شهدت تونس اليوم واحدة من انتصارات ثورة الياسمين بالتصويت فى أول انتخابات ديمقراطية فى البلاد لاختيار المجلس الوطنى الانتقالى الذى سيضع الدستور المقبل للبلاد والذى سيختار رئيساً مؤقتاً للجمهورية وحكومة مؤقتة أيضاً .. ومن المقرر أن يستمر هذا المجلس فى إدارة شئون تونس والتخطيط لمستقبلها السياسى لمدة عام من تاريخ انتخابه وبعد هذا العام يستقيل الرئيس المنتخب وتستقيل الحكومة ووفقاً للدستور الذى سيضعه سيتم اختيار حكومة دستورية منتخبة ورئيس منتخب بالإرادة الشعبية أيضاً .. ويتكون هذا المجلس من 217 عضواً يمثلون جميع الأطياف السياسية والاجتماعية فى تونس كما يمثلون أيضاً الشعب التونسى المقيم فى الخارج وقد استبعدت تونس فلول النظام السابق من الترشح فى هذا المجلس وحتى الآن لم يحددوا الموقف العام ممن شاركوا فى الحياة السياسية الماضية كما لم تحسم تونس موقفها من شكل وطبيعة ونظام الحكم فيها فكل ذلك سيقوم المجلس التأسيسى بتحديده تحقيقاً للإرادة الشعبية. وقد تم فتح صناديق الاقتراع اليوم من الساعة السابعة صباحاً واستمر التصويت حتى الساعة السابعة من مساء اليوم. وقد أبدت بعض الأطياف السياسية فى تونس تخوفها من اكتساح حزب النهضة الإسلامى للإنتخابات ومن ثم تقرير مستقبل البلاد وفق رؤيته الدينية وكان هذا الحزب محظوراً فى عهد الرئيس المخلوع على زين العابدين بن على والمشكلة الأخرى أن تونس قد واجهت صراعات شديدة بين كونها دولة علمانية وبين كونها دولة دينها الرسمي هو الإسلام ، وكان النظام السابق يكرس لثقافة العلمانية بشكل مطلق ولكن بعد الثورة فى تونس خرج الإسلاميون وطرحوا أجندتهم السياسية على نحو كبير فى تونس. وإذا كان المجلس الجديد المنتخب سيتخذ قراراته المصيرية بشأن الوضع التونسى حسب قاعدة الأغلبية فلا شك أن الأكثر تواجداً فيه سوف يحددون مصير الشعب التونسى ومستقبله السياسى والفكرى بأكمله. وقد ظهر اليوم راشد الغنوشى رائد وزعيم حزب النهضة فى تونس أمام صناديق الاقتراع ونشرت وكالات الأنباء أحاديث متفرقة تؤكد على ثقته فى السيطرة علي المجلس التأسيسى. وفى مقال نشره راشد الغنوشى فى جريدة الجارديان البريطانية كشف النقاب عن برنامج حركة النهضة الإسلامية التى يتزعمها مؤكداً أن حزب النهضة يحظى بتأييد كبير - وربما ساحق - من الأغلبية فى تونس بعد عهد الاستبداد والعلمانية المطلقة التى أثرت على حرية المواطن التونسى فى كل شىء حتى فى علاقته بربه ، وفى هذا الإطار رأى الغنوشى أن التوفيق بين الديمقراطية والإسلام هو النظام الأفضل لتونس، وهذا التزاوج بين الاسلام والديمقراطية سيضمن كافة الحقوق المدنية منها حق المرأة التى بإمكانها أن تصل لأعلى المناصب وحرية الإعلام والأدب كما لا يمكن فرض أى قيود على حريات الناس لإنه "لا إكراه فى الدين". وعلى طريقة جماعة الإخوان المسلمين أكد الغنوشى أن حزب النهضة يؤمن بالدولة المدنية التى تقوم على المساواة بين المواطنين بغض النظر عن العقيدة أو الجنس وذكر الغنوشى أيضا أن الفكرة الأساسية التى يتبناها حزب النهضة تقوم على الجمع بين العلمانية والإسلامية فى آن واحد ولهذا أطلق عليها مسمى "العلمانية الإسلامية" التى تكفل تحقيق كل الرغبات والأفكار وفقاً للآية القرآنية التى تقول " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". وحول احتمالية وصول الإسلاميين للحكم واكتساحهم المجلس الوطنى التأسيسى اليوم يقول الدكتور عبد الرحيم على الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية: الفكرة الأساسية أن أى مجتمع بعد أى ثورة يحاول أن يضع نظام ويعمل تأسيس كامل للدولة ومن هنا يختار جمعية تأسيسية لوضع هذا الدستور ثم يجرى بعد ذلك الانتخابات وإجراء أى انتخابات قبل وضع الدستور هو فى تقديرى تصرف خاطىء لأنك بذلك تسمع بسيطرة وصعود قوى سياسية على حساب أخرى مما يجعل البلد عرضة للاستقطاب وهذا هو ما يحدث فى تونس والآن حزب النهضة الإسلامى هو الحزب الأكثر بروزا وكان من قبل لا يجرؤ على التحرك فى الشارع التونسى وكان زعميه راشد الغنوشى منفياً خارج البلاد ولكن بعد الثورة عادوا بقوة وهذا الحزب سيتواجد بقوة وسيطرح أفكاره وهناك تخوف عميق من ذلك على عكس مصر حيث أن قانون الانتخابات يمنع من سيطرة أى قوى أو أى فصيل ولا يسمح بتغول فريق على فريق آخر.