فى عام 2001 تم إنشاء 4 شركات للبترول لتحقيق البرنامج الانتخابى للرئيس السابق «حسنى مبارك» فى مسألة تعيين العمالة المؤقتة أو بمعنى أصح «القضاء على البطالة»، وهذه الشركات بدأت ب«الشركة القابضة للغازات»، والتى قامت بتوقيع عقد تصدير الغاز المصرى لإسرائيل، ثم شركة «جاسكو»، والتى تقوم بتصدير الغاز المصرى لإسرائيل، ثم «جمعية الإسكان»، ثم «التاون جاز». فى نفس العام ظهرت شركة «بتروتريد»- وهو المكان الذى تدور فيه أحداث قصتنا هنا - والتى من المفترض أن تستوعب 6 آلاف شخص فقط حسب قدرة واحتياجات الشركة، إلا أنها بقدرة قادر أصبحت فى عام 2009 تستوعب أكثر من 16 ألف شخص!.. لتتوقف التعيينات بعدها، وكان السبب فى هذا العدد الضخم من التعيينات أنها كانت تتم بعشوائية، دون مراعاة لأى مؤهلات، فقط «الواسطة» و«المحسوبية»، لدرجة أنك تجد بالشركة موظفين خريجى أصول دين! بطل قصتنا الأول «كريم رضا»- أحد موظفى «بتروتريد»- هو فى الأصل ناشط سياسى، انتمى لحركة «كفاية» فى عام 2004- ثم انضم بعدها لحزب «الغد»، تم اعتقاله خمس مرات، ثم انتقل للعمل فى شركة «بتروتريد» منذ عام 2007- بعدما كان فى «هيئة المواد النووية»- ونشاط «كريم رضا» السياسى كان معروفاً بالتأكيد لضباط أمن الدولة الذين استدعوه لل«دردشة» على حد قولهم! يقول «كريم»: «كان يتم توزيع استطلاعات رأى داخل الشركة ويُطلب منك إفراغ بياناتك فيها، وكانت تذهب لأمن الدولة!.. وفى عام 2007 تم تعيين أشخاص قبلى و(اتركنت على جنب) بسبب آرائى ومواقفى السياسية»!. بعدها اتصل به أحد ضُباط أمن الدولة لل«دردشة» كالعادة، وبعدها تم إصدار قرار بتاريخ 4 ديسمبر 2007 بتعيين «كريم رضا»، وكان السبب أنه لا يوجد لى نشاط سياسى داخل الشركة فقط خارجها، وبالتالى كان من السهل مراقبته! وفى شهر سبتمبر 2009 حينما اكتشف أنه لا يوجد لجنة نقابية، والمحسوبية هى الأساس، لدرجة أنك تستطيع أن تنتقل بأى مكان داخل الشركة من خلالها. يضيف «كريم رضا»: «بدأت أقرأ عن حقوق العُمال، ففى المادة 32 فى قانون العمل المُفترض أن نحصل على نُسخة من عقد العمل والواقع العكس! .. لهذا قُمت بعمل حملة على الFacebook لتوعية العمال، ولم يأتِ وقتها سوى شخص واحد فقط هو وحيد عبد الصمد وهو أمين الإعلام بحزب المصريين الأحرار بالغربية الآن». وهناك شركات درجة أولى VIP مثل إنبى وبلاعيم محجوزة للمسئولين الكِبار ولحبايبهم .. وهناك شركات الدرجة الثانية للبسطاء! ويكمل رضا حديثه قائلا: «ولأننى طالبت بحقوق كثيرة ولإعلانى عن موقفى المُضاد لتصدير الغاز لإسرائيل .. لم يتم تجديد عقدى ورحلت عن الشركة فى عام .2009 وكان وقتها رئيس الشركة هو وفيق زغلول الذى وضع لائحتين للتعامل مع العُمال والموظفين داخل الشركة، إحداهما علنية، والأخرى تحت الترابيزة»! قضايا بالجملة رفع العديد من العمال قضايا وقتها بسبب عمليات الفصل التعسفى، ووصلوا إلى ما يُقارب 86 حالة فصل تعسفى، خاصةً وأن «كريم رضا» قبلها كان قد دعا لاعتصامات، منها ذلك الاعتصام الشهير أمام وزارة البترول والذى أدى لأن يقوم «وهبة عيسى»- وكيل أول وزارة البترول وقتها بسب العمال. ولأن العمال قد تعبوا من محاولات الكر والفر مع الإدارة، فذهبوا لرئيس الشركة وقتها «وفيق زغلول»، وطالب منهم التنازل عن القضايا التى رفعوها بل وعن الحقوق التى طالبوا بها مُقابل عودتهم للشركة، وهو ما استجاب له البعض منهم بالفعل. ما بعد الثورة كانت الأمور تزداد اشتعالاً، تمت الدعوة لإضراب كبير، واستطاع «كريم رضا» بمساعدة زملائه المُعترضين مثله على الأوضاع السيئة فى القطاع وتصدير الغاز المصرى لإسرائيل بحشد 10 آلاف عامل أمام الشركة والمطالبة بتطبيق اللائحة الأساسية لا تلك الأخرى غير المُعلنة، وعودة المفصولين مع وقف تصدير الغاز المصرى لإسرائيل. كانت الاستجابة بأن يتم إبعاد اللواء «محمد مصطفى درويش» عن رئاسة الشركة ليأتى «سعيد مصطفى كامل» مع العِلم أن الأخير والذى كان مدير عام الشئون الإدارية بشركة «جاسكو» والتى تقوم بتصدير الغاز المصرى لإسرائيل، والتى يُطالب «كريم رضا» وزملاؤه