"الاصطفاء".. هذه كلمة يقولها الخالق سبحانه وتعالى قبل الخَلْق ، ولنا من الآيات الكريمات في الآتي: * قال الله "جَلَّ وعَزَّ": { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }. * قال الله "جَلَّ وعَزَّ": { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ }. * قال الله "جَلَّ وعَزَّ": { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ}. * قال الله "جَلَّ وعَزَّ": {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}. * قال الله "جَلَّ وعَزَّ": {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمَ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِىَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}. كل هذه إصطفاءات سَبَقَ بها الحق "سبحانه" الخَلْق؛ إذن الاصطفاء شأنٌ من شئون الله "جَلَّ وعَزَّ". - وهنا أطرح عليك سؤالًا: عندما أقول «وَامُصْطَفَاهُ» أهذا يكون ندائي أنا أم نداء الله "جَلَّ وعَزَّ"؟؟؟؟ فيأخذنا الحُبُّ إلى أن نتعرف على السِرِّ الذي جعل سيدنا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" هو: "المصطفى"؛ فنقول: *أولًا:* - هو المصطفى؛ لأنه "صلى الله عليه وسلم" خاتم المسيرة، قال "تعالى": {مَّا كَانَ مُحًمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رِجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّنَ}. *ثانيًا:* - هو المصطفى؛ لأن رسالته "صلى الله عليه وسلم" هى "حقيقة الرسالات السابقة"؛ إذ أن كل الرسالات السابقة في: إسلام الوجه لله "تعالى"، وهو ما جاء به دِين الإسلام مكتملًا، قال "تعالى": {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمَتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}. *ثالثًا:* - هو المصطفى؛ لأنه أُرسِلَ "صلى الله عليه وسلم" بكلمات الله "جَلَّ وعَزَّ" التي تضمنت كل كلامٍ سَبَقَ؛ فكتابه "صلى الله عليه وسلم" *قَيِّمٌ على سائر الكتب* ، قال "تعالى": { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}. *رابعًا:* - هو المصطفى؛ لأنه "صلى الله عليه وسلم" حَوَىَ جميع الأنبياء والمرسلين "عليهم السلام" قَبْلَهُ؛ فكل ما تَفَرَّقَ من أخلاقٍ فيهم "عليهم السلام" إجتمع فيه "صلى الله عليه وسلم"؛ فكان فيه "صلى الله عليه وسلم": 1) صِدْقُ سيدنا إسماعيل "عليه السلام". 2) خَلِيلية سيدنا إبراهيم "عليه السلام". 3) كَلِيمِية سيدنا موسى "عليه السلام". 4) روحانية سيدنا عيسى "عليه السلام". 5) صَبْرُ سيدنا أيوب "عليه السلام". 6) مُلْكُ سيدنا داود "عليه السلام". 7) ما سَخَّرَهُ الله "جَلَّ وعَزَّ" لسيدنا سليمان "عليه السلام". 8) حِكْمَة سيدنا لقمان "عليه السلام". 9) عَظَمَة سيدنا شُعَيب "عليه السلام". 10) رِفْعَةُ سيدنا إدريس "عليه السلام". 11) وضُمَّ إليه "صلى الله عليه وسلم" سيدنا آدم الأول "عليه السلام" أصل "الْآَدَمِيَّة"؛ فهو "عليه السلام": أبو البشر في "عالَم الأجساد"، وسيدنا رسول الله "صلى الله عليه وسلم": أبو البشر في "عالَم الأرواح". 12) وضُمَّ إليه "صلى الله عليه وسلم" سيدنا نوح "عليه السلام" بعد الفيضان الكوني. كل هذه "الدرجات، والمقامات، والمكرمات"، وكل هؤلاء الأنبياء والمرسلين "عليهم السلام" إجتمعوا فيك يا «مُصْطَفَاهُ» "صلى الله عليك وسلم". *خامسًا:* - هو المصطفى؛ لأن كل واحد من الأنبياء والمرسلين "عليهم السلام" أَيَّدَهُ الله "جَلَّ وعَزَّ" بمعجزةٍ تراها العين وقت حدوثها؛ فكانت: 1) تُرَى سفينة سيدنا نوح "عليه السلام" التي نَجَا مَن رَكِبَ فيها، وهَلَكَ مَن لم يَرْكب، هذه السفينة التي سَخِرَت منها زوجه ومجتمعه، قال "تعالى": { وَأُوحِىَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ ءَامَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)}. 