ملابس وفاكهة وخضراوات وأسماك ولعب أطفال وأجهزة كهربائية وكتب وموبايلات ونظارات .. كل هذا و أكثر علي أرصفة مصر , ربما كانت هذه الأرصفة أكثر هدوءا قبل الثورة , وأيضا أقل استقرارا بسبب المطاردة المستمرة من شرطة البلدية والاشغالات للباعة الجائلين , ولكنها أصبحت أكثر نشاطا وأقل رقابة بعد الثورة بسبب غياب الأمن وسيطرة بعض البلطجية عليها , وهو ما جعل لها قوانين خاصة تبدأ من الإتاوة وتنتهي بمشاجرات دموية , دولة الرصيف عالم مختلف نتعرف علي أبرز ملامحه في التحقيق التالي .. تصوير : محمود شعبان في البداية تحدثنا مع محمد مصباح 35 سنة - يقف أمام مجمع القاهرة للمحاكم ليبيع نظارات مقلدة , يقول : جئت من محافظة الفيوم وحاولت ان أعمل في أكثر من مجال ولكن لم أفلح فيه حتي استقر بي الحال للعمل مع أحد تجار النظارات , وبدأت أقف لأبيع بضاعتي في أكثر من مكان وبدأت من العتبة حتي استقر بي الحال علي رصيف المجمع , لأن الحركة عليه كبيرة خاصة من الموظفين والبيع هناك نسبته جيدة , وبصراحة لم أستطع الوقوف في العتبة أو وسط البلد لأن أصحاب المحلات التي نقف أمامها يطلبون منا ' ايجارا ' عن الوقفة و كثيرا ما يضايقوننا و يطردوننا من أمام المحل , و لكن هنا في المجمع بعض الأشخاص يأخذون ' إتاوة ' و لكن لا يحتكون بنا طوال الشهر بل أحيانا يقومون بحمايتنا , وعندما كانت البلدية تهاجمنا كانوا يساعدوننا علي الهروب ببضاعتنا , وبعد الثورة البيع جيد ولا توجد بلدية و أيام مظاهرات المليونيات نبيع بشكل جيد جدا وأحيانا ننتهي من بيع البضاعة كلها قبل آخر اليوم . أما محمود فهو يقف بالقرب من مصباح ويبيع كوفيات الثورة و تي شيرتات , فيقول : أقف هنا أمام المجمع منذ سنوات , كنت في البداية أبيع بعض الأدوات المنزلية وأدوات المطبخ وكان مكسبي جيدا لأن معظم العاملين في المجمع من الموظفات وكانوا يشترون مني بضاعة بشكل دائم , لكن بعد الثورة وجدت أن تي شيرتات الثورة و كوفيات علم مصر أكثر رواجا خاصة يوم الجمعة , وبصراحة لا فرق بين قبل الثورة أو بعد الثورة في حركة البيع علي الرصيف إلا في انتشار البلطجية الذين أصبح بعضهم يبيع المخدرات علي الأرصفة في عز الظهر , خاصة أنهم يختبئون وراء بيع بضائع أخري . وعلي الرصيف نفسه تحدثنا مع أحد باعة الفاكهة واسمه سيد , قال لنا : عندي 52 سنة وأقف في العديد من الأرصفة و لدي العديد من الزبائن الذين يأتون خصيصأ من اجل الشراء مني , و أنا هنا امام المجمع من بعد الثورة فقط , و لكن في السابق كنت أقف في شارع 26 يوليو لكن البلدية بعد الثورة كانت تهاجمنا ايضا ففضلت الاستقرار أمام المجمع بعد نصيحة أحد اصدقائي من الباعة , و الحمد لله الرزق هنا متوافر للجميع دون اي مشاكل , ربما يكون البيع أقل في بعض الأيام خاصة خلال الإجازات الحكومية لكن يكفي انه لا أحد يضايقنا أو يحاربنا في أكل عيشنا . و بالطبع كانت البضائع الصينية لها النصيب الأكبر في مجمل البضائع المعروضة علي الرصيف , الا أن الصينيين أيضا احتلوا الرصيف و نافسوا الباعة نظرا لأن نسبة الاستهلاك في مصر من السلع الصينية في كل المجالات تصل إلي 90 % من حجم البضاعة الموجودة بالسوق , كما أن عدد الشركات التي تقوم بالاستيراد من الصين وصلت ل 500 ألف شركة والبضاعة والسلع الصينية شعارها الدائم هو الوصول إلي المستهلك في عقر داره , ' لي ' كانت تقف علي أحد الأرصفة لتبيع عددا محدودا من الموبايلات الصينية ' المقلدة ' ويقف حولها عدد من المارة معظمهم يشاهدون فقط ما يحدث وبعضهم يحاول ' الفصال ' ولكنها دائما كانت مصممة علي الرفض , بل كانت تتشاجر مع الزبائن الذين يفاصلونها .. والذين يعاكسونها أيضا ! ## أما رصيف دار القضاء العالي فهو حاليا أكثر الأرصفة تنوعا في البضائع المقدمة عليه , فلا تجد نفس البضاعة لبائعين اثنين ابدا .. ويبدو الأمر وكأنه اتفاق بين