فى الحديث عن الفولكلور والتراث الشعبى فى أى منطقة، تحضر الفنون الشعبية فى طليعة المظاهر التى تميز كل بلد أو منطقة. والفنون الشعبية هى تراث الشعوب، وفنون كل منطقة تحمل بهذا القدر أو ذاك بعض أو كل تاريخها، ومن فلة: القول أن المناطق القديمة فى العالم، والباقية إلى الآن، هى حواضر الثقافات والفنون الشعبية على مستوى العالم، كما فى مصر وبلاد الشام والعراق.. فهى العالم القديم، الذى يحمل أبناؤه بأجيالهم المتعاقبة، هذا التراث، ويعطونه من روح عصرهم وزمنهم، ويطعّمونه بمعطيات جديدة. وإذا حملت هذه الاشكال الفنية أو الموسيقية أو الغنائية لهجة البلد.. فلأنها نتاج تطور تاريخى طويل.. حمل معه مفردات اللغات الأصلية للمنطقة.. أو لهجتها.. او طريقتها فى الاداء. فى سوريا بلاد الشام، نشأ الزجل.. وهو شكل يمزج بين الغناء والشعر الارتجالى الذى ينتمى إلى المرحلة الشفاهية فى التواصل والتعبير، وهو من فنون الأدب الشعبي، وشكل تقليدى من أشكال الشعر العربى باللغة المحكية، ويتم بشكل مناظرة بين الزجالين مع إيقاع موسيقى من بعض الآلات الموسيقية. »الزجل» هو الشعر العامى عند اللبنانيين، وعرف قبل ذلك فى سورياولبنان، ب االقولب كما كان يسمى الشاعر ب »القوّال». وعرف فى فلسطين، ب »الحدّا». وله قواعده ونظامه فى الوزن والبناء والقافية ..واشكال المقاطع والخاتمة وشهد فى لبنان إقبالا وتطورا أكثر من المناطق السورية.. التى اقتصر حضوره فيها على منطقة الساحل والقلمون بشكل رئيسي.. وحظى بمكانة متميزة فى الأرياف السورية فى منطقة حوران وجبل العرب. »فؤاد حيدر» - رئيس جمعية الزجل السوري- يعتبر أن القلمون مهد شعر الزجل، ولكنه يلاحظ أن أهالى منطقة وادى بردى وقرى جبل الشيخ مولعون بالزجل، ويحظى شاعر الزجل لديهم بمكانة رفيعة، ويعيد التشابه الكبير بين شعر الزجل فى سورية ولبنان إلى تطابق العادات والثقافة والحياة اليومية فى البلدين . الباحث »أسامة حسون» يشير إلى أن نشأة الزجل كانت فى القلمون بريف دمشق، كون هذه المنطقة تتحدث اللغة الآرامية التى تحدث بها السيد المسيح، ولا يزال سكان جبعدين ومعلولا وبخعة يتحدثون بها، ويؤكد أن أول من كتب الزجل هو »مار أفرام السرياني» فى القرن الرابع الميلادي، وأن بعض المصطلحات التى لا تزال مستخدمة فى شعر الزجل تعود إلى أصول سريانية أو آرامية، كما أن مقامات الزجل مأخوذة عن الألحان السريانية ولاسيما »المعنّي» وهو من الأناشيد والالحان السريانية. و»أنطوان بطرس الخويري» فى كتابه اتاريخ شعر الزجل اللبنانيب يؤكد أن الزجل مصدره الشعر السريانى القديم والموسيقى السريانية الكنسية، ويشير إلى أن الشعر الزجلى أخذ قواعده من الشعر السريانى بالتزام الإيقاع ، وبترجمته إلى العربية اعتمد وحدة القافية والقياس العددى والسماعي، المبنى على المقاطع اللفظية أو التهجية أساساً للقياس، وليس على العروض والتفعيلات الخليلية كما فى أوزان الشعر الفصيح. زاول الزجل الآباء والكهنة فى الأديرة، كما زاوله الأدباء الكبار والمؤرخون، يقول موسى زغيب الشاعر الزجال اللبنانى فى احدى مباريات الزجل.. »قصيد»: زجلنا احتلّ ذروة ازدهارو.. وفرض ع كل موقع اعتبارو انطلق للكون من سجنو المأبّد ليعطى الناس فكرة عن عيارو المطران القلاعى ابن لحفد تغنّى والزجل جلّل وقارو والبطرك العاقورى توَدَّد ل ها اللون الحلو وبارك ثمارو ابن نخلة نشيد الارز انشد اللغة ربيت على خميرة ديارو وناصيف اليازجى البحرين اوجد ربى بدمو المعنّى وما استعارو ومن بعدو اجا الشحرور اسعد جناحو من سما بدادون طارو وعينين الملك فاروق جمّد على كرّة قصيدة وابتكارو أنواع الزجل المعنّي: على بحر الرجز: مستفعلن مستفعلن مستفعلن.. أو الكامل: متفاعلن متفاعلن متفاعل كانت على هاك العريشة تتكى تحكى حكى العشاق ويوا الحكي ولما عصافير المواسم يهجرو يهب الهوى ويعن عبالا الحكي القصيد: من بحر الوافر.. كما فى قصيد موسى زغيب المذكور.. الموشح: من الرصد.. فعلن فعلن فعلن .. بقافيتين فى كل من الصدر والعجز.. وينتهى بلازمة واحدة: كيف بدو قلبى يلقى جروح على جروح وما فيى قبالك ابقى ولا فيى روح عتابا: البحر المتناهى أو السريع وهو الشائع 10 مقاطع فى كل شطر. بشربة مى ع منهل مى جنونى وكنت وردة ع ينبعة مى جَنوني وبعد ما عتّبونى ميجنونى ورمونى عالوتر سحبة رباب ميجانا: الوزن اليعقوبى الذى يتألف شطراه من 24 حركة صوتية 12 فى كل شطر يا ميجانا يا ميجانا يا ميجانا حبى علينا بس حبى متلنا كيف الحب خلاكى بحبي تعيشى الحب وتتهنى وتحبي اذا من غصنك قطفنا ياحبة مشمش متل خدك ينثر هنا الشروقي: من البحر الوفائي، الصدر من قافية والعجز من قافية أخرى ويتألف كل شطر من 13 حركة يارايحين مشرّق لا تطوّلون الغيبة وبلاك يامحبوبى هالدار مالو هيبة الندب: جعل القافية فيه على طريقة المعنى ..من البحر المتفاوت الذى يحتوى كل من شطريه 8 حركات دموعكم لا تمسكوه من العيون اسكبوها وخلو القطرة الحنونة الباكيى تودع أبوها القرادي: على البحر المتدارك.. من شطرين.. ومجموع عدد حركات البيت بكامله 14، 7 فى كل شطر رشّو الزينة عالزينة من مْدينة لتانى مدينة مباريات الزجل تتم بين جوقتين »فرقتين» كل منهما تحمل إسماً.. ويرأسها رئيس ومعه ثلاثة شعراء.. ويتم التبارى بين الجوقتين بحضور حكام من الشعراء المشهود لهم بالكفاءة والتجربة.. ويعطون »التاجب».. أى الجائزة.. لمن ينال الأفضلية فى الأداء الشعري.. وهذه المباريات تبقى مدة طويلة احياناً تستغرق اياماً.. يجلسون قبالة بعضهم.. ووراءهم »الرديدة.. او المسندين».. كالكورال في الفرق الموسيقية.