وسط أجواء متضاربة بين الفرحة والترقب، انشغل وزير الثقافة فاروق حسني المرشح المصري لمنصب مدير عام اليونسكو والفريق الدبلوماسي الذي تدير به وزارة الخارجية معركة الانتخابات في اجتماعات مطولة استعدادا للمرحلة الحاسمة في معركة الوصول إلي المنصب الدولي الرفيع، رغم توقعات سبقت الخبر السعيد بضمان فوز فاروق خاصة بعد الأداء والنتيجة المفاجئة للبعض التي قدمها خلال الجولة الأولي.. إذ تمكنت الدبلوماسية المصرية من قلب المائدة لصالح فاروق، بعد أن اكتسحها ب22 صوتا مقابل 8 لأقرب منافسة له. وعلمت "روزاليوسف" من مصادر مقربة من المرشح المصري أنه انشغل في اجتماعات سريعة مع الدول التي لم تعطه أصواتها لضمان الأصوات التسعة الباقية لحسم المعركة، حيث من المعروف أنه يجب أن يحصل علي 30 صوتا للفوز بمقعد المدير العام لليونسكو. فضل عدم التعليق علي هذه النتائج وترك الأمر للنهاية. وقالت مصادر دبلوماسية لروزاليوسف إن جهدا دبلوماسيا متصاعدا وحثيثا احتشدت له وزارة الخارجية بدءا من مساء يوم الخميس وطيلة يوم الجمعة، حيث وجهت رسائل لعدد غير مسبوق من وزراء الخارجية في مختلف قارات العالم وخاصة أفريقيا بقصد الاستعداد للجولات التالية من الانتخابات.. والتي كانت تدور وقائعها بينما المجلة ماثلة للطبع. وجاءت كل هذه الاجتماعات في أجواء من السرية، حيث شدد فاروق علي رجاله الابتعاد عن أي شيء يشغلهم إلا الترتيب للحظات الحاسمة خاصة أن المنافسين، رغم بعدهم لم يفقدوا الأمل وقرأوا خريطة الأصوات بسرعة وحاولوا تصحيح أخطائهم، فكان من الضروري أن ينهي فاروق علي آمالهم في العودة لأجواء المنافسة بإحباط أي محاولة للحصول علي أصوات جديدة بالتواصل مع المنافسين أصحاب الحظوظ الصعبة، خاصة هؤلاء الذين حصلوا علي صوتين وصوت ولا شيء بالتربيط معهم مقابل صفقات معروفة آلياتها في الأوقات العصيبة. وكان قد حصل وزير الثقافة علي أعلي الأصوات في الجولة الأولي بانتخابات اليونسكو بعد جهد كبير خلال الساعات الأخيرة التي سبقت الجولة الأولي والتي أطاحت بتربيطات المنافسة البلغارية الأقرب له "إيرينا كوبوفا" والنمساوية "بينيتا فيريرو"، حيث اعتلي القمة ب"22" صوتا، إلا أن ذلك لم يشفع له للفوز من أول جولة بمنصب مديرعام اليونسكو، حيث كان يلزمه الحصول علي أكثر من 03 صوتا، وجرت الإعادة بينه و7 مرشحين، في حين خرج من السباق المرشح الجزائري محمد بيجاوي الذي رشحته كامبوديا. وكان غريبا أن حصل ثلاثة من المنافسين علي 7 أصوات هم مرشحة الإكوادور إيفون باكي، ومرشح روسيا الكسندر ياكوفنكو، بينما حصلت مرشحة لتوانيا إينا مارسيوليونيت علي 3 أصوات، ومرشح بنين "نوريني سيربوس" حصل علي صوتين، ومرشح تنزانيا "سوسبيتر موهونجا" علي صوت واحد فقط، فيما لم يحصل بجاوي علي أي صوت إضافة إلي صوت باطل. الأكثر إثارة أن إسرائيل استمرت في ولولاتها علي وصول المرشح المصري لليونسكو، رغم أنها لم تكشف عن مساندة مباشرة لأي منافس ضده، حيث توقعت "معاريف" الإسرائيلية فوزه من الجولة الأولي للمساندة القوية والشعبية الجارفة التي تمتع بها فاروق بعد الحملة الدعائية التي قادتها جهات مصرية عديدة في