها تعمل تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. تحديد موعد استئناف المحادثات واليوم تناقلت وكالات الأنباء الإيرانية الحديث التلفزيوني الذي عقده أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي مع شبكة "تي آر تي" ، والذي أعلن أنه من المتوقع أن تجري هذه المحادثات بين إيران والقوى الغربية في شهر إبريل القادم. وأكد أنها ستنعقد في مدينة اسطنبول بتركيا إذا كانت هذه رغبة الجانبين. ومن المعروف أن علي أكبر صالحي وزير الخارجية الإيراني أعلن في الأيام السابقة عن عقد هذه المحادثات بشكل قاطع في مدينة اسطنبول ، ثم رجع وعدل عن تصريحه وأعلن أن الأمر لم يقرر بعد. وحاول الخبراء الإيرانيون تحليل تصريح داود أوغلو ، فمن المعروف أنه لعب دوراً كبيراً وقطع شوطاً في التوفيق بين طهران والاتحاد الأوروبي للعودة إلى استئناف هذه المحادثات. وفسر الخبراء أن شهر إبريل هو الموعد القريب من إتمام إجراء عقوبات الاتحاد الأوروبي على إيران في أوائل مايو القادم ؛ الأمر الذي يجعل طهران تبتعد عن قطع صادراتها النفطية عن دول الاتحاد الأوروبي ، ويكون الاتحاد قد وفر مصادر جديدة للنفط بديلة عن إيران ، ويقوم بخفض استهلاكه للطاقة في بقية شهور السنة، ويقوم بزيادة الضغط على إيران بزيادة العقوبات المفروضة عليها ، وتخضع لمطالب القوى الغربية في هذه المفاوضات. وهذا يوضح أن السياسة التي يستخدمها الاتحاد الأوروبي في تشويق إيران لموعد استئناف هذه المحادثات، هي سياسة العصا والجزرة. ووفق التقرير الذي أعلنته وكالة "ايسنا" الإيرانية ، فقد أعلن علي أصغر سلطانية ممثل إيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، أن إيران تقوم بكافة أنشطتها النووية تحت إشراف الوكالة الدولية ، وأن طلب الوكالة إجراء برتوكول إلحاقي أو تعليق إيران لتخصيب اليورانيوم ، أمرٌ يفتقر إلى القانونية. ومن جانب آخر ، أكد علي أكبر صالحي وزير خارجية إيران ، أن من حق بلاده الاستفادة من الطاقة النووية السلمية ، وأنها لن تستسلم لأي تهديد أو عملية اغتيال. وأكد أن إيران تقف في جانب عدم نشر أسلح الدمار الشامل ، وأن الدول الكبرى تمتلك عدداً مهولاً من الرؤوس النووية ، الأمر الذي يهدد مصير العالم. وأن إيران لاتطمح في امتلاك مثل هذا الأسلحة، التي تراها تعارض القيم الإنسانية والدينية. وانتقد صالحي سياسة ازدواجية المعايير التي تنتهجها الدول الغربية في تعاملها مع إيران. وقد اتهمت لورا كندي ممثلة أمريكا في مؤتمر نزع أسلحة الدمار الشامل، تصريحات صالحي بالمتناقضة ؛ وادعت أن إيران لاتقوم بواجباتها في التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأنها تتحرك في مسار مضاد ، وتقوم بتخصيب اليورانيوم حتى نسبة 20%. وأن إيران عليها أن تكون أكثر شفافية حول طبيعة برنامجها النووي. الأمر الذي جعل صالحي ، يشير إلى عدم دخول إسرائيل في معاهدة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ، مما يعني ازدواجية معايير الغرب. وقال : إننا مرات ومرات أعلنا صراحة أن هناك طريقتين للتعامل مع برنامج إيران النووي ، واحدة هي التعاون والنقاش ، والأخرى الصراع والنزاع.