د. سمير فرج في مثل هذا اليوم، العاشر من رمضان،، من عام 1393 هجرياً، السادس من أكتوبر، من عام 1973، حققت القوات المسلحة المصرية أعظم انتصاراتها في العصر الحديث، عندما نجحت في عبور قناة السويس، أكبر مانع مائي عسكري في التاريخ، وتمكنت من تحطيم خط بارليف، أكبر مانع دفاعي في التاريخ العسكري، بعد خط ماجين والذي أقامته فرنسا في الحرب العالمية الثانية عل حدودها مع ألمانيا لتمنع هتلر من غزو فرنسا. يوم العاشر من رمضان ... في مثل هذا اليوم، كنت أحد ضباط القوات المسلحة المصرية، الصغير، نسبياً، في السن والرتبة، كنت في مركز القيادة الرئيسي للقوات المسلحة، الذي يسيطر علي المعارك في سيناء، والجبهة السورية، وباب المندب في البحر الأحمر. كنا قد افتتحنا هذا المركز للمشروعات الاستراتيجية، قبلها بيومين، ونفذنا أحد الاختبارات التجريبية به، للتأكد من كفاءة عمله عند بدء العمليات. وفي الثامنة من صباح يوم العاشر من رمضان، أصدر اللواء عبد الغني الجمسي، وهو رئيس هيئة العمليات آنذاك، أوامره برفع خرائط ووثائق المشروع التدريبي، فنفذنا الأوامر ووضعنا خرائط ووثائق الخطة جرانيت المعدلة، والتي سيتم بموجبها اقتحام خط بارليف، وعبور قناة السويس. ولأصدقكم القول، لم نكن نصدق أننا علي وشك أن نبدأ الهجوم، ولم يكن أحد يصدق أنه بعد دقائق من تلك لأومر، سنبدأ في تلقي بلاغات استعداد القوات لاتخاذ مواقعها لتنفيذ الخطة. فهناك مجموعات الاستطلاع التي دخلت عمق سيناء في الليلة السابقة، ووصلت إلي أماكنها للإبلاغ عن أية تحركات إسرائيلية، من عمق سيناء، لتدعيم خط بارليف. وهناك وحدات الكباري التي أتخذت موقعها، كذلك، استعداداً لتلقي الأوامر ببدء تنفيذ مهمتها، وبدأ توزيع توقيت الهجوم، وفقاً للخطة الموضوعة. وحان موعد صلاة الظهر، وتجمعنا في إحدي الغرف لنصلي، وما أن فرغنا من صلاتنا، حتي سألنا اللواء الجمسي، بصوت يملؤه الأمل، »يا تري ممكن نطور الهجوم إلي مضايق متلا والجدي؟»، وجاء ردنا، دون اتفاق مسبق، »يا فندم ربنا يوفقنا ونعدي القناة، ونبقي نتكلم بعد كده»، فرد بحزم »هنعبر القناة ... وربنا مش هيضيع مجهودنا». وانطلق كل منا إلي موقعه، يتابع الاستعدادات للحظات الأخيرة للحرب. عندئذ وصل الرئيس أنور السادات، إلي غرفة العمليات، وخلفه جنود يحملون وجبات خفيفة، وأبلغنا أن فضيلة المفتي أباح لنا الإفطار في نهار رمضان، لأننا في جهاد لتحرير الأرض، فأخذ كل منا وجبته، وظلت حبيسة أدراج المكاتب حتي الساعة التاسعة مساء، بعد 4 ساعات من اذان المغرب، عندما وصلت المجموعة الثانية لتتسلم منا الوردية حتي الصباح. كانت أول تباشير الهجوم قد لاحت، عندما عبرت قوات الصاعقة القناة، ونجحت في سد فتحات النابلم التي زرعها العدوالإسرائيلي علي نقاط خط بارليف، بهدف إشعال قناه السويس، إذا ما حاولت قواتنا العبور. بعدها تحركت القوات الجوية، لتنفيذ ضربتها، التي تابعناها علي شاشات غرفة