2) تُرَى خليلية سيدنا إبراهيم "عليه السلام" وامتحاناته من إحراقٍ في النار، إلى ذَبْحٍ وفداء، وغيرها من الامتحانات، قال "تعالى": {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَ}. 3) يُرَى نقل سيدنا سليمان "عليه السلام" لعرش بلقيس، وحين سألها "عليه السلام": {أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}. 4) تُرَى عَصَا سيدنا موسى "عليه السلام" ومَا كان منها من مَحْقٍ للسِحْرِ والسَّحَرَة، قال "تعالى": {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ}، وقال "تعالى": {إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}. 5) تُرَى معجزات سيدنا عيسى "عليه السلام"، قال "تعالى": { وَرَسُولًا إَلى بَنِى إِسْرَاءِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُم بِأَيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّى أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْىِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ}. فكل معجزات الأنبياء والمرسلين "عليهم السلام" محسوسة ومحدودة ب: "زمانٍ، ومكانٍ، وأشخاصٍ"، ثم بعد ذلك تُرْوَى للأزمنة، والأمكنة، والأشخاص بالسماع فقط لا بالمشاهدة. *أمَّا أنت يا سيدي يا رسول الله يا «مُصْطَفَاهُ» "صلى الله عليك وسلم"* فقد جَعَل الحق "سبحانه" معجزتك "كلمة قَطْعِيَّة الْدِلَالَة" تواترت عليها أُمَمٌ نَقْلًا لا يَصِلُ إليه شك ولا رَيْب، قال "تعالى": {ألم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَقِينَ (2)}، معجزةٌ هى: "عينُ، ولُبُّ، وحقيقة" مَا أرسله الله "تبارك وتعالى" إلينا؛ فمعجزة الخاتم "صلى الله عليه وسلم" لا لِأُمَّةٍ بعينها تُرْوَى سماعًا، وإنما هى: 1- مرئية. 2- مشهودة. 3- يَسْتَوِي فيها خَلْقُ الله "جَلَّ وعَزَّ" من ساعة بعثة سيدنا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" إلى يوم الدِّين. 4- كل شئ فيها مُفَصَّل، قال "تعالى": {وَهُوَ الَّذِى أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا}. 5- إمامٌ ورائد. 6- نُبُوَّةٌ دائمة، ورسولٌ فينا دائم "صلى الله عليه وسلم". 7- عطاءٌ مُتَجَدِّدٌ بِفَهْمٍ مُتَجَدِّدٍ يوازي كل معاصرة. 8- كلماتٌ متحركة يحيا بها الناس حياتهم. 9- القرآن الكريم حياتي وحياتهم. 10- إحاطةٌ بالموجودات بالكلمات التامات، قال "تعالى": {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. *سادسًا:* - هو المصطفى؛ لأن أخلاق الإنسان في قمتها وعظمتها التي إنْفَرَدَت وتَفَرَّدَت مَا وَصَلَ إليها أحدٌ سِوَاه "صلى الله عليه وسلم"، ولكن يَقْتَدِي سِوَاه بأخلاقه "صلى الله عليه وسلم"؛ لأن: 1- تَمَامُ الإنسان: أنت "صلى الله عليك وسلم". 2- وكمال الإنسان: أنت "صلى الله عليك وسلم". 3- وعين أعيان الموجودات: أنت "صلى الله عليك وسلم". 4- وقمةُ الغايات: أنت "صلى الله عليك وسلم". 5- ونهاية الكمالات: أنت "صلى الله عليك وسلم". 6- وإشراقة شمس الشموس: أنت "صلى الله عليك وسلم". 7- وحقيقة الأقمار: أنت "صلى الله عليك وسلم". 