في كل مرة تتجول فيها عيناي بين صفحات الجرائد أو مواقع الانترنت، تجدني أتوقف مشدوها ومذهولا لما أتابعه من جرائم عنف وقتل استشرت خلال الأيام القليلة الماضية داخل الأسرة الواحدة، فهذه الظاهرة الخطيرة اجتهدت أفكاري كثيرا في إيجاد تفسير منطقي لها لأنها جديدة علي المجتمع المصري، مهما اشتدت الأزمات مثلما جري خلال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي في أزمة الكساد العالمي لم تكن الأمور تصل لهذه الدرجة، واللافت أيضاً أن رد فعل المجتمع عليها لم يكن بهذا الاعتياد وكأنها "أمور طبيعية" تحدث كل يوم. ولو عدنا بالذاكرة إلي الوراء قليلا إلي مرحلة كساد الثلاثينيات التي أِشرنا إليها، والقياس مع الفارق طبعا، فسنجد أنه في ظل ارتفاع الأسعار وتراجع الدخول لم يصل الأمر إلي هذه البشاعة على مستوى الأسرة الواحدة، صحيح أنه مع البطالة وكثرة العاطلين اتجه بعضهم لارتكاب الجرائم مثل القتل والسرقة وتزييف العُملة والتسول وتهريب المخدرات.. ولجأ البعض الأخر إلى الانتحار، إلا أنها لم تقترب من أفراد الأسرة الواحدة كما تلاحقنا الصورة القبيحة حاليا.
وبات السؤال المتداول بين أطياف المجتمع في هذه الفترة: ما تفسير هذه الظاهرة من العنف الأسري، خاصة أنه مهما كانت ظروف الحياة إلا أن المجتمع لم يفقد علي الإطلاق ترابطه الأسري, كما أن مثل تلك الجرائم كانت في الماضي تقشعر لها الأبدان لو حدثت مرة واحدة، ولكن حاليا لا يمر اسبوع إلا وتصطدم عيوننا بحادثة جديدة مروعة تبدو كأنها الجنون بعينه من أشخاص يتمتعون بكامل قواهم العقلية. وكشفت دراسة للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية عن أن تناول المخدرات يتسبب فى وقوع 80 ٪ من الجرائم، وأشارت إلى أن تعاطي المخدرات كان وراء انتشار جرائم القتل والسرقة وهتك العرض. وأجريت الدراسة على نزلاء مؤسسات عقابية مصرية، بالتعاون بين المركز والمجلس القومى لمكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى وبالتعاون مع صندوق مكافحة الإدمان، وبينت الدراسة الارتباط الوثيق بين تعاطى المخدرات والجرائم، فنحو 96 ٪ من أفراد العينة بالدراسة ممن يتعاطون المواد المخدرة ارتكبوا جرائم هتك العرض، وأن 45 ٪ منهم من مرتكبى جرائم القتل العمد، وأن 32 ٪ من مرتكبى جرائم السرقة بالإكراه كانوا يتعاطونها. وأوضحت الدراسة أن 66 ٪ من مرتكبى الجرائم كانوا يتعاطون المخدرات قبل ارتكاب الجريمة. ويؤكد الأطباء المتخصصون فى علاج الإدمان، أنّها تتسبب فى اختلال وظائف التفكير والإدراك بالمخ، ما يضعف ضبط الذات وفقدان السيطرة على التصرفات ويطلق المدمن العنان لرغباته وشهواته، فيرتكب الجرائم بدون أى رادع. وإذا كان البعض يري أن الفقر واليأس وصعوبات الحياة وراء كل ذلك، فإن جزءا من ذلك ربما يكون صحيحا، إلا أنه لابد أن نتذكر أن الشعب المصري كان يعاني الفقر دائما بدرجات متفاوتة ورغم ذلك يتمتع بالفكاهة وخفة الدم، وإن كان لابد من التذكير بأن الشعور باليأس الذي يقود إلي الانتحار ليس ظاهرة كما يحاول أن يروج البعض بدليل أن المعدلات أقل بكثير عن مثيله في الدول العربية أو علي مستوي العالم. وبصرف النظر عن التفسيرات المختلفة لهذه الظاهرة الخطيرة فلابد من وجود سياسات وحلول فورية لمواجهتها، فمثلا المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية لابد من أن يفعل دوره بشكل أكبر بوصفه المؤسسة الأكثر تخصصا وخبرة ليكون مظلة لمبادرة أو مشروع مخطط ومدروس يعتمد علي التنسيق مع المؤسسات المعنية مثل المؤسسة الأمنية والدينية ووزارة التضامن الاجتماعي والجامعات ومراكز البحث العلمي والمؤسسات الثقافية والجمعيات الأهلية ذات الصلة وصندوق مكافحة علاج الإدمان والمخدرات,وجمعية الطب النفسي والجمعية المصرية للقانون الجنائي، لان الأمر جد خطير ولابد من التعامل معه علي وجه السرعة. وقد أثار إعجابي ما سمعته من اعتزام بعض أعضاء مجلس النواب في الدورة البرلمانية شهر أكتوبر الحالي تعديل قانون الطفل بشأن تجريم وتغليظ العقوبة على الأب والأم اللذين يعرضان أبناءهما لأخطار الحوادث والموت وعدم رعايتهم بشكل آمن وأن العقوبة تصل إلى عشر سنوات في حالة ما أدى الإهمال من جانب الأسرة لوفاة الطفل، حتي يكون هناك عقاب رادع يتصدي لهذه الظاهرة.. وهي بالتأكيد خطوة ايجابية رائعة لإعادة الانضباط إلى مجتمعنا المتماسك دائما حتي في أحلك الظروف لأن لديه الوازع الديني ولم يهز كيانه من بعيد أو قريب أي أزمات طارئة.