مقدمتها الخارجية، وبعد أن حقق النتائج المفاجئة في الجولة الأولي لأول مرة في تاريخ انتخابات اليونسكو، أكدت أنه بذلك وصل وزير الثقافة المصري للمكان الذي حاولوا ألا يوصلوه له لأنه دعا لحرق الكتب الإسرائيلية، ووصفته أنه علي طريق النصر ونشرت صورته وهو يضحك متباهيا، وقالت إنه قطع شوطا مهما بهذه النتيجة التي حققها في الجولة الأولي، رغم أنهم في تل أبيب توقعوا أن يفوز من المرة الأولي، ولذلك استمرت الآمال الإسرائيلية معلقة بتحقيق مفاجآت اللحظات الأخيرة لإسقاط فاروق، لكنها كانت تعتمد علي المنافسة النمساوية التي تراجعت فجأة للمركز الثالث لصالح البلغارية، بفارق صوت واحد، ويشير المراقبون إلي أن تفتيت الأصوات من الممكن أن يلعب دورا كبيرا لصالح فاروق لكن مع بعض الحرص خاصة أنه خسر حوالي ثلاثة أصوات أفريقية بسبب المرشحين البنيني والتنزاني، في الجولة الأولي، حيث حصل البنيني علي صوتين والتنزاني علي صوت واحد، كانوا كفيلين باقتراب الفوز، وبالتالي ركز فاروق ومجموعته علي هذه الميزة التي من الممكن في أي قت أن تتحول إلي سلبية، ولذلك كانوا يقظين جدا. ومن ناحيتها نشرت الصحافة الإسرائيلية إلي تسريبات بفوز فاروق لابتعاد المنافستين الأقرب منه، ولضعف مستوي المنافسة علي عكس توقع البعض. وفي الوقت الذي حرص فيه فاروق علي الصمت بغرض التركيز للفترة المقبلة، أكد أنه يأمل أن يعيد لليونسكو بريقها ويشعر بأثرها رجل الشارع، وأعرب عن أمله أن تكون اليونسكو بقدر اسمها الذي تحمله ويعود إليها البريق اللازم ويكون لها فعل يشعر به رجل الشارع والإنسان البسيط وليس فقط المثقفون، وأن تصل المنظمة بالسلام الفكري وأيضا المادي إلي ما ينشده الجميع. ونفي حسني من جديد - في حديث لقناة "فرانس 42" وراديو "مونت كارلو" - الاتهامات الموجهة له بأنه معاد للسامية، مشيرا إلي أنه حضر في مارس الماضي الاحتفال الذي أقيم بمقر اليونسكو بباريس بذكري المحرقة وألقي خطابا بهذه المناسبة أدان فيه المحرقة. وحول استقباله للمفكر الفرنسي روجيه جارودي الذي لا يعترف بالمحرقة، قال حسني إن استقبال جارودي تم بمعرفة أحد أقسام وزارة الثقافة وليس بمعرفته هو شخصيا، وكان ذلك بمناسبة معرض القاهرة الدولي للكتاب، كما أنه ليس بالضرورة أن يكون من يوجه الدعوة لجارودي معاديا للسامية. وفيما يتعلق بكلامه بشأن حرق الكتب الإسرائيلية أو العبرية، قال حسني إنه اعتذر علي الكلمة التي صدرت منه لأنها كلمة لم تقل بالمعني الذي اتخذت به، مضيفا أنه شرح موقفه مئات المرات من قبل وأن هناك قصدا من جانب البعض بعدم التصديق، وقال "إن كلامي انتزع من سياقه وخرج للعالم من أجل اتهامي بأني أحرق الكتب وهذا الأمر بمثابة كذبة كبيرة جدا وبني عليها اتهامات وكذب من أسماء كبيرة ومفكرين بل وفلاسفة.. مما جعل الناس تصدق وهذه مأساة كبري". وأشار حسني إلي أن قرار التطبيع مع إسرائيل لا ينبع من وزير، وإنما من شعب مع شعب ومن مثقفين مع مثقفين، ولا يمكن تطبيقه إلا عندما يتحقق السلام ويتم توقيع اتفاق بين فلسطين وإسرائيل، وهنا سيفرض التطبيع نفسه.