أصبحنا مائة وأربعة ملايين نسمة، هكذا أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في الأمس القريب، هو رقم مخيف في ظل وضعنا الحالي ومفرح لو كنا نعيش في ظروف أخري غير ظروفنا ولدينا واقع آخر غير واقعنا، حوالي 13 مليون امرأة معفيات من مسئولية الوصول لهذا الرقم لأنهن لم يتزوجن أصلا، وحوالي 3 ملايين مطلقة توقفن عن الإنجاب بعد الطلاق وهؤلاء معفيات أيضاً من المسئولية، يتحمل هذا كل من لديهم حياة زوجية قائمة بالفعل فألغوا مساحة العقل والمنطق وتجاهلوا ما يفعلونه في أنفسهم وفينا بسلوك الأرانب الذي اعتمدوه بغض النظر عن النتائج، ومع كامل الاحترام لكل محاولات التوعية التي بادرت بها الدولة للحد من هذا فشخصياً لا أعتبر أي محاولة منها كانت ناجحة أو جذرية، الحملة الإعلانية مثلا التي قدمتها الراحلة العظيمة كريمة مختار في الثمانينات عن تنظيم الأسرة وقامت فيها بدور الطبيبة والأم والجارة التي توعي النساء بأهمية الحد من الإنجاب والتعقل قبل اتخاذ قرار إضافة عضو جديد للأسرة نسفتها هي بنفسها نسفاً في فيلم » الحفيد » الذي قامت ببطولته وظهرت فيه بدور أم لديها 7 أولاد دفعة واحدة وتحث بناتها علي الإنجاب طوال الأحداث رافعة شعار »العيل بييجي برزقه»!، أما كل المحاولات التي جاءت بعد ذلك فكانت ضعيفة جداً ولا ترتقي لمستوي الذكر أصلاً، كلها اعتمدت في أفكارها علي توضيح مخاطر الإنفجار السكاني علي المجتمع، وأتصور أن هذا الكلام لن يلتفت إليه من استوطنت رأسه أفكار العزوة والعيلة وأهمية وجود من يمد اسمه بعد وفاته، لن يلتفت إليه من استوطنت رأسه أفكار وجوب وجود من يسند معه البيت ويساعده علي مواجهة ظروف الحياة، فهؤلاء يرون طوق النجاه في إنجاب أولاد لا يلتحقون بالمدارس ويعملون لإعانة والدهم علي نفقات البيت، وفي تقديري أن هؤلاء لن يقيموا وزناً لأي حسابات خارج حسابات عقولهم الضيقة ولو تحدثت الدولة أمامهم ليل نهار عن أثر هذا علي المجتمع ككل وعلي الوضع الاقتصادي ككل لن يصغي منهم أحد.. والحل ؟؟!!.. تعنيف هؤلاء لن يجدي، ومعاقبتهم بأي وسيلة عقاب لن ينفع وسيأتي حتما بنتائج عكسية. الحل في محاصرتهم جميعا بأساليب جديدة للتوعية، فتنطلق حملات التوعية دفعة واحدة بجرعة مكثفة مقروءة ومسموعة ومرئية ومن داخل الوحدة الصحية والمستشفيات، تنتشر هذه الجرعة في جميع أنحاء الجمهورية بالشكل الذي يوصل إليهم خطورة كثرة الإنجاب عليهم لا علي الدولة ولا علي المجتمع، الحل في إقناعهم بأن حساباتهم خاطئة وبأن أسرة صغيرة تساوي حياة أفضل لأعضاء هذه الأسرة لا للمجتمع، الحل في إقناعهم بأن مصلحتهم الشخصية تتحقق في الحد من الإنجاب وليست المصلحة العامة هي التي ستتحقق، الحل أولاً وأخيراً في ابتكار الآليات التي يتحقق منها الهدف وليس الاستسهال بالحديث فقط عن الهدف.