الجميع علي أن كل بائع يتخصص في بضاعة معينة , بل احيانا تجد بائعا يبيع بضاعة ما وبجانبه آخر يبيع بضاعة مكملة لها , أحمد السيد وشقيقه محمد كانا يبيعان السمك والجمبري علي رصيف دار القضاء العالي , يقول أحمد : نحن من السويس وقبل الثورة لم يكن مسموحا لنا بالوقوف في هذا المكان , بل كنا نقف عند بداية شارع التوفيقية , ولكن بعد الثورة استطعنا ان نقف علي هذ الرصيف الذي أصبح أشبه بالسوق ولم يكن ينقصه سوي الجمبري والسمك و الكابوريا , ولكن اكثر ما يباع هنا هو الجمبري لأنه أرخص من سعره في اسواق السمك العادية , ولكن المشكلة هنا هي الخناقات كل يوم مع الباعة الآخرين ومع أمناء الشرطة الذين يضايقوننا في معظم الوقت .. و لكننا ' نظبطهم ' بكام كيلو مشكل سمك وجمبري وسبيط ! . وعلي نفس الرصيف وجدنا طفلا لا يتجاوز عمره -12 سنة - يبيع مجموعة من الصواعق الكهربائية , يقول : والدي لديه محل لبيع الاكسسوارات الكهربائية و انا هنا من اجل مساعدته لأن البيع افضل و المكسب أكبر علي الرصيف , فلا توجد ضرائب و لا توجد اي مصاريف كهرباء و لا ماء ولا ايجار المحلات , و انا لا أقف للبيع إلا في فترة الإجازات فقط بينما في بقية العام يقف مكاني أحد العاملين مع والدي في المحل , ولا يوجد فرق في البيع بالنسبة لي بعد الثورة سوي أن مبيعات الصواعق الكهربائية أصبحت أكثر بسبب عدم وجود الأمن في الشارع , فمعظم البنات يشترين الصواعق و أحيانا بعض الرجال , لكن البنات نسبتهن أكبر . وعلي الجانب الآخر نجد الست ' أم علي ' تفترش هي و ابنها مساحة كبيرة من الرصيف لتبيع مستلزمات المطبخ من أكواب و ملاعق و شوك , وابنها علي بجوارها يبيع الساعات بمختلف انواعها , تقول أم علي : منذ وفاة زوجي وانا اقف مكانه حتي أستطيع الإنفاق علي اولادي , ويأتي كل يوم احد ابنائي لمساعدتي , و حركة البيع في الفترة الأخيرة قلت .. صحيح تخلصنا من مطاردة البلدية لكن التجار الكبار رفعوا الأسعار بحجة أن ' الحال واقف ' بعد الثورة , وعندما رفعنا نحن أيضا السعر لم يتقبل ذلك الزبائن وامتنعوا عن الشراء . أما محمد عامر فيقف علي رصيف دار القضاء العالي ليبيع الجرافاتات والشرابات , وهو له وجهة نظر في اختيار هذه السلعة بالذات , يقول : دار القضاء طوال النهار يحتشد بداخلها المحامون , كما أن نقابة المحامين تقع بجانبها , وبيع الجرافاتات و الشرابات أكثر ما يهم المحامين , فأحيانا المحامي لا يكون لديه وقت ولا امكانية لتغيير البدلة كاملة يوميا ولكنه يستطيع تغيير الجرافتة , وممكن أيضا القميص , ونظرا لأن أسعار الجرافاتات و القمصان ليست مرتفعة فإن المحامي يفضل دائما شراءها من علي الرصيف خاصة و أن المحلات تبالغ في أسعار الجرافاتات , وهنا نبيع الجرافاتات ب 10 جنيهات للواحدة .. والأفضل خامة و شكلا ب 15 جنيها , اما المستوردة فنبيعها ب 25 جنيها . أما محمود عادل فهو من النوبة وجاء الي القاهرة ليبيع الايشاربات الجاهزة , يقول : كنا في السابق نجري من البلدية و نخسر البضاعة و احيانا كنا نتركها و نجري حتي لا يقبضوا علينا , ولكن الآن الوضع افضل وأصحاب المحلات لا يتركوننا في حالنا , و دائما لا يطيقون وجودنا امام المحلات رغم اننا لا نكسب حجم المكاسب التي يكسبونها هم والكثير من الناس يتضايقون من وجودنا علي الأرصفة و لن أرد عليهم سوي بقول اذا ضايقكم وجودنا أوجدوا لنا عملا آخر او افتحوا لنا أسواقا محترمة نعرض فيها بضاعتنا . وطبعا مع هذا العدد الكبير من الباعة الجائلين علي الأرصفة نجد باعة الشاي و الطعام منتشرين في نفس المكان أيضا , ' عم علي ' بائع الشاي علي الرصيف يقول : البيع كويس جدا لكن المشكلة أن الأسعار اصبحت ' مولعة نار ' , و موسم الشتاء بالنسبة لي هو الأفضل لأن الكل يريد التدفئة من خلال المشاريب و الحمد لله الدنيا ماشية ' يوم حلو و يوم مر ' زي حال البلد بالضبط .