كان المشهد غريبا بالنسبة لي .. فقد اصطدمت سيارتان بالطريق العام في دولة عربية ، ونزل كل من قائد السيارتين ، وصافحا بعضهما بكل ود ، ثم بدأ كل منهما يلح علي الآخر أن يمنحه الفرصة لطلب الشرطة ، وبعد لحظات جاءت الشرطة ، ولم تمر خمس دقائق حتي كان الجميع منصرفا مع ابتسامة طيبة . وقفت مندهشا مما حدث ، وكنت وقتها أعمل في تلك الدولة العربية الشقيقة ، وعندما عدت لمصر ، واشتريت سيارة ، أصابني « صداع التأمين» عليها ، ككل المصريين ، وكان السؤال : كيف يخرج التأمين علي السيارات من النفق المظلم الذي دخله من زمن طويل ، ولماذا العلاقة بين العميل وشركات التأمين ليست دائما علي مايرام ؟ طرحنا هذه الأسئلة علي عدد من أصحاب السيارات ، وخبراء التأمين ، فأجاب محمد مصطفي « صاحب سيارة» : شركات التأمين أصبحت متعبة للغاية وأعرف الكثير من الأصدقاء لهم قصص غير مريحة مع هذه الشركات و كل شركة لها نظام خاص بها حسب المبلغ الذي يقوم بدفعه صاحب السيارة و أحيانا لا تقوم الشركة بإصلاح السيارة عند الوكيل بل في ورش خاصة تتبع لها وبمبلغ مبالغ فيه و يضطر المؤمن القبول ، لأن المهم عنده هو إصلاح سيارته فمن الممكن عدم التأمين و إصلاح سيارتي عند أي ميكانيكي و تحت إشرافي و «مش هتكلفني مبلغ كبير « فأنا لست مؤمنا علي سيارتي و»خليها علي الله « . ويقول وائل طيبة : أعرف صديقا لي يمتلك سيارة BMW و مؤمن لدي شركة تأمين كبيرة و تقوم بإصلاح السيارة عند الوكيل ، فسيارته علي الزيرو ولو حدث أي احتكاك بها ولو كان بسيطا يذهب لشركة التأمين و يغرمها مبلغا كبيرا عند الوكيل و لو قام بإصلاحها عند أي ميكانيكي سوف تتكلف نصف المبلغ فقط و أحيانا يحاول الوكيل إقناعه بأن الموضوع بسيط لكنه يصمم و بشدة علي الدهان و هذا النوع من التعامل مع شركات التأمين أكيد أثر بالسلب علي غالبية الناس وشركات التأمين . أما شيماء عاشور فتقول : معاناتي مع شركات التأمين لا توصف فقد وقع لي حادث بسيارتي ولا أحب الخوض في تفاصيل الحادث المهم بعد ما قمت بعمل محضر وأبلغت شركة التأمين ونقلت سيارتي للتوكيل وأرسلت لي شركة التأمين خبيرا و قام بمعاينة السيارة و أثبت أن التأمين سوف يتحمل تصليح السيارة بقيمة 35 % حسب سعر السيارة في السوق و قرر أن سعر السيارة في السوق الأن 40 ألف جنيه و هذا أقل بكثير من سعرها الحقيقي و أخذت مبلغ التأمين و هو حوالي 15 ألف جنيه فقط ، وأنا أتساءل علي أي أساس قام الخبير بتسعير السيارة الآن في السوق؟ وقمت بعد ذلك بتحمل المبلغ المتبقي لتصليح السيارة و قررت بعد ذلك عدم التعامل مع أي من شركات التأمين . وتقول أمل حمدي : أفضل التأمين علي سيارتي لأنه إطمئنان لي فقد قمت بالتأمين علي سيارتي القديمة وكان التأمين يقوم بإصلاحها عند وقوع أي حادثة ، لكن ليس عند الوكيل بل في ورش خاصة تتبع شركة التأمين و قمت ببيعها و اشتريت سيارة جديدة لكن المفاجأة أن شركة التأمين قامت برفع سعر الفائدة من 2500 إلي 5500 جنيه بحجة أنني كثيرة الحوادث لديهم و أستنفدت عدد الحوادث و قررت عدم التأمين و إصلاح سيارتي بنفسي عند الميكانيكي دون اللجوء إلي شركة التأمين . خبراء التأمين يقول أحمد أبوالعينين رئيس لجنة السيارات بالاتحاد المصري للتأمين : إن نسبة السيارات المؤمن عليها بعد الثورة قل كثيرا نتيجة الظروف التي مرت بها البلاد والأحداث الجارية الأن فالاستثمار شبه متوقف والسياحة ليست في طبيعتها ، فانتعاش السياحة ينعكس علي شركات التأمين لأن هذه الشركات تؤمن علي سياراتها وأتوبيساتها السياحية وأيضا ركود معظم شركات السيارات نتيجة عزوف بعض الناس عن شراء سيارات جديدة خوفا من سرقتها ، كل هذه أثرت العوامل علي شركات التأمين. يضيف أبو العينين : يوجد عامل مهم وهو أن البنوك قامت بتقليل قروض السيارات لعدم وجود سيولة ولا تضمن تلك البنوك أن يقوم المستفيد من القرض بالسداد وفي رأيي أن استقرار الوضع الاقتصادي للبلاد سيساعد علي نمو معدلات التأمين مره أخري وتنتعش بالتالي شركاته . وبسؤاله عن مماطلة بعض شركات التأمين في دفع مستحقات العملاء ؟ قال : أنا لا أتفق مع هذا الرأي لأن المشكلة الرئيسية هي عدم معرفة العملاء بشروط التأمين ، فالعميل يأخذ الوثيقة ولا يقوم بقراءتها أوفهم ما له و ما عليه ، فإذا لا قدر الله حدث مكروه لسيارته يكون عليه التزامات والشركة عليها التزامات أخري فيفاجأ العميل بأن شركة التأمين تتحامل عليه ، لكن يمكن القول أنه يوجد شركات كثيرة تفي بالتزاماتها وهذا يوضحه الكتاب السنوي الصادر عن هيئة الرقابة المالية وفيه ما يخص أنشطة التأمين وحجم التعويضات التي تدفعها الشركات سنويا. ويمكن أن نستخلص المشكلة وهي عدم معرفة العميل بشروط وثيقة التأمين . أما إبراهيم لبيب نائب رئيس لجنة السيارات بالاتحاد المصري للتأمين فيقول :العبرة في التأمين بجزئيتين: الأولي هي الاقتناع به وإحساس العميل بخطر معين وانه يجب أن يقوم بالتأمين خوفا من وقوع هذا الخطر ولا يهم في هذه الحالة مبلغ التأمين فالأخطار في مصر أصبحت عديدة وتستحق أن تتجه أنظار معظم الناس إلي التأمين بمعني «أنا فاهم تأمين هأعمله أيا كان» . أما الجزئية الثانية هي إجبار العملاء علي التأمين عن طريق البنك لأنه يضمن بهذه الطريقة سداد القرض الذي يعطيه للعميل وهذا من خلال وثيقة التأمين التي تصدر لصالح البنك و طالما أن الوثيقة صدرت لصالح البنك تكتب في الوثيقة أن التعويضات تدفع للبنك . ويضيف لبيب :يوجد شئ سائد في مجتمعنا المصري اننا كشعب ننفق أكثر من إمكانياتنا فبالتالي الرغبة في شراء سيارات جديدة تزداد ، فقرض السيارة من البنك يعتبر قرضا شخصيا للعميل الفردي فهو قرض سهل بالنسبة للبنك والعميل لأنه لا يحتاج سوي عقد أو حيازة والبنك يحتاج من العميل البطاقة الشخصية ومفردات الراتب و البنك بذلك يضمن السيارة عن طريق رخصة المرور وضامن قيمة القرض الذي أعطاه للعميل فملكية السيارة تكون للبنك ، فمثلا نجد السيارة باسم شخص معين يكون عليها حظر بيع لصالح البنك الأهلي المصري ، أو غيره وغالبا ما ترتبط مدة الرخصة بمدة وثيقة التأمين لأن «المرور» لا يقوم بتجديد الرخصة إلا عندما يحصل علي موافقة البنك وبالتالي البنك لا يعطي الموافقة إلا عندما يأخذ وثيقة التأمين من شركة التأمين و يكون العميل ملتزما في السداد . سألناه : هل أثرت الأحداث الجارية و الثورة علي انخفاض معدلات التأمين ؟ بعد الثورة مباشرة أدي إلي عزوف الكثير من العملاء عن التأمين لسببين : الأول :أن أولويات حياتنا تغيرت في مصر فمثلا العميل يسأل نفسه :»هل أقوم بالتأمين علي سيارتي أم أحافظ علي أمان بيتي و أولادي؟ فأحداث الشغب التي مرت بها البلاد و حرق الكثير من السيارات أحدثت زلزالا لشركات التأمين لأن حجم التلفيات و التعويضات عقب الثورة مباشرة لم تكن مغطاة من قبل شركات التأمين فإذا احترقت سيارة العميل و طلب من شركة التأمين التعويض ترد عليه الشركة بعدم الموافقة علي الدفع و من هنا وجد نوع من اللبس عند العميل و تولد نوع من عدم المصداقية لبعض العملاء من قبل شركات التأمين فالعملاء قبل الثورة كانوا مستقرين . فالشغب عند شركات التأمين يطلق عليه خطر مستقل بمعني الذي يقوم بالتأمين علي سيارته ضد السرقة أو الحريق هذه أسباب معروفة و مغطاة تأمينيا و الشركات في هذه الحالة تقوم بالدفع ، لكن قبل الثورة لا يوجد أحد قام بالتأمين ضد الشغب فوثيقة التأمين بين العملاء والشركة لا تتضمن تغطية خطر الشغب وبالتالي لم تقم الشركات بدفع قيمة التعويضات لأن الشغب هو الخطر التي لم تتضمنه الوثيقة و بعد استقرارالأحداث بحوالي 6 شهور بدأت الناس تتفهم أن تغطي تأمينيا ضد الشغب و السرقة بنسبة 75 % أو 100 % . و نحن بصدد صدور قانون من الاتحاد المصري للتأمين و بمقتضاه يتحمل العميل حوالي 25 % من قيمة التعويض في حالة سرقة السيارة ,لأننا قمنا بعمل إحصائية عن سرقة السيارات ووجدنا إن عدد السيارات المسروقة وصلت إلي ما يقرب من 4 الاف سيارة و مؤمن عليها فلو ضربنا متوسط قيمة السيارة في ألف جنيه فيصل ذلك إلي حوالي 4 مليارات جنيه تحملتها شركات التأمين و النتيجة إن جميع شركات التأمين أصبح عندها خسائر غير عادية . ولذلك قررنا أن يتحمل العميل 25 % في حالة السرقة ، ويسري ذلك لمدة سنة ، انتهت في ديسمبر 2012 و جاري الحصول علي موافقة من الهيئة المصرية للرقابة المالية أن نمد العمل بالمنشور لمدة أخري . و السبب الثاني هوتأثر دخل كل بيت مصر نتيجة عدم استقرار الوضع الاقتصادي للبلاد.