وفيما يتعلق بدعم فرنسا لترشيحه، قال حسني إنه يتمني ذلك لأن فرنسا تربطها بمصر علاقات عظيمة ولاسيما علي الصعيد الثقافي منذ أكثر من 002 عام، مضيفا أنه ليس متأكدا ولكنه يعتقد أن فرنسا بحكم طبيعة علاقتها مع مصر لا بد أن تؤيد مصر. وبالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية، أشار فاروق إلي أن أمريكا محايدة جدا تجاهه الآن، أما من قبل فلم يكن السفير الأمريكي محايدا ولكنه أصبح كذلك بقدر معقول. وحول طلب السفير الأمريكي من عدة بلدان عدم التصويت للمرشح المصري، قال حسني "إن هذا الأمر لا يمت للديمقراطية بصلة حيث يتعين أن تترك عملية الانتخاب حرة، ودائما ما تتحدث أمريكا عن الديمقراطية والشفافية، لذا كان لابد علي الأقل أن يحدث ذلك في اليونسكو". وفيما يتعلق بموقف إسرائيل، قال حسني "إن إسرائيل لم تدعم ترشحه ولكنها أوقفت الحملة الرسمية ضده من خلال السفارات"، مشيرا إلي الموقف السياسي بين العرب وإسرائيل، ولفت إلي أنه من ناحيته يفصل بين الموقف الإسرائيلي السياسي وبين يهود العالم الذي هو ليس ضدهم علي الإطلاق، لأن منهم كتابا وعلماء ومفكرين يمثلون ذخرا للإنسانية. وأشار حسني إلي أن مفهومه بالنسبة للتصالح معناه السلام الفكري والثقافي بكل معاييره. وحول مبادرته بشأن التقارب بين الثقافات، قال حسني "إن الأمر يبدأ بالتصالح سواء بين الأديان الذي يؤدي إلي تصالح الأفكار والتسامح، وكذلك التصالح بين الإنسان والطبيعة التي كانت تحمي الإنسان وتعد أم الوجود، غير أن الإنسان أساء للطبيعة ولابد أن يعود إلي مصالحتها من خلال نقل الثقافات والحضارات والفنون من قارة لأخري ومن مدينة لأخري لتحقيق التقارب الحضاري والثقافي وفي نفس الوقت يعد نوعا من الاستثمار الثقافي"، مشيرا إلي أن اليونسكو تحتاج إلي دعم مادي كبير، والقسم الثقافي باليونسكو يمكن أن يكون له عائد مادي يمكن أن يصرف علي مجالات التعليم والعلوم والعلوم الطبيعية. ومن ناحيتها علقت د. شادية قناوي رئيس وفد مصر الدائم لدي اليونسكو بباريس علي إنجاز فاروق بأنه إيجابي للغاية، حيث لم يسبق أن حصل أي مرشح لمنصب مدير عام اليونسكو من قبل علي أكثر من عشرين صوتا من الجولة الأولي للانتخابات، وهو الأمر الذي يعد بمثابة نجاح جيد لفاروق حسني. وأضافت إن المرشح الثاني التالي للمرشح المصري لم يحصل سوي 8 أصوات فقط، كما لم تحصل شخصيات كبيرة مثل نائب وزير الخارجية الروسي والمفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية وسفيرة الأكوادور إلا علي 7 أصوات لكل منهم. وأشارت إلي أن الوفد المصري أجري خلال الساعات القليلة الماضية تحركا مكثفا لدي البلدان التي لم نتأكد من أنهم قد أعطوا المرشح المصري أصواتهم للحصول علي هذه الأصوات، وكذلك التحرك لدي المرشحين الذين لم يحصلوا علي عدد كاف من الأصوات من أجل الحصول علي الأصوات التي أخذوها في حالة انسحابهم، فضلا عن التأكيد علي البلدان التي أعطتنا أصواتها في الجولة الأولي، لضمان الحصول علي أصواتهم في الجولة الثانية أيضا. وتوقعت د.شادية قناوي أن ينسحب بعض المرشحين الذين لم يحصلوا علي أصوات أو حصلوا علي صوت أو اثنين، مشيرة إلي أن الليتوانية إينا ماركليونتي لن تنسحب علي الأرحج من السباق.