" العباقرة نسبتهم لا تتعدى 1 % من أى مجتمع ، وفى مصر يوجد 750 ألف عبقرى ليس لغالبيتهم أى دور ، وفى مصر أيضا هناك فقط 4 مليون مواطن يقرأون الصحف وهؤلاء هم المشغولون بالهم العام بشكل حقيقى .. وهم أيضا النخبة التى يجب أن تغير من إيقاع الحياة " . ما سبق هو بداية كلام الدكتور أحمد عكاشة العالم النفسى الكبير عن تحليله للشخصية المصرية خلال الندوة التى حضرها بدار الضيافة بجامعة عين شمس . وقال د. عكاشة " عندنا وزراء ومسئولون عباقرة فى التشخيص وتحليل المشكلات لكنهم فاشلون فى العلاج ووضع الحلول لمشاكلنا والكارثة أن النخبة فقط هى المسئولة عن تطوير حياتنا وفى كل دولة فى العالم نجد أن 60 % من السكان من متوسطى الذكاء و20 % أكثر ذكاء قليلا ولكنهم لا يتولون مسئوليات أما ال20 % الباقون فهم المؤثرون الذين يخرج منهم القادة والوزراء " . وانتقل الدكتور عكاشة للحديث عن الشخصية المصرية فقال : ابن خلدون كتب تحليلا رائعا عن الشخصية المصرية ذكر فيه أن المصريين يشتهرون بالتلون والمرونة ولا يتوقفون عن الخفة والسخرية والمرح والغفلة عن العواقب ولأن سلاح السخرية يؤدى للثورة يميل كل حكام مصر لأن يشجعوا الناس على المرح والخفة والغفلة عن العواقب .. هذا كان تحليلا للشخصية المصرية منذ عدة قرون تعالوا نرى ما وصلنا إليه الآن فأقول أننا من 50 سنة كنا نحب الاختلاط والكلام ونعشق الجو العائلى والأسرة ونثق فى بعضنا لأبعد الحدود ونتعلق جدا بجوهر الدين فى كل معاملاتنا كما كنا نرتبط بالأرض ونعتبرها مثل العرض الذى لا يجب التفريط فيه كما كنا نحب الفكاهة والدعابة ، أما لآن ففى تقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار تبين أن83 % من المصريين لا يثقون فى بعضهم ولا يثقون فى مؤسسات الدولة وحدث الآن أيضا نوع من أنواع التمركز حول الذات يعنى أهم حاجة عندى هى بيتى وأسرتى أو بمعنى آخر نفسى وبعدها الطوفان كما غاب عن المصريين صفة المرونة والتعددية وزمان كان المصرى إنسان وسطى ولم يكن هناك راديكالية أو تطرف بهذا الشكل الذى نراه فى كل شىء ، حتى التطرف فى الملابس الآن حاجة بشعة جدا الملابس المحزقة التى يرتديها الشباب والبنات فهذا بلا شك تطرف غير عادى ، أيضا لم يعد المصرى يتسم بالذائقة الجمالية القديمة التى كنا نراها فى حفلات أم كلثوم عندما كان يجلس ويستمع ويدندن ويقول الله عليك يا ست الآن أصبح هناك ما يسمى بتذوق القبح والأغانى عديمة القيمة والمعنى وأصبحنا بعد كل ذلك أمام خيارين فإما أن نكون صوفيين نفكر فى الروحانيات ونتعلق بما هو فوق الادراك وإما أن نتعود أو نواكب الحياة أو نركب وهذا يعنى مزيدا من التراجع والركود . ثم لفت الدكتور أحمد عكاشة الأنظار إلى مشكلة خطيرة وهى عدم التمييز بين التوكل والإتكالية حيث قال : محدش بقى عايز يشتغل بداية من النجار وحتى أستاذ الجامعة وأصبحت هناك قدرية وضعف عام فى الهمة والعزيمة وأصبحنا أيضا أمام خيارين هما : كن شىء واتعب واعرق ولكنك ستموت بسرعة وتعيش قليلا نتيجة الضغط والسكر الذى ستتعرض له أو لا تكن شىء ولا تشغل بالك وكبر دماغك ووقتها أنت اخترت أن تعيش أكثر .. وكل هذا الكلام ما أنزل الله به من سلطان ومن هنا يأتى الحل فيما يسمى بالأخلاقيات وبالثقافة العلمية التى تفرض علينا الانضباط وعدم التسيب وتشعرنا بالمسئولية بحيث كل يكون كل مواطن فى مكانه مسئولا عن الارتقاء به والاتقان فيه ، ثم الوطنية التى اختزلت الآن فى كرة القدم لأننا بقينا فاشلين فى كل حاجة ونهيص فقط فى أى ماتش نلعبه حلو ، ثم العمل الجماعى الذى للأسف لا يحظى بأى تقدير على الاطلاق فى ثقافتنا ولذلك نجد أنفسنا متفوقين عالميا فى الرياضات الفردية بعكس كرة القدم وكرة السلة والطائرة وغيرها لأنها ألعاب جماعية والكلام ينصرف على البحث العلمى والعمل العام . ولا يجب مطلقا أن نغفل عن أن التعليم هو سر التقدم الحقيقى فى أى مجتمع والتعليم يجب أن يقوم على القيم ولكن للأسف التلميذ فى سنة أولى ابتدائى يفتح عينه وكراسته على المعلم المستغل عديم الأخلاق الذى لا يقوم بواجبه على خير وجه إلا فى الدروس الخصوصية ومن هنا يخرج المواطن الصغير بلا قدوة بل وللأسف يكتشف أن الذى يلقنه القيم هو الشخص الإنتهازى المستغل وليس هذا فحسب فعندما يشاهد الفضائيات يجد الكلام لا يتوقف عن عذاب القبر والجنة والنار .. عقد فى عقد فى عقد ... وكل سنة وأنتم طيبين وأراكم فى لقاء آخر .