العمليات، فكان عبور الطائرات لقناة السويس، تأكيداً لبداية الحرب. بدأت المدفعية، بعدها، في توجيه ضرباتها علي نقاط خط بارليف، ثم بدأ عبور القوات للقناة، واقتحام خط بارليف. وبدأت البلاغات تتوالي بسقوط النقاط الحصينة لخط بارليف، ورفع العلم المصري عليه. كانت هذه اللحظة، من يوم العاشر من رمضان، واحدة من أسعد لحظات حياتي، إن لم تكن أسعدها علي الإطلاق. وكان أسعد الأخبار التي جاءتنا في غرفة القيادة، بعد 15 دقيقة من عبور قواتنا القناة، تلك الإشارة المفتوحة، التي أرسلها قائد القوات الجوية الإسرائيلي إلي جميع طياريه، بمنع الاقتراب، لمسافة 15 كم، من قناة السويس لتجنب حائط الصواريخ المصرية، أيقنت لحظتها أننا انتصرنا، بعدما نجح الدفاع الجوي المصري في قطع اليد الطولي لإسرائيل، وهي قواتها الجوية، التي طالما تغنت بقدراتها، من التدخل ضد عملية العبور المصرية، بما يعني نجاحنا في عبور القناة، واستعادة سيناء، دون أن نترك شبراً واحداً من الأراضي المصرية. وفي تمام الساعة الثانية والنصف صدر بيان عسكري، يفيد بأن مصر أغلقت الملاحة في باب المندب أمام السفن الإسرائيلية والأجنبية، التي تحمل أي بضائع من وإلي إسرائيل، فكانت تلك المفاجأة، احدي الضربات الموجعة لإسرائيل، في هذه الحرب، بأن تشل مصر قدرة الطيران الإسرائيلي علي الوصول إلي باب المندب، بينما المدمرات والغواصات ولانشات الصواريخ المصرية وصلت مبكراً، وأغلقت الملاحة، تماماً، أمام إسرائيل، وظل ميناء إيلات، طوال فترة الحرب، مغلقاً تماماً، وغير ذي نفع لقواتهم. وتوالي عبور موجات اقتحام قناة السويس وخط بارليف، في أثنتي عشرة موجة، بالقوارب المطاطية، وتم صد جميع الهجمات المضادة المدرعة الإسرائيلية، التي حاولت تدمير القوات المصرية، التي عبرت القناة. ومع آخر ضوء في اليوم، كانت القوات المصرية قد استقرت علي الضفة الشرقية، بطول قناة السويس، وبعدها بدأت القوات، مستغلة ظلام الليل، في نزول براطيم الكباري لكي تعبر الدبابات والمدفعية، والذي كان أهم مرحلة في عملية العبور، لضرورة وصول الدبابات الي قوات المشاة، حتي تكون جاهزة في صباح اليوم التالي لتدمير الاحتياجات الإسرائيلية المدرعة، التي كانت مكلفة بالقضاء علي قوات المشاة المصرية التي عبرت القناة. وفي الساعة الثامنة مساء، جاءت المجموعة الثانية من الضباط لكي تحل محلنا، بينما نأخذ قسطا من الراحة حتي صباح اليوم التالي، ورفض أي منا أن يترك مكانه، فالفرحة كانت عارمة، ولكن صوت وتعليمات الفريق الشاذلي، في الميكروفون، أجبرنا علي المغادرة، عندما قال أنه يجب أن ننال قسطاً من النوم والراحة، استعداداً ليوم هام غداً، ينبغي أن نكون جميعاً فيه علي أعلي درجات اليقظة والانتباه. وهكذا انتهي يوم العاشر من رمضان، وستظل ذكراه عالقة في ذهني طوال العمر، وفي ذاكرة التاريخ العسكري، وقد حققت القوات المصرية معجزة عسكرية طبقاً لكل المفاهيم العسكرية في العالم كله.