أتفق مع سمير غطاس فيما ذهب إليه من أن تدويل النزاع الإسرائيلى الفلسطينى أصبح ضرورة ملحة. وكما قلت من قبل، فإن مصر قادت الصراع من 8491 على أساس إنضاج هوية وطنية فلسطينية تمثل النقيض التاريخى للهوية الوطنية الإسرائيلية لكن رعونة القيادة الفلسطينية فى مفاوضات أوسلو التى دخلها الفلسطينيون دون التشاور مع أحد، والتى جعلت الضفة والقطاع أرضا متنازعا عليها، نسفت الأساس الذى نشط فوقه المصريون ومن ورائهم العرب والعالم منذ 7691 وضاعف من فداحة هذا الخطأ المأساوى انتهازية حماس التى تتغذى بأخطاء المنظمة ولاتملك جديدا تقدمه. ثم جاء الانقسام الراهن إلى إقليمين منفصلين جغرافيا، فى غزة والضفة، ومنقسمين عقائديا وسياسيا أيضا، ليضع التصورات المصرية للصراع أمام مأزق تاريخى يستوجب استكشاف مسارات جديدة للعمل. ورغم أن الجهود التى تبذلها مصر لرأب الصدع بين المنظمة وحماس هى الشىء الوحيد الذى له مغزى فى كل ما يجرى من تحركات بخصوص القضية الفلسطينية فإن الشرخ الذى حدث لن يلتئم وستظل الجماعة الفلسطينية جماعتين وإن سعت مصر إلى إقناع الجماعتين بالوقوف على أرضية مشتركة وللتضامن، للحيلولة دون مزيد من التشظى. على الجانب الآخر تبدو الجماعة الإسرائيلية أقرب إلى أصحاب مشروع عقارى استثمارى منهم إلى مواطنين ويبدو زعماؤهم رجال أعمال أكثر عصرية من تجار الشنطة والبيروقراطيين الفتحاويين والحمساويين، لكنهم يبقون رجال أعمال أكثر منهم رجال دولة. وهم رجال أعمال كمبرادور عملوا منذ 8491 لصالح رأس المال الأجنبى وراء البحار، سواء كان إنجليزيا أو روسيا أو أمريكيا أو خلاف ذلك وكل شىء خاضع لمصلحة رأس المال العالمى هذا: الأرض وأرواح اليهود والفلسطينيون وبقية العرب ومصالحهم ومستقبلهم والشركة التى يمارسون من خلالها أعمالهم ليست وطنا وإن كان لها علم وقوات مسلحة بالسلاح النووى. لكن الشركة الإسرائيلية العصرية للخدمات العسكرية والأمنية أكثر حداثة وإبهارا من الدكانة الفلسطينية التى انقسمت إلى دكانتين. قال رجل الاستخبارات البريطانية المتأدب لورانس داريل فى »رباعية الإسكندرية« أن ميلاد إسرائيل يغنى عن نشاط المحافل الماسونية (فى خدمة المصالح الغربية) فى الشرق الأوسط، واعتبر عشرات المحللين والمعلقين أن إسرائيل موقع متقدم للغرب الاستعمارى فى المنطقة أو حاملة طائرات أمريكية واعتبر محمد حسنين هيكل ومن بعده عبدالوهاب المسيرى أن دور أسرائيل هو الفصل بين جناحى العالم العربى فى آسيا وأفريقيا وكل هؤلاء يؤكدون ما عبر عنه عبدالوهاب المسيرى عندما اعتبر يهود إسرائيل جماعة وظيفية. لهذا يبدو ما توصل إليه سمير غطاس حول ضرورة تدويل المسألة الفلسطينية خلاصة صحيحة لكن مقدماتها خاطئة. فالفشل الذى أصاب الجانب العربى فى الصراع ضد إسرائيل والغرب لم يكن مرجعه المقتربات العربية الخاطئة (كانت مقترباتنا فى مصر صحيحة ولا تزال)، بل كان مرجعه، بالأساس، ضعف الوطنيتين الفلسطينية والإسرائيلية ضعفا يحول دون التوصل إلى اتفاق وتحول الظروف التى تحيط بمحاولتنا المستميتة لمعالجة هذا الضعف تحولا يفرض تغييرا فى أساليب العمل. وضعف الوطنيتين الفلسطينية والإسرائيلية هنا يعنى التشوش فى وعى الجماعتين بتميز مصالحهما وطموحاتهما عن مصالح الآخرين وطموحاتهم وعجزهما عن تحديد مناطق التواصل ومناطق الاختلاف بالنسبة للقوى الإقليمية والدولية المختلفة. فى الحالة المصرية قبل 4791 مثلا، كانت هناك جماعة وطنية وهذا يعنى أن المصالح محددة ويمكن للجماعة أن تتفق عليها وتتجه بكل طاقاتها إلى تحقيقها لتحصل عليها بالنهاية بثمن تقدر على دفعه أما الشعوب التى تترك الأرض محتلة والعدو جاثما فوقها وتنشغل بمغانم أخرى كما يفعل الفلسطينيون معظم الوقت منذ 9291 فهم مجرد مشروع أمة، وهم بحاجة إلى حاضنة دولية حتى يبلغوا سن النضج. وبالنسبة للإسرائيليين فالحاضنة الأوروأمريكية متكفلة بهم منذ زمن طويل لكنهم عاجزون حتى اليوم عن رسم حدودهم أو إصدار دستور خاص بهم أو العيش دون سرقة الموارد الطبيعية، خاصة الموارد المائية، أو الاندماج فى محيطهم الإقليمى أو التخلص من الخوف رغم تفوقهم العسكرى تقليديا ونوويا وهكذا يبدو تدويل النزاع بينهم وبين الفلسطينيين ضروريا خاصة بعد أن أثبت الوصى الأمريكى أنه ليس فى مستوى المسئولية.؟