تُشعر وأنت تستمع إليه وهو يرتل القرآن الكريم بصوته العذب الفخيم ونبرة الخشوع التى تبدو فى أدائه وتلاوته للذكر الحكيم و كأنه سلاسل ذهبية ، إنه الشيخ محمد صديق المنشاوى ابن مركز المنشأة التابع لسوهاج بصعيد مصر من مواليد 1920والده الشيخ صديق السيد المنشاوي و الذى تتلمذ على يديه العديد من قراء مصر المشاهير منهم : الشيخ أحمد الرزيقي ، والشيخ أبو الوفا الصعيدى ، والشيخ محمود حسنين الكلحى و الشيخ عبد الرحيم محمد حسين جودة وابنه المقرئ المعروف الشيخ محمود صديق متعه الله بالصحة والعافية ..عمه الشيخ أحمد السيد المنشاوى صاحب الصوت الرخيم - رحمة الله عليه- دعى للقراءة بالقصر الملكى ذات مرة فرفض ..ختم الشيخ محمد صديق المنشاوى القرآن الكريم على يد والده الشيخ صديق وهو فى سن ثمانى سنوات ، ثم انتقل بعد ذلك إلي القاهرة حيث درس علوم القرآن والقراءات وكان عمره 12سنة .. بدأ الشيخ محمد يقرأ القرآن الكريم فى المساجد مثل مسجد سيدنا الحسين و السيدة زينب والسيدة نفيسة وغيرها من المساجد الشهيرة بالقاهرة ، وكذلك فى المحافل المعروفة حتى ذاع صيته وشهرته فى كل أرجاء المحروسة ومنها إلى البلاد العربية والإفريقية حتى أطلق عليه لقب مقرئ الجمهورية العربية المتحدة .. تميز المنشاوى بجمال صوته وقدرته الفائقة على امتلاك قلوب مستمعيه بالخشوع والتباكى أثناء قراءته للقرآن الكريم ..أتذكر أن والدى - رحمة الله عليه- وكان من عشاق الشيخ ومريديه حكى لى أنه كان مدعوا بإحدى الحفلات التى كانت تقام ابتهاجا بشهر رمضان المعظم بمدينة الأقصر.. وكان يحييها كلا من الشيخ محمد صديق والشيخ عبد الباسط عبد الصمد ،وبالمناسبة "الاتنين" صعايدة الشيخ صديق من سوهاج والشيخ عبد الصمد من قنا ، وكانت المنافسة بين المقرئين الكبيرين فى هذا التوقيت هائلة .. يقول والدى : افتتح الشيخ عبد الباسط عبد الصمد الحفل وبدأ يقرأ فى قصار السور بدايات جزء "عم" سور التكوير ، الانشراح ، الطارق ، التين وكان وقع التلاوة على المستمعين هائلا وعظيما لدرجة أنهم كانوا يقفون للشيخ عبد الباسط حتى يستعيد ماقرأ مرات ومرات من جمال التلاوة ،.. ثم جاء الدور على الشيخ محمد صديق الذى بدأ يقرأ آيات من سورة ق تلخص حال الناس يوم الفزع الأكبر يوم القيامة وهول الموقف بدءا من قوله تعالى : "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ماتوسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد ......الخ " فلم أر أحدا من المستمعين والذين كانوا بالآلاف ينطق بكلمة وبعضهم ظل يجهش بالبكاء من هول ما يسمع ، وكان هذا ذكاء من الشيخ صديق وتميزه واختلافه فى الأداء عن منافسه التقليدى فى ذلك الوقت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد .. ذاعت شهرة الشيخ صديق فى الكثير من البلاد العربية منها سوريا ، العراق ، ليبيا ، المملكة العربية السعودية ، الكويت كما قرأ الشيخ فى المسجد الأقصى وبجوار قبة الصخرة ..تزوج الشيخ محمد مرتين أنجب من الزوجة الأولى 4 أولاد وبنتين ، والثانية 5أولاد و4بنات .. لم يسلم الشيخ صديق من حاسديه بسبب شهرته الكبيرة داخل وخارج مصر.. فقد تعرض لمحاولة خسيسة لقتله بالسم خلال حفل كبير كان يحييه بتلاوة الذكر الحكيم ، لكن الله حفظه من شر هؤلاء الحاقدين فجعل الطباخ نفسه المكلف بقتله ينبهه فى السر بألا يقترب من الطبق الذى وضع فيه السم أمامه .. رحم الله الشيخ محمد صديق المنشاوى الذى أثرى المكتبة الدينية بالعديد من التسجيلات القرآنية ترتيلا وتجويدا وبالصوت والصورة، والتى لاتزال تبث إلى يومنا هذا من خلال الإذاعة والتليفزيون وعلى شبكة الانترنت .. رحل الشيخ فى صباح الجمعة الموافق22يونيو 1969 عن عمر يناهز49 عاما بعد رحلة قصيرة فى رحاب القرآن الكريم فكان بحق قيثارة السماء رحمة الله عليه . جمال قرين