تصوير - محمد عبد المجيد ليلة السبت تمر على كأنها سنة بعدما يتركنى ابنى إذا شعر الزوجان أن النهاية قادمة فعليهما ألا يتركا أنفسهما لمرحلة الانهيار لو كنت أنا وزوجتي معا فى غرفة ستحترق .. فهل من الطبيعى أنا أشد ابنى معى ليحترق معنا أم أحاول إنقاذه بانفصالى عن أمه ؟ أتلقى مئات الرسائل من أشخاص استفادوا من تجربتى فى الانفصال .. كما أن بعض الشباب قرروا أن يتزوجوا حتى يهبوا حياتهم لأولادهم مثلى والدى نشأ بين أب وأم منفصلين .. وكذلك ابنى .. وأنا الوحيد الذى نجا من " المذبحة العائلية " ما أقدمه لابنى لا يساوى نقطة فى بحر مما كان يفعله والدى معى حالة إنسانية تستحق التأمل، وتؤكد أن البقاء سيبقى دائما للأفضل والأكثر حبا وحنانا واحتراما، هذه بالضبط هى حالة المواطن وليد خيرى، الذى استطاع بكتابات بسيطة على صفحته على الفيس بوك أن يغير من وجهة نظر آلاف الآباء المنفصلين، فيما يتعلق بعلاقاتهم بأبنائهم، بل والأكثر من ذلك أن تلك البوستات كانت السبب أيضا فى جعل الكثير من الأزواج يعيدون النظر فى شكل ارتباطهم، خاصة بعد أن قرأوا ما كتبه وليد عن علاقته بابنه مهند الذى لم يتجاوز العشر سنوات وشيروها على صفحاتهم ، ومن ثم قرر هذا المواطن الطيب تسجيل تلك العلاقة فى كتاب " السيرة الأبوية "، يشرح فيه أن الأب ليس مجرد مصدر تمويل .. ولكنه الظهر والسند والأمان والقدوة، كما تطرق كذلك عن علاقته هو بوالده، عن هذا الكتاب وأسباب كتابته كان لنا معه هذا الحوار . هل كتاب "السيرة الأبوية" هو أول إنتاجك الأدبى ؟ لا، "السيرة الأبوية" هو الكتاب الثالث، فقد سبق وقدمت كتابين، الأول اسمه "تجاوزت المقهى دون أن يراك أحد" وهو عبارة عن مجموعة قصصية، والثانى رواية طويلة اسمها " حارس حديقة المحبين" والحمد لله الكتابان حققا نجاحاً وأشاد بهما عدد كبير من النقاد. هل ما دفعك لكتابة "السيرة الأبوية " علاقتك بابنك أم علاقة والدك بك ؟ فى البداية كانت علاقتى بابنى .. وأنا- أصلا- لم أكن أتخيل أننى فى يوم ما سأكتب عن تلك العلاقة التى تعد محور حياتى، والحكاية بدأت بأنى كنت عادة ما أكتب بوستات على الفيس بوك عن بعض التفاصيل الصغيرة فى علاقتى بمهند ابنى، ومدى ارتباطنا ببعض ومشاعرى تجاهه ويومياتنا معا، ولكنى فوجئت مع الوقت بأن تلك البوستات بدأ يتم تشييرها بأعداد كبيرة جدا، وتأخذ " لايكات " تجاوزت العشرين والخمسة وعشرين ألفا، خاصة البوستات التى كنت أكتب فيها عن الطريقة التى ابتكرتها لتعليم مهند الصلاة، وكيفية الاقتراب من ربنا- سبحانه وتعالى-، إلى أن جاء يوم وجدت مهند قد كتب خطابا لزميلته بالمدرسة فاستأذنته أن أنشر هذا الخطاب على صفحتى .. وكانت المفاجأة أن آلاف الناس الذين دخلوا على الصفحة عندى ليقرأوا الخطاب، وتم تشييره 13 ألف مرة، إلى أن طلب معظم من قرأ الخطاب- وكان يتابع بوستاتى- أن أكتب رواية أو كتابا خاصا عن تلك العلاقة، ومن هنا جاءتني فكرة كتاب " السيرة الأبوية "، ولكنى طبعا لم أكن أتوقع أنه سيحقق كل هذا الصدى. ولماذا تطرقت إلى علاقة والدك بك ؟ لأنى كنت كلما أكتب شيئا عن مهند أجد أننى تعلمته من والدى- الله يرحمه- والذى أحمد ربنا ألف مرة أنه قرأ الكتاب وشهد نجاحه قبل وفاته، وبالرغم من ارتباطى الشديد بابنى وحنانى عليه إلا أننى أشعر أن كل ما أقدمه له لايساوى نقطة فى بحر مما كان يفعله والدى معى، خاصة أن والدى تربى فى ظل أب وأم منفصلين، ومهند ابنى أيضا نشأ فى ظل أب وأم منفصلين، أى أننى أنا الوحيد الذى نجوت من تلك المذبحة العائلية، لكن مهند- الحمد لله- لا يشعر بهذا الأمر على الإطلاق؛ فهو يقضى مع والدته أيام المدرسة ويقضى معى الويك إند. وماذا عن ليلة السبت معك أنت ومهند ؟ من أصعب الليالى التى تمر على طوال أيام الأسبوع، وتمر على كأنها سنة؛ لأن مهند سيعود لوالدته ثانية، وسأبقى أنا وحدى أنتظر يوم الخميس حتى يأتى إلى مرة أخرى، خاصة أنه عادة ما يكون فى منتهى الحنان فى تلك الليلة، لذا فأنا دائما ما أقول له: " أنت متعرفش حاجة عن غلظة القلب"، حتى أستطيع أن أصبر نفسى بها ليوم الخميس. ألا ترى أنه أمر غريب أن تحب ابنك بهذا الشكل، ومع ذلك تنفصل عن والدته؛ بما يترتب على ذلك من أثر نفسى سيئ على الولد ؟ أنا أرى أن العكس هو الصحيح، يعنى مثلا لو كنت أنا ووالدته معا فى غرفة ستحترق، هل من الطبيعى أن أشد ابنى معى ليحترق هو الآخر أم أحاول إنقاذه؟ مادمنا أننا فى كل الأحوال سنموت، وهذا هو ما حدث بالضبط، فليس معنى انفصالى عن والدته أن أتخلى عنه هو الآخر، وإنما العكس هو الصحيح، فأنا أبذل أقصى ما فى وسعى لأعوضه عن هذا الانفصال، والحمد لله أنه هو أيضا يدرك ذلك، فلك أن تتخيلى أننا فى ليلة الطلاق ذهبنا الى السينما أنا وهو ووالدته وتناولنا وجبة العشاء خارج البيت، وضبطنا المنبه ثانى يوم على موعد المأذون، فهل هناك تحضر أكثر من ذلك؟! فأنا أرى أن الزوجين بمجرد أن يشعرا أن النهاية قادمة- لا محالة- فعليهما ألا يتركا أنفسهما لمرحلة الانهيار، وإنما لابد أن يختارا التوقيت المناسب للانفصال احتراما لما بينهما من عشرة وتاريخ مشترك، وحتى يظل هناك رصيد يجعلهما يحافظان على أولادهما وعلى علاقتهما بهم، وهذا ما حدث معى بالضبط، فعندما أدركت أنا ووالدة مهند أنه لامفر من الانفصال وأن تلك النهاية ستأتى قررنا ألا نترك المسألة للوقت، بل كان علينا أن نختار نحن الوقت، وأنه مادام هناك ثمن سيدفع فعلينا ألا نجعله غاليا،- وعلى فكرة- أى إنسان يستطيع أن يدرك بقلبه وبصيرته إن كان ما هو فيه- سواء كانت علاقة حب أو زواج أو حتى عمل- سيستمر أم لا، فعندما أدركت أن علاقة زواجى مستحيل أن تستمر أخذت القرار فورا حتى لا يعيش فى جو متوتر يؤثر على نفسيته، ونتيجة ذلك أن علاقتى بوالدته وبأسرتها جيدة جدا، وحتى بزوجها الآن، لأنها تزوجت وأنجبت وابنى يعيش مع زوج والدته وإخوانه فى هدوء، وأنا أصبحت صديقا لهم جميعا. وهل حقيقى أنك أخذت عهدا على نفسك ألا تتزوج أبدا كما قلت فى كتابك ؟ نعم، فقد قررت عدم الزواج على الإطلاق . ولماذا أخذت هذا القرار مادام ابنك مستقرا مع والدته وإخوانه ؟ لأن ارتباطى بمهند أقوى من أى شىء آخر فى حياتى، وهذا الارتباط لم يصبح بهذا الشكل بعد الانفصال، وإنما منذ يوم ولادته، فأنا كنت مسئولا عنه فى كل شىء، لدرجة أنى كنت أؤلف حواديت عن الحيوانات التى يحبها لأحكيها له؛ ومن ثم أصبح هناك شعور قوى لدى مهند أننى ملكه وحده، ووسواس أيضا من فكرة زواجى، وبالتالى أنا أيضا لم أعد أتخيل الفكرة لمجرد أنها يمكن أن تؤرقه، ولكن لو جاء هو فى يوم من الأيام وطلب منى أن أتزوج عن اقتناع أننى لابد أن أعيش حياة طبيعية، فربما أوافق، خاصة أننى كنت أتمنى أن يكون لدى أربعة أو خمسة أطفال، وأن يكون منهم بنات لأنى أحترم المرأة وأقدرها جدا. ألا ترى أنك تكتب أدق تفاصيل حياتك الشخصية على الفيس بوك- لتكون مشاعا للناس- يبدو شيئا غريبا نسبيا؟ أنا لم أبدأ أكتب كل شىء على الفيس بوك إلا بعد ما فوجئت بكم المردود الإيجابى الذى كانت تلقاه تلك البوستات من الناس، ولكنى فوجئت أن تلك الكتابات استطاعت أن تغير وجهة نظرهم فى الانفصال وعلاقاتهم بأبنائهم، لدرجة أنه كانت تأتينى رسائل ورجال وسيدات لاأعرفهم يقولون لى: إنهم بسبب تلك البوستات الصغيرة تنازلوا عن نزاعات قضائية كانت بينهم على حضانة الأولاد حرصا على مصلحتهم، بل والأكثر من ذلك أنهم اتفقوا على أن يكونوا أصدقاء حتى ينشأ الأولاد فى بيئة نفسية سليمة؛ لأنه يكفى ما أصابهم من انفصال أبويهم. وهل هناك حالات بالفعل استطعت أن تساعدها من خلال كتاباتك ؟ حالات كثيرة جدا، فأنا- كل يوم- أتلقى مئات الرسائل التى تريد أن تستعين بتجربتى فى الانفصال دون أن يؤثر الأمر على الأطفال، كما أن هناك بعض الشباب قرر أن يتزوج حتى يهب حياته لأولاده مثلما فعلت أنا، أما الأغلبية العظمى فهم من قرروا أن ينهوا خلافاتهم حتى القضائية منها التى ترتبت على الطلاق، بل ويعيدوا النظر فى علاقتهم كأصدقاء حتى يبقى الأطفال بينهم دون أن يتأثروا نفسيا، أليس هذا كله يستحق أن أكتب تجربتى على الفيس بوك خاصة بعد أن أصبح لى آلاف المتابعين لأساعدهم على أن يتجاوزوا تلك الأزمة بسلام ؟ وأخيرا بماذا تنصح الآباء المنفصلين لتربية أبنائهم دون مشكلات ؟ أهم شىء ألا يعتبروا الانفصال- وخاصة الأب- أنه انفصال عن الزوجة والأولاد؛ لأن الأبناء سيبقوا دائما مسئولية مشتركة سيحاسبون عليها أمام الله، وألا يشعرونهم أن ما حدث كارثة، وإنما كل ما فى الأمر أنه لم يعد هناك تفاهم بين الأب والأم، ومن ثم فسيعيش كل طرف فى بيت مختلف، لكن الأطفال سيبقون دائما بينهما، وأن يتركا لهم حرية الاختيار فى أن يعيشوا حياتهم بالشكل الذى يريدونه، وما على الأب سوى التوجيه والنصيحة، وأن يبدى كل طرف أمام الأبناء منتهى الاحترام والتقدير للطرف الآخر وأخيرا "الحنان " فعلينا دائما أن نغدق على أولادنا الحنان حتى يخرجوا للدنيا وهم مشبعون بالرحمة التى حثنا عليها الله ورسوله.