بإلغائها، وهو ما يؤكد لك مدى العبقرية حقاً. وكانت النتيجة عدم تطبيق اللائحة الأساسية، وكالعادة إسكات العمال والموظفين بزيادة الراتب الأساسى، ليتم خصمه بعدها على دفعات فى الرواتب اللاحقة. وكان أن ضمت قائمة الأسماء التى تم فصلها تعسفيا: وحيد عبد الصمد من طنطا لنشاطه العمالى.. محمد زكى وهو محصل لا يمتلك أى مهارات أخرى تمكنه اليوم بمزاولة مهنة مختلفة.. حمدى خيرت من الإسكندرية رئيس قسم ومحاسب ولديه شبه إعاقة فى يده.. أسامة سيد عسكر- ابن عضو مجلس الشعب الإخوانى الشيخ سيد عسكر- وقضيته لم تُحسم وهو ما دفع عبد الله غراب- وزير البترول الحالى- بمقابلة الشيخ سيد عسكر والنظر فى قضية ابنه، لكن الشيخ رفض هذا وصمم على أن يتم النظر فى باقى القضايا الأخرى، بل والبحث فى قضايا الفساد وغيرها». يقول بطل قصتنا الثانى «أحمد عثمان» قيادى عمالى بارز بشركة «بتروتريد» بالمنصورة: «كان هناك أمل لدى كثير من الشباب أن يتم تعيينهم فى الشركة، فهو حائط الأمان الذى يستندون عليه فى يوم ما، ولكن كانت الإدارة متعنتة للغاية، كما أن أسلوبها انتقائى فى اختيار المُعينين دون وجود شىء تستند عليه فى اختيار شخص دون آخر، وهذا أدى إلى أن تظهر الاعتصامات والاحتجاجات وغيرها. ويتابع: «كانت بداية الاحتجاجات فى 2006 ، حيث قمت بكتابة مقال لى على مدونة على الإنترنت، سمع عنها الكثيرون، وكان الكل ينتقدنى بسببها، فقناعاتى الشخصية هو أننى ضد تصدير الغاز لإسرائيل، لكن الكثيرين من موظفى الشركة كانوا معترضين فقط على السعر الذى يتم به التصدير لإسرائيل مقارنة بنا لا أكثر، وذلك حتى لا يفقدوا وظائفهم». بعد سلسلة الاحتجاجات والاعتصامات والتى كان من بينها فكرة عدم تصدير الغاز لإسرائيل تم إصدار قرار فى عام 2008 بتثبيت كل من مر عليه 6 سنوات، دون الحديث من قريب أو بعيد عن فكرة تصدير الغاز لإسرائيل، بل كان من الواضح أن هذا القرار لتهدئة الأجواء لا أكثر والبُعد عن الاستمرار فى الأفكار المضادة ل«دولة صديقة». فى عام 2009 قام «أحمد عثمان» بعمل منشورات، يقول عنها: «كانت تُوزع لدى شركات أخرى غير بتروتريد، وكان الهدف هو إظهار الموقف الشعبى المصرى العام من تصدير الغاز المصرى لإسرائيل فهو صاحب الثروات وهو فوق الحكومة أياً كانت». بعدما تم فصل «كريم رضا» تعسفياً بسبب موقفه هو الآخر المشابه لموقف «أحمد عثمان» كان هناك حالة هياج عام، مِمَا دفع بالإدارة أن تتخوف من أن تفصل أى زميل آخر بسبب نفس الموقف!.. ويُضيف «أحمد عثمان»: «كان نتيجة مواقفى هو أن يُدرج اسمى فى تقارير أمنية، كانت تذهب لأمن الدولة، لدرجة أن أحد الضباط أتى إلى بيتى لاستجوابى، لولا وجود جارى والذى يشغل منصباً مهمًا وقتها ساعدنى على الخروج من هذا الموقف، واكتشفت بعدها أنه تم حذف اسمى من كشوف التثبيت وقت الثورة نفسها، تحديداً فى شهر فبراير قبل تنحى مبارك». ثورة بدون ثورة فى شهر مارس وبعد ثورة 25 يناير 2011 تم إصدار لائحة، تضمنت فى أحد بنودها أنه ممنوع منعاً باتاً على الموظفين والعُمال هناك إصدار أى تصريح للإعلام، وإلا تعرض الموظف للعقاب بالخصم أو الفصل بعد العرض على المحكمة العمالية، وهو ما يتعارض مع حرية الرأى والتعبير!.. المدهش أن هذه اللائحة ما زال معمولاً بها إلى الآن رغم كل التطورات التى تشهدها الساحة السياسية المصرية، وكأن الثورة لم تصل بعد لقطاع البترول! لكن هذا ليس كل شىء ف«أحمد عثمان»- كما أخبرنا- ينتظر أن يُعرض على التحقيق قريباً لأنه يُعلن عن موقفه المستنكر لتصدير الغاز المصرى لإسرائيل علانيةً، خاصةً وأنه أصدرGroup على ال Facebook بعنوان «عمال البترول لمنع تصدير الغاز لإسرائيل».. كما أن هناك التقارير السرية السنوية التى تُكتب عنه- وليس من المعروف من هو المسئول عنها أو ما هو معيار التقييم لأنه مطاط- وبرغم أن التقرير قبل الأخير ل«أحمد عثمان» هو أن خبرته 7 سنوات فى العمل بقطاع البترول وبالتالى فتقييمه «جيد جداً»، لكن يظهر التقرير الأخير- والذى صدرَ مُنذ أيام العكس، فكان تقييمه «جيد» فقط بناءً على توجيهات من الإدارة العليا.. والمعنى واضح !