لم أقتنع يوماً بكل الحملات الإعلانية المقروءة والمسموعة والمرئية التي ناشدت فيها الحكومة المواطنين بتنظيم الأسرة والحد من الإنجاب بلا حساب، جميعها كان ينقصها التركيز علي تسويق الرسائل الموضحة أن الحياه علي طريقة الأرانب خطر كبير علي الأسرة نفسها قبل أن تكون عبئا كبيرا علي الدولة ذات الوضع الاقتصادي المحدود، كان ينقصها الجدية في الطرح، فمن شاهدوا حديث ماما كريمة في إعلانات عن وجوب تنظيم الأسرة شاهدوها بعد ذلك في واحد من أشهر أفلام السينما المصرية وأكثرها انتشاراً » الحفيد » وهي أم لستة أولاد وطوال الفيلم تدعو بناتها للإنجاب مثلها رافعة شعار » إغلبيه بالعيال يغلبك بالمال »، والأهم من هذا كان ينقصها إجراءات تطبق علي الأرض حيال من عاندوها وضربوا بمحتواها عرض الحائط، هذا النقصان جعل كل هذه المخاطبات هي والعدم سواء وأوصل بنا الحال لزيادة سنوية حوالي 2ونصف مليون نسمة !! زيادة 2 ونصف مليون نسمة رغم وجود شريحة كبيرة جدا جدا من الشعب بلا زواج تحت بند الكلمة القبيحة » معنسين » ورغم وجود شريحة أكبر منهم تحت بند » مطلقين »، في قراءة هذا المشهد العبثي تشير الإحصائيات لخروج تلك الزيادة الكبيرة من المناطق الريفية ومن الصعيد، بينما يشير المنطق إلي أن الوضع لم يعد يحتمل مجرد الحديث عن دراسات وإحصائيات واستنكار وشجب وإدانة ودمتم، وأن ثمة إجراءات واضحة ومباشرة يجب أن تفعل علي الأرض لمواجهة هذا الخطر الداهم، إذ إنه ليس من العدل أن نتحمل جميعاً نتيجة قناعات من تستوطن رؤوسهم أفكار العزوة والحرص علي إنجاب الولد وإعتباره أفضل من البنت، الطبيعي أن يتحملوا منفردين نتيجة خروجهم عن حسابات العقل والمنطق، الطبيعي تنفيذ برنامج شامل لحصار المشكلة يلعب فيه انحسار الدعم عنهم دوراً أساسياً، صحيح الحكومة قررت أن الدعم النقدي في برنامج تكافل وكرامة سيقتصر علي طفلين فقط في الأسرة بداية من يناير القادم لكن هذا لا يكفي، مطلوب تعبير جاد عن خطورة زيادة عدد الأسرة علي أفرادها نفسهم وليس علي الدولة، مطلوب أن يعي المواطن حجم ظلمه لكائن حي يأتي به إلي الدنيا وهو لا يضمن له حياة كريمة أو حياة آدمية علي الأقل، أن يوضح رجل الدين أن الدين ترك مساحة للاجتهاد وطالبنا بإعمال العقل ولا يمكن أن يحث هذا الدين العظيم رجل وامرأة يعيشون بالكاد علي الإفراط في إنجاب أولاد ليورثوهم نفس مشوار البؤس والمعاناة الذي عاشوه، مواجهة من ينجبوا كالأرانب ليست مستحيلة ولا حتي صعبة، هي فقط تتطلب حزما وجدية، لا ذنب لنا أن عقولهم لا تعمل، ولسنا مجبرين أن نهدر مزيداً من السنوات ونحن ندعوها لتعمل، لكننا الآن الآن مجبرين أن نحمي مساحتنا التي واصلوا الإتيان عليها بجهلهم منذ عقود حتي أوشكت علي التلاشي.