من مبدأ تحقيق العدالة والحرية والمساواة ومطالب الثوار الذين خرجوا وانتشروا فى ربوع أرجاء مصر فى يناير الماضى ونصرهم الله بنُصرته رأيت أنه يجب على من يتحدث عن كل هذه الأشياء أن يتحلى بالإنصاف وأول ما تُنطق هذه الكلمة أتذكر قول الله جل وعلا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [ المائدة :8] المعنى : لا يحملنكم بغضكم للمشركين على أن تتركوا العدل فتعتدوا عليهم بأن تنتصروا منهم وتتشفوا بما في قلوبكم من الضغائن بارتكاب ما لا يحل لكم من مثله أو قذف أو قتل أولاد أو نساء أو نقض عهد أو ما أشبه ذلك (اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى ) نهاهم أولاً أن تحملهم البغضاء على ترك العدل ،ثم استأنف فصرّح لهم بالأمر بالعدل تأكيداً وتشديداً ، ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل وهو قوله : { هُوَ أَقْرَبُ للتقوى } أي العدل أقرب إلى التقوى ،وأدخل في مناسبتها . أو أقرب إلى التقوى لكونه لطفاً فيها . وفيه تنبيه عظيم على أن وجود العدل مع الكفار الذين هم أعداء الله إذا كان بهذه الصفة من القوة ،فما الظنّ بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه وأحباؤه؟ تفسير الزمخشري فإذا كان هذا هو الأمر من الله تبارك وتعالى للتعامل مع من هم من غير المسلمين فما بالنا بُمعاملة المسلمين بين بعضهم البعض ،،،،، والإنصاف معناه : هو استيفاء الحقوق لأربابها واستخراجها بالأيدي العادلة والسياسات الفاضلة. والناظر مُتأملاً فى الآية ومتفهماً لمعنى الإنصاف يجد أنه مُتشعب ومتنوع إلى أنواع عديدة منه سأكتفى بذكر نوعين فقط منها حيث أنهما ما يهمانى اليوم فى هذا الطرح : أولاً : أن ينصف المرء نفسه من نفسه، إذ كيف ينصف الناس من لا ينصف نفسه؟! ثانياً : إنصاف العباد. أولاً: إنصاف المرء نفسه من نفسه: وأولها أن يكون الإنسان مُتسقاً مع نفسه راضياً عن قوله وفعله مُتوجهاً بهما تجاه ربه قال تعالى [ قل إن صلاتى ونُسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا أول المسلمين * قل أغير الله أبغى رباً وهو رب كل شئ .....] ( الأنعام :163-165) يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "ويدخل في الإنصاف: إنصاف المرء نفسه من نفسه، بألا يدعي لها ما ليس لها، ولا بخبثها بتدنيسه لها، وتصغيره إياها وتحقيرها بمعاصي اله عز وجل، بل ينميها ويكبرها ويرفعها بطاعة الله وتوحيده، وحبه وخوفه ورجائه. ثانياً :إنصاف العباد: يُقصد بإنصاف العباد أن يقوم المسلم بإنصاف الغير من نفسه أو ممن يحب، حتى لو كان هذا الغير مخالفاً له في الرأي، أو في الدِّين، أو في المذهب، أو غير ذلك مما يقتضي التحامل، أو يكون مظنة للجور، ومن وسْعِهِمْ، وأن تعاملهم بما تحب أن يعاملوك به، وأن تعفيهم مما تحب أن يعفوك منه. وهو ما أرانا فى مصر بل وفى العالم العربى والإسلامى أحوج ما نكون إليه وخصوصاً فى المرحلة الراهنة التى تختلط فيها الأوراق والأفكار وغير ذلك ومن أروع ما تُطالعه من السنة إذا تصفحت فيها باحثاً عن الإنصاف ما ورد عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن الحسن ابن حمزة، عن جده [عن] أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين صلوات الله عليهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في آخر خطبته: طوبى لمن طاب خلقه وطهرت سجيته وصلحت سريرته وحسنت علانيته وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله وأنصف الناس من نفسه. والحديث الذى يُبشر بطريق الجنة وهو رائع فى نُطقه ولفظه وفهمه لمن أراد عن محمد بن سنان، عن معاوية بن وهب، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من يضمن لي أربعة بأربعة أبيات في الجنة: أنفق ولا تخف فقرا، وأفش السلام في العالم، واترك المراء وإن كنت محقاً، وأنصف الناس من نفسك. حسناً : ما رأيك فى ما يحدث الآن فى مصر أو إن شئت فقل فى العالم العربى والإسلامى بعد المتغيرات التى حدثت ولا تزال تحدث ،،،،، السؤال أوجهه لحضراتكم وقطعاً سأتابع وأنتظر آرائكم وأفكاركم وتعليقاتكم حتى يكتمل نقصان الموضوع مما نسيته أو تركته فتتسع دائرة فهم الموضوع بعمق.