حضرت ليلة الاثنين - 20 من الشهر الجاري - احتفالية رمزية في حديقة بيت أحمد شوقي علي نيل القاهرة.. غني فيها السودانيون مع مطربهم الشاب أباذر عبدالباقي كلمات باكية تقول «هاييجي يوم.. نقول لكل الناس.. كان عندنا بلد».. هكذا عبر الأشقاء عن رثائهم لحال بلادهم التي تتوقع الانقسام في استفتاء 9 يناير القادم.. وتتكرر مشاهد الرثاء بكل ما فيها من شجن وحزن نبيل ودمع عربي في العراق ولبنان وفلسطين واليمن وغيرها لأسباب متنوعة.. وكانت كلمات الرثاء الحزينة حاضرة في ذهني وأنا أتابع ندوة علمية بعنوان «تحديات الأمن القومي العربي». الندوة نظمها المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط وفيها تطايرت الآراء والتحليلات كطلقات الرصاص.. وشارك فيها عدد من الخبراء العرب والمصريين.. وفي البداية أكد د. محمد شفيق رئيس المركز أن المقصود بالأمن القومي العربي هو الإدراك العميق للمخاطر التي يمكن أن تهدد الأمن في المنطقة.. ويؤثر علي إمكانات الدول العربية علي تنمية قدراتها في مختلف المجالات.. ويستتبع ذلك وجود استراتيجية لمواجهة تلك المخاطر وحشد الإمكانات التي تكفل نجاح تنفيذها خصوصا أن الأمن القومي العربي يواجه حاليا تحديات غير مسبوقة ومستوي من المخاطر لم تشهدها المنطقة من قبل.. وترتبط هذه المخاطر في جانب منها بالتدخلات الإقليمية والدولية في الشأن العربي بشكل لا يسهم في تهدئة الصراعات.. ولكنها وعلي مدي السنوات الأخيرة أخذت تغذي الصراعات الداخلية الكامنة داخل العديد من الدول العربية. وخلال اليوم الأول من الندوة نوقشت تطورات الأحداث في اليمن ولبنان والسودان والعراق وجهود تسوية الصراع العربي الإسرائيلي.. بالنسبة للتطورات اليمنية أكد عبدالحليم محجوب أن اليمن يواجه مستقبلا غامضا وهو مؤهل لأن يلقي مصير الصومال أو العراق، وأرجع ذلك إلي أن النظام هناك قبلي صاحبته توجهات إسلامية مقبولة من الدولة وجمود سياسي وفساد إداري وضعف الأحزاب وعدم التوازن في عملية التنمية الاقتصادية مما أثار الاعتراضات في مناطق كثيرة.. وتعاني اليمن من ستة حروب مع الحوثيين وتصاعد عمليات تنظيم القاعدة في اليمن التي أصبحت مركزا له في شبه الجزيرة العربية وتزايدت علاقات القاعدة مع الصوماليين.. كل هذا ساعد علي زيادة التدخل الإقليمي في الشأن اليمني قابله سعي أمريكي بالتنسيق مع إسرائيل لعسكرة الممرات البحرية جنوب البحر الأحمر بالتعاون مع أثيوبيا.. وعلق علي ذلك أنيس شبيلي الوزير المفوض بالسفارة اليمنية بالقاهرة قائلاً: الدولة المركزية رغم المشاكل استطاعت أن تواجة الحوثيين وتسيطر علي الأوضاع في الجنوب وتحاصر نشاط القاعدة وهو دليل علي أن اليمن لن يلقي مصير الصومال أو العراق . وأشار حسن أبوطالب إلي أن الحالة اللبنانية مؤهلة للانفجار وتعيش في حالة انتظار لقرارات المحكمة الدولية.. واحتمالات مواجهة عسكرية مع إسرائيل.. وحل لمشكلة سلاح حزب الله.. واحتمالات تنامي العلاقات السورية السعودية أو تراجعها.. باختصار لبنان يتأثر بالحالة الدولية والعلاقات الإقليمية والخلافات الداخلية وكلها عوامل متغيرة. وإذا كانت السودان تواجه تزايد احتمالات انفصال الجنوب..وتداعيات أزمة دارفور.. وضغوط المحكمة الدولية.. فإن الأزمات في العراق لا تتوقف علي عجز القوي السياسية علي تشكيل الحكومة الجديدة بل تمتد لتشمل تزايد النزاعات الانفصالية الكردية في الشمال وتزايد موجات العنف المسلح وتدني مستوي الخدمات.. وعن القضية الفلسطينية قال سمير غطاس إن إسرائيل نجحت بالفعل في تحقيق أهدافها ومنها عزل القدس ومنع تقسيمها عمليا وجغرافيا لصالح إسرائيل.. وأقامت بالفعل كتلة حرجة من المستوطنات في الضفة يصعب معها إقامة دولة فلسطينية، ومازالت عملية بناء المستوطنات مستمرة مما جعل حل الدولتين ينتمي للماضي.. كما نجحت إسرائيل في فصل غزة تحت سيطرة حماس التي ترفض المصالحة.. وفي كل الأحوال ستدفع السلطة الفلسطينية الثمن سواء نجحت المفاوضات مع إسرائيل أو فشلت.. وفي مواجهة كل هذا علي العرب البحث عن بدائل منها تدويل القضية.. ومنها خيار فياض وهو بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية بكفاءة وبدعم عربي ودولي.. وفي اليوم الثاني للندوة تناولت الأوراق البحثية والمناقشات التهديدات التي تواجه الأنظمة الفرعية للأمن القومي العربي في كل من الخليج والبحر الأحمر والمغرب العربي شارك فيها د. محمد مجاهد الزيات - مصر - وأحمد عبدالكريم سيف - اليمن - وعبدالله سالم الكعبي - الإمارات وتحولت الجلسة الختامية إلي حوار ساخن في محاولة لصياغة خريطة طريق للتعامل مع التهديدات التي يواجهها الأمن القومي العربي والاعتبارات التي يجب أن تشغل اهتمام السياسة المصرية في هذا المستوي وأدارها د. علي الدين هلال.