سقطت الخطوط الحمر وتهاوى اتفاق غير معلن التزمه عهد حسني مبارك وقضى بعدم توقيف المرشد العام ل"الإخوان المسلمين" مع إمكان اعتقال كل القيادات الأخرى. حتى في ثورة "25 يناير"، لم يتم الاقتراب من المرشد محمد بديع، وإن زج بأعضاء في مكتب الإرشاد ومجلس الشورى في السجن. لكن بديع، المرشد الثامن في تاريخ الجماعة، الذي أوقف أمس، هو المرشد الأول يواجه هذا المصير منذ المرشد الثالث عمر التلمساني عام 1981 في عهد الرئيس السابق أنور السادات. وقبل ذلك اعتُقل المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي ثلاث مرات أولها عام 1954 وآخرها في 1965، لكنه بقي في منصبه. واختير محمود عزت ليكون مرشداً "موقتاً"، ومن المفارقات أن هذه الصفة، "الموقت" تجمعه بالرئيس عدلي منصور. ويذكر أن المادة الرابعة من النظام الداخلي للجماعة تنص على أنه "في حال غياب المرشد العام خارج الجمهورية، أو تعذر قيامه بمهامه لمرض أو لعذر طارئ (كما هي الحال الآن)، يقوم نائبه الأول مقامه في جميع اختصاصاته". وبما أن النائب الأول خيرت الشاطر موقوف، يتم اللجوء إلى المادة الخامسة التي تفيد أنه "في حال حدوث موانع قهرية تحول دون مباشرة المرشد مهامه، يحل نائبه الأول، ثم الأقدم فالأقدم ثم الأكبر فالأكبر من أعضاء مكتب الإرشاد". فوقع الخيار على عزت، النائب الثاني للمرشد. وكانت ترددت أنباء عن هروب قيادات في الجماعات خارج مصر عبر الأنفاق إلى قطاع غزة، وقيل إن عزت بين هؤلاء، وإنه يقيم في فندق الشاطئ في غزة. وفي حال صح ذلك، سيكون المرشد الأول في تاريخ الجماعة يقودها من خارج البلاد. ونفت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وجود عزت في غزة، معتبرة أن نشر هذه التقارير يهدف إلى ضرب علاقتها بمصر. غير أن صحيفة "النهار" المصرية أوردت أن إحدى الجهات السيادية المصرية طلبت من السلطة الفلسطينية تسليم المرشد الجديد في "مقابل فتح معبر رفح طوال الوقت والوقوف بجوار القضية الفلسطينية وعدم قطع المعونة عن فلسطين نهائياً". وفي كل الأحوال، فإن مصادر على صلة ب"الإخوان" أكدت وجود المرشد الجديد خارج الأراضي المصرية، منذ 27 يونيو، وذلك "تحسباً لتوقيفه، وفي إطار خطة طوارئ يتم العمل بها في حال اعتقال المرشد". وتصف صحف مصرية مناهضة للجماعة عزت ب"المستر أكس"، أي أنه الرجل القوي" في "الإخوان"، وربما الزعيم الفعلي للفصيل. وتذهب "اليوم السابع" إلى اعتباره المرشد الحقيقي "على مدار السنوات الأخيرة منذ وفاة (المرشد السادس) مأمون الهضيبي، مروراً بعهدي محمد مهدي عاكف ومحمد بديع". يُلقب "الثعلب" لدهائه، وهو من صقور الجماعة، ويتنى أفكار سيد قطب المتشددة. وكان اعتُقل عام 1965 وحُكم عليه بالسجن عام 1974، وكان حينها طالباً يدرس الطب. سافر إلى اليمن عام 1981 ثم أكمل علومة في بريطانيا، وصار عضواً في مكتب الإرشاد في العام نفسه. اعتُقل ستة أشهر عام 1993 ثم حُكم عليه بالسجن خمس سنين عام 1995. وأوقف عام 2008. وسألت "النهار" الصحافي محمد محسن أبوالنور الوثيق الصلة بقيادة "الإخوان" عن توقيف بديع واختيار عزت، فأشار إلى سرعة الإعلان عن مرشد جديد، الأمر الذي يعني أن "الجماعة لديها كوادر وكوادر بديلة، وتريد إظهار قدرتها على ملء الفراغات، فهي لا تعتمد على الأشخاص إنما على الأفكار والمبادئ". وعن توقعاته لمستقبل "الإخوان"، قال إن "المستقبل يمكن قراءته من التاريخ. ففي العهود السابقة تعرضت الجماعة وعناصرها للاعتقالات. ففي عام 1955 أوقف الرئيس (جمال) عبدالناصر 18 ألف عضو في ليلة واحدة". وإذ رأى أن الجماعة تملك "تعاطف الجماهير" وخرجت قوية من كل ما تعرضت له في تاريخها، أقر بأنها "ربما ستمكث لسنين تحصد خسائر خطئية خوض انتخابات الرئاسة، وهو القرار الذي حذرت منه قيادات الجماعة في كثير من المناسابات". وأضاف :"كل ما نحن فيه الآن وانتصار الثورة المضادة يعود إلى القرار الخاطئ الذي خاضته الجماعة بنزولها إلى الانتخابات الرئاسية. القرار كان خاطئاً لأنه قسَم قوى الثورة، وقدمت "الإخوان" فرصة ذهبية لفلول الحزب الوطني لإيجاد ذريعة للانقضاض على الثورة. أضف أن الجماعة لم تعتد في تاريخها العمل في الصفوف الأولى، فهي بارعة في المناروة من الخلف أو من الكواليس. وهي عندما تصدرت المشهد فقدت عنصر المناورة الذي يميزها وفقدت قدرتها على التراجع. وهي لم يكن أمامها سوى الكر، وخسرت بشكل كامل الفر". وكشف أحمد بان، الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، أن هناك صراعا مكتوما الآن داخل جماعة الإخوان بين المجموعات الإصلاحية والتنظيمية، ولم يتم حسم الأمر حتى الآن، مؤكدًا أن وجود تقرير ومعلومات تؤكد أن المرشد الفعلى للجماعة هو جمعة أمين عبد العزيز وليس محمود عزت. وأضاف "بان"، خلال مداخلة هاتفية لفضائية "cbc"، اليوم الأربعاء، أن الجماعة تلجأ إلى تكنيك مارسته فى السابق، بأن تسمى مرشدًا عامًا عالميًا ومرشدًا سريًا، وأن الدكتور محمد على بشر محسوب على تيار الإصلاح داخل الجماعة، وهو تيار مستعطف فى الفترة الأخيرة، وليس له حظ فى توجيه قواعد التزامها بنفس القوة التى تمتلكها القيادات القطبية، والذى يمثلها محمود عزت.