ومن المعروف أن الكثير من المفسرين المسلمين كانوا يرجعون إلى الكتب السماوية القديمة ليستكملوا معلومات لم تفصل فى القرآن الكريم، أو ليفهموا آيات استغلق عليهم فهمها مستندين إلى قوله تعالى (آمنا بالذى أنزل إلينا وأنزل إليكم) الآية 46 من سورة العنكبوت، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم -رواه البخارى- كما نسب للرسول - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: بلغوا عنى ولو آية، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج وهو ما شجع المفسرون على الاغتراف من العهد القديم والعهد الجديد بلا حساب. ومن المفسرين الذين اشتهروا بتفشى الروايات من الإسرائيليات فى تفاسيرهم كعب الأحبار وهو تابعى كان يهوديا قبل أن يدخل الإسلام فى عهد عمر- رضى الله عنه- وعاش أثناء خلافة عثمان- رضى الله عنه- ويتهمه المؤرخون بكثرة النقل عن أهل الكتاب، وبأنه المصدر الأصلى لأكثر الروايات الإسرائيلية التى فى كتب التفسير، وقد نقلها عنه الكثير من التابعين ومنهم أيضا وهب بن منبه، وابن جريج، وابن إسحاق، وقتادة، وسعيد بن جبير وغيرهم.. وأغلب كتب التفسير، كتفسير ابن جرير الطبرى والثعلبى وغيرهما انتقدوا من التابعين والدارسين بأنهم يروون الإسرائيليات، ولا ينقدونها. وقد نبه ابن كثير إلى العديد من الإسرائيليات والموضوعات المنبثة فى التفسير وعقب عليها بأنها دخيلة على الرواية الإسلامية، وقد تأثر به كثير من المفسرين. أما النقاب فهو اجتهاد من عبدالله بن عباس المتوفى سنة 68ه الملقب بحبر الأمة وفقيهها وإمام التفسير، والذى روى عن الرسول 1660 حديثا ولم يكن قد تجاوز ثلاث عشرة سنة من عمره يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. وإلى ابن عباس ترجع أغلب الفتاوى الخاصة بلباس المرأة وهو مشهور أيضا بالأخذ عن أهل الكتاب رغم ما قيل أنه حذر من الأخذ عنهم، وقال عنه ابن خلدون علامة العرب حكمت الدولة العباسية، وهم سلالة عبدالله بن عباس، رائد الإسرائيليات فى الإسلام، وظلت هذه الدولة منذ قيامها بعد سقوط دولة بنى أمية (132 ه) تعمل على تضخيم شخصية عبدالله، ونسبة جميع المعارف إليه ورفع مقالاته إلى درجة التوثيق والتقديس التى للرسول، وربما ادعوا أنه كان فى كل ما يقول يصدر عن علوم أو وصايا ورثها عن الرسول، وكل ذلك باطل ولا ظل له من الحقيقة، ولكنه صار عبئا على الإسلام ظل يعانى وسيظل يعانى منهم زمنا طولا. وقد حاول ابن خلدون فى مقدمته أن يحلل أسباب نقل المفسرين هذه الإسرائيليات فقال: والسبب هو أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية، وإذا تشوقوا إلى معرفة شىء مما تتشوق إليه النفوس البشرية فى أسباب المكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود فإنما يسألون أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى، وأهل الكتاب الذين بين العرب يومئذ أهل بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك إلا ما يعرفه العامة من أهل الكتاب مقدمة ابن خلدون ص 404 طبعة كتاب الشعب. ويقول: وهكذا انفتح باب الإسرائيليات على مصراعيه أمام المسلمين، لينفتح به باب للشر لم ينغلق، ولن ينغلق ما دام فى هذه الدنيا مسلم تغيب عن وعيه تلك الحقائق التى قدمناها، ويقول: دخلت شعوب فى الإسلام ورأت مناسبة بين الدين الجديد، وبعض ما فى دينهم، فذهبوا يفسرون الإسلام ويفهمونه على أساس تلك الموروثات المهجورة. أى أن الإسرائيليات ليست وحدها المسئولة عن تلك الفتاوى المتناقضة مع روح الإسلام ونصوصه الثابتة، بل الموروثات عن حضارات ما قبل الإسلام أيضا، والتى أشرت إلى بعضها فى مقال سابق. وقد تحققت نبوءة ابن خلدون وها هم مسلمو القرن الخامس عشر الهجرى يعانون من ذلك العبء الذى