لى عادة فى شهر رمضان أدعو الله أن يعيننى على الاستمرار فيها.. حيث بدأت منذ فترة طويلة فى قراءة المصحف وختم القرآن فى الشهر الكريم على صوت الشيخ محمد صديق المنشاوى.. مستمتعا بحسن الترتيل وخشوع الصوت ورهبة الاستماع إلى كلام الله سبحانه وتعالى. ففى إحدى زياراتى للأراضى المقدسة أحضرت معى «شنطتين» صغيرتين تحتوى كل منهما على القرآن كاملا فى صورة شرائط كاسيت، الأولى للشيخ محمد المنشاوى والثانية للشيخ البنا. وفى السنوات الأولى قرأت على صوت الشيخين.. ولكننى بمرور السنوات مال هواى وعاطفتى للقراءة على صوت المنشاوى بسبب خشوع صوته وروحانياته فى القراءة، فضلا عن تأنيه فى مخارج الألفاظ والحروف. وقد كنت من قبل من عشاق الاستماع للشيخ عبد الباسط عبد الصمد، خاصة وهو يقرأ سورة «يوسف» فى تسجيلات حية أى أمام جمهور غفير من المستمعين من عشاق صوته القوى الملائكى.. ذى النفس الطويل. وكأنك أمام سلاسل من الذهب ..معبرا وباختصار شديد عن الأحداث الجسام التى مر بها نبى الله يوسف.. والنهاية السعيدة لما وصفه القرآن «أحسن القصص»، فسورة يوسف عبرة.. ومثال للصبر والإيمان بالله والرضا بما يصيب الإنسان فى حياته والتى قد يعتقد البعض خطأ أنه غضب من الله.. ولكنها مشيئة الله.. وامتحان منه تمهيدا لحسن الختام.. فالله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ورغم استمتاعى بالسماع للشيخ الجليل عبد الباسط عبد الصمد وهو يقرأ سورة يوسف.. إلا أننى أحرص أيضا على الاستماع له وهو يقرأ ما يسمى «بقصار السور» بداية من «القارعة» وحتى سورة «الناس». ومؤخرا أهدانى الصديق العزيز المهندس عاطف نجل المرحوم الشيخ مصطفى إسماعيل مجموعة من الأسطوانات لتسجيلات حية لوالده فى فترات زمنية مختلفة.. وذلك بمناسبة موضوعات قرأها لى فى المجلة عن أنبياء الله الصالحين.. وكذلك سلسلة من الموضوعات عن شيوخ التلاوة فى مصر أعدها الزميل خالد الكيلانى. واستمعت إليها أكثر من مرة وفى أوقات مختلفة، فوجدت عالما آخر من حلاوة الصوت وجمال القراءة والتمكن فى الأداء وفى «القفلات» أى نهاية الآيات.. وبدأت البحث عن أسطوانات أخرى للشيخ مصطفى وأسارع فى الاستماع إليها بشغف وإنصات واستمتاع، فالرجل لديه قدرة رهيبة على التحليق بمستمعيه إلى آفاق مرتفعة من المتعة.. خاصة عندما يعيد القراءة بأكثر من طريقة وبقفلات مختلفة. وقد ضبطت نفسى أتمايل من الروحانيات وأنا أستمع إلى الشيخ وهو يقرأ سورة ((التحريم)).. زوجات أنبياء يخن فيعاقبن بدخول النار.. ولم يغنيا عنهما أزواجهما من الله شيئا.. بينما زوجة الكافر فرعون.. تتضرع إلى الله بأن ينجيها من فرعون وعمله وقومه الظالمين. لقد كنت أتوقف عند هاتين الآيتين كثيرا. لأفهم معناهما ومغزاهما.. وكيف أن كل إنسان مسئول عن أفعاله.. وأن الله يعلم السر وما يخفى.. ويجازى كل إنسان بعمله. وكان يزداد عشقى للسماع للشيخ بعدما أستمع للفنان عمار الشريعى فى برنامجه «غواص فى بحر النغم» وهو يتغزل فى صوت الشيخ وطريقة قراءته لآيات القرآن الكريم والتغيير فى قفلات الآيات. ولقد اكتشفت أن لكل شيخ.. سورة.. يفضل دائما أن يقرأها باستمرار على مستمعيه.. فكما كان الشيخ عبد الباسط يحب تكرار قراءة سورة «يوسف» كان الشيخ مصطفى إسماعيل يحب أن يختم قراءته بسورة «القارعة» ويعيد ويزيد فيها. كما كان الشيخ الطبلاوى أيضا يحب قراءة سورة «الرحمن».. حيث المد فى حروفها الكثيرة كان يظهر قوة صوته وقدرته على الأداء السليم لكلمات الله سبحانه وتعالى. إن قراءة القرآن فى الشهر الكريم والاستماع إلى أساطين التلاوة من شيوخنا الأجلاء عليهم رحمة الله جميعا.. متعة لا تضاهيها متعة أخرى. ندعو الله أن يكرمنا جميعا بقراءة القرآن فى شهره الفضيل وأن يغفر خطايانا.. ويهدينا سواء السبيل.