ليست المرة الأولى، التى أحس فيها، بالتعب الشديد، حينما أبدأ، فى كتابة النوتة الأبجدية، والمقامات اللغوية، ل "غناء القلم". فى الحقيقة، أنا أكتب أفضل، حينما أكون "مفصولة"، عن صحتى.. و"هاربة" من عافيتى. ربما "التعب" يجبرنى على اختيار أجمل الأشياء داخلى، الأكثرها امتلاء بالشحنات العاطفية، فى وقت سريع.. خوفا من أن "ينشط التعب"، ويجعلنى عاجزة حتى عن لمس القلم. وربما، يجعلنى "التعب" أكثر تواضعا. والتواضع، يحولنى إلى إنسانة أفضل؟! وربما.. لا أكتب أفضل.. وأتوهم ذلك. الجو عالى الحرارة.. والقلوب منخفضة البرودة.. الهواء مليان رطوبة.. والعقول مصابة بالجفاف.. فكيف لا أتعب؟! يموت الناس حولى، من الفيروسات، وتفشى الأوبئة، وانهيارات الأرض، وتسمم الوجبات الدرامية، والإعلانية، الرمضانية.. ومن قلة الحيلة.. ودائما "العين بصيرة والإيد قصيرة".. ودائما "الذكر" هو المهاب المفضل.. فكيف لا أتعب؟! لا أتعب، كيف؟ وقد سادت اللغة الدينية فى جميع الأديان، وفى العالم كله، ليرتفع صوتها، مخنشرا، إرهابيا، مخيفا، متخلفا، متعصبا.. متزمتا.. كاذبا.. فاسدا، متضخم الذكورية.. متشبعا بالزيف.. والصيد فى الماء العكر.. متخما بالترهيب، والتجهم، والتكفير، والترصد، والمصادرة، والتصفية وإهدار الدم، والضرب بكرابيج تم تصنيعها فى بؤر خفية، وأخرى علنية أكثر خطورة. كرباج "ازدراء الأديان"، كرباج إساءة للذات الإلهية.. ارتداد عن الدين؟! لا أتعب كيف؟ وهذه اللغة الدينية السائدة، قد غطت الجنس البشرى كله.. غطت النساء، بالتلافيف والطرح، والعبايات، والحجاب، والنقاب، والملايات، والستاير، والبطاطين والجلاليب، والإسدالات. وغطت "الرجال" أيضا، بالتلافيف، والطرح، والعبايات، والحجاب، والنقاب، والملايات، والستاير، والبطاطين، والجلاليب، والإسدالات. الفرق بين تغطية النساء، وتغطية الرجال، فرق رفيع جدا، وسميك جدا.. فرق مختلف جدا، متشابه جدا، هو آلية واحدة، وكل جنس أخذ نصيبه، وفقا لنوعه البيولوجى، ومفاتنه الجسدية الفتاكة. اتغطت النساء بالحرير والكشمير من القماش. اتغطت الرجالة، بالسلف الرجعى من النقاش. كيف لا أتعب، ويوميا، تطالعنى أغلب الصحف والمجلات، ب "الكذب" فى وضح النهار.. ودون دليل.. ودون أدب، ولا أحد، يسائلها، أو يحاسبها، من أين لك هذا؟! وما هى دوافعك الخفية؟! كيف لا أتعب، وأنا، كل يوم، أرى، كيف تفقد "الصحافة" صفتها الشعبية، أنها "السلطة الرابعة"؟! وكيف امتلأت المطبوعات الصحفية، من كل لون، وشكل، وحزب، وتيار ب أسماء، لا تعرف - ولا تريد أن تعرف - الفرق، بين صحافة "الأقزام"، وصحافة "الأقلام"؟! وهذا جزء أساسى، من تراجع سلطة، ورسالة صاحبة الجلالة، حين تم تجاهل أحدث مؤلفاتى فى الشعر، والذى ترجم إلى الإنجليزية، من إحدى دور النشر فى نيويورك، منذ ثلاثة شهور، وعنوانه، "مسافرة إلى المحال". من شعراء، ونقاد، ومجلات أدبية، وبرامج أدبية، وصفحات أدبية، ورؤساء لجان الشعر، والبائسين من انحدار، وانحسار، الشعر، وخاصة ب أقلام النساء، والذين هم دائمو الصراخ: أين الشعر؟ أين شِعر المرأة؟ ولماذا لا يترجم؟.. ولماذا هن قليلات، النساء الشاعرات؟.. حين يحدث هذا، كيف لا أشعر بالتعب؟! كيف لا أشعر، بالتعب، من اشتياقى الطويل، اليائس، لهبوب عاصفة واحدة، من عواصف "العدالة"، المختبئة من عيون الأرصاد، غير المعتادة فى هذا الوقت من العام، فتمطر، فرحا، قلوب الملايين من الغلابة نساء، ورجالا، وأنا أولهم. كيف لا أتعب، حينما، أقرأ لواحد، يصف نفسه بأنه "ناقد أدبى"، وأجد مقالته، تصفية مواقف شخصية، وانعكاسا للعقد النفسية لديه تجاه النساء.. وتفضح جهله المدقع بأنماط الكتابة المبدعة، التى قد تتداخل بينها الأجناس الأدبية المختلفة.. وتكسر كل أشكال الكتابة، والنقد، وتلقى النص كما هو.. بلغته.. وأبجدياته.. وتحليقه.. السلطة للكاتب. وحينما لا يكون فى حياتنا، أى شىء، له بعض مذاق ديمقراطية.. أو أى شىء، به "شبهة" عدل، إلا "الموت".. فكيف لا أتعب؟! من بستان قصائدى منذ أزمنة بعيدة والملايين من الناس صائمون عن "الحياة".. ولا يفطرون إلا على "الموت"..