8- ومحيط المحيطات: أنت "صلى الله عليك وسلم". 9- وجَمْعُ الموجودات: أنت "صلى الله عليك وسلم". 10- ومَن يَفُضُّ القيامة: أنت "صلى الله عليك وسلم". *سابعًا:* - هو المصطفى؛ لأنه "صلى الله عليه وسلم" هو الذي أَسْرَيتَ به "سبحانك" في مقام "التشريع" من حَرَمٍ إلى حَرَمٍ؛ فأعلنتها "سبحانك" حتى لا يَكْفُر بها أحد؛ فقلت "جَلَّ عُلَاك": { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }، ثم عَرَجْتَ "سبحانك" به "صلى الله عليه وسلم" في عالَم "التحَقُّق" من "التشريع" فأريته "سبحانك" من آياتك حتى أريته "صلى الله عليه وسلم" الآية الكبرى في: {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}، وكل ذلك إندَرَجَ تحت مقام "العبد". *ثامنًا:* - هو المصطفى؛ لأنك "سبحانك" قُلْتَ له "صلى الله عليه وسلم": {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؛ * أشهدته "سبحانك": "أَحَدِيَّتك". * ثم أشهدته "سبحانك": "صمدانيتك". * ثم أنك "سبحانك" لَمْ يُؤْخَذُ منك شئ ؛ فَلَم تَلِد. * ولم تُؤخَذُ "سبحانك" مِن شئ؛ فَلَم تُولَد. - فهل لك "سبحانك" {كُفُوًا أَحَدٌ}؟؟!!! *تاسعًا:* - هو المصطفى؛ لأنك "سبحانك" قُلْتَ له "صلى الله عليه وسلم": إن كان لِي وَلَد كنت ستكون، ولكن أنت يا "مُصْطَفاي": {أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}، أي: أول العارفين بأنه: لا وَالِد لِي ولا وَلَد. *عاشرًا:* - هو المصطفى؛ لأنك "سبحانك" جعلته "صلى الله عليه وسلم" حُجَّتُك البالغة على خَلْقِكَ إلى يوم الدِّين، قال "تعالى": {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ}. *الحادي عشر:* - هو المصطفى؛ لأنك "سبحانك" ما أقررت لأحدٍ قَبْلَهُ بإيمانٍ أو برسالةٍ إلَّا بشرط أن يؤمن ب: «مُصْطَفَاك» "صلى الله عليه وسلم"، فقلت "سبحانك": { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ }؛ فأمرتهم "سبحانك": 1- {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ}. 2- {وَلَتَنصُرُنَّهُ}. 3- ثم عرضَت "سبحانك" عليهم العهد، وقلت: {ءَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ *إِصْرِى*}، أي: عهدي. 4- كان جوابهم "عليهم السلام" بأن: {قَالُواْ أَقْرَرْنَا}. 5- فكان إشهادهم "عليهم السلام" على إقرارهم بقولك "سبحانك": {فَاشْهَدُواْ}. 6- ثم شَرَّفَت "سبحانك" هؤلاء جميعًا بقولك "سبحانك": {وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ}. *الثاني عشر:* - هو المصطفى؛ لأنك "سبحانك" بدأت الأكوان في عالم الرسالات بالحديث عنه "صلى الله عليه وسلم" وهو "غَيْبٌ"، ثم خَتَمتَ "سبحانك" به "صلى الله عليه وسلم" الرسالات بحضوره وهو "شهادةٌ وعِيَان". *الثالث عشر:* - هو المصطفى؛ لأنه لا قبر "على التحقيق" يُزَارُ وهو روضة من رياض الجَنَّة سِوَى قبر سيدنا رسول الله ومُصْطَفَاه "صلى الله عليه وسلم"؛ لقوله "صلى الله عليه وسلم": «مَا بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ». *الرابع عشر:* لماذا قُلْنَا: «وَامُصْطَفَاهُ»؟؟؟ لأن الإصطفاء الأول حق الله "جَلَّ وعَزَّ" الذي لا يشاركه فيه سِوَاه. *«وَامُصْطَفَاهُ» أي: يا مُخْتَارُ العناية والرعاية* فإذا نطقنا نحن وقلنا: «وَامُصْطَفَاهُ» فهذا: *نداءُ حقٌّ في حَقٍّ مِن حَقٍّ إلى حَقٍّ؛ ف:«وَامُصْطَفَاهُ»* الْلَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّم وبارك على سيدنا المصطفى وآله.