ألقاه على كواهلهم المفسرون القدامى. وتتناثر فى التوراة عبارات عديدة ترى المرأة شرا لا مثيل له وأنها أصل الخطيئة وأن الله أنزل العقاب الصارم الأبدى عليها؛ لأنها هى التى أقنعت آدم بقطف الثمرة المحرمة وهى وحدها السبب فى معاناة البشرية وطردها من الجنة. ونأتى لبعض الوصايا والأوامر الخاصة بالنساء فى العهدين القديم والجديد لتصمت نساؤكم فى الكنائس لأنه ليس مأذوناً لهن أن يتكلمن بل يخضعن كما يقول الناموس أيضاً، ولكن إن كن يردن أن يتعلمن شيئاً فليسألن رجالهن فى البيت لأنه قبيح بالنساء أن تتكلم فى كنيسة (1 كورنثوس 14:35). ولكن لست آذن للمرأة أن تُعلم ولا تتسلط على الرجل، بل تكون فى سكوت، لأن آدم جبل أولاً ثم حواء، وآدم لم يغو لكن المرأة أغويت فحصلت فى التعدى، (1 تيموثاوس 2 : 14). أيها النساء أخضعن لرجالكن كما للرب، 23 لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة، وهو مخلص الجسد. 24 ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح، كذلك النساء لرجالهن فى كل شىء (افسس 5 : 22). ولكن أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح، وأما رأس المرأة فهو الرجل.. لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل. 9 ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة بل المرأة من أجل الرجل.. 13 احكموا فى أنفسكم: هل يليق بالمرأة أن تصلى إلى الله وهى غير مغطاة؟ 1 كورنثوس 11 : 3. وفى الكتاب المقدس نقرأ أن آلام الوضع ليست إلا عقابا أنزله الله على المرأة (سفر التكوين 16 : 3)، وتتضح التفرقة الشديدة بين الذكر والأنثى عندما نقرأ أن المرأة لابد أن تنتظر أربعين يوما لتتطهر من النزيف بعد ميلاد الذكر، ويحرم عليها لمس أى شىء مقدس، أو الذهاب إلى المعبد، أما إذا أنجبت ابنة (والابنة خسارة) فتتضاعف فترة النجاسة لتصبح ثمانين يوما قبل أن تتطهر من النزيفEcclesiasticus 22:3. ثم أنها بعد أن تتمم أيام تطهرها من ولادة ابن أو ابنة عليها أن تجلب إلى الكاهن خروفا عمره سنة وحمامة شابة لتتطهر من الخطيئة، وإذا كانت غير قادرة فعليها أن تجلب له حمامتين أو يمامتين واحدة للمحرقة والأخرى ذبيحة خطيئة يقدمها الكاهن للرب تكفيراً عن خطيئتها وعندئذ تصبح نظيفة (سفر اللاويين 12 الفصل: 1-8). أما جريمة الشرف فتجد جذورها فى الكتاب المقدس أيضا حيث ينص على أن الزوج الذى يكتشف أن عروسه ليست عذراء عليه أن يعيدها إلى باب بيت أبيها، وتقوم مجموعة من الرجال من بلدتها يرجمونها حتى الموت، لقد فعلت شيئا مشينا لإسرائيل ولابد من تطهير البيت من شرها (سفر - تثنية 20: 22 - 21)، وهكذا يتضح أن معارضة المتشددين (فى الأديان الكتابية الثلاثة) لتحديد النسل ما هو إلا اعتراض على إعفاء المرأة من إنزال تلك العقوبات الإلهية عليها. هذا قليل من كثير ولسنا بمعرض المقارنة بين الأديان الثلاثة أو نقد الأديان، لقد قامت الحركات النسائية فى الغرب بهذه المهمة، ومواقعها فى الإنترنت ومئات الكتب التى تندد بصورة المرأة فى العهدين القديم والجديد على أرفف المكتبات فى أوروبا وأمريكا كلها، ولعل هذا ما يفسر تعاطف المنظمات النسائية الغربية مع معاناة المرأة المسلمة من تشدد المتعصبين ضدها المصابين بداء الميسوجينى العضال الذى تغلغل فى جينات الذكور منذ نهاية العصر الأموى ولايزالون يتوارثونه حتى اليوم. فمتى ستفيق النساء الغافلات ويرفضن الذبح على مذبح الغطرسة الذكورية؟ النقاب تشبه باليهود! أورثت المعارك التى تثار منذ أكثر من قرن من الزمان حول المرأة المسلمة وما يجب أن تفعله ولا تفعله شعورا بالدونية لدى أغلبية النساء الشرقيات وهو نتاج تفشى مرض الميسوجينى كراهية المرأة بين المشرعين والفقهاء القدامى فى الأديان الكتابية الثلاثة.