العيب ليس في الشعب.. بل في الوجوه الجديدة التي تفشل في تقديم نفسها.. خاصة أننا لانؤمن بالتغيير من أجل التغيير!! صدمة قوية تعرض لها كل المتابعين للمشهد الساخن جدا في انتخابات الأندية الرياضية، فرغم توفر كل عناصر العملية الديمقراطية الكاملة فيها، والتي يدور حولها جدل كبير بين القوي السياسية والفكرية في سياق الانتخابات البرلمانية والمحلية، إلا أنها لم تأت بأي جديد، ولم تحرز أي تغيير في الوجوه، لدرجة أن بعض مجالس الإدارات تكاد تكون هي.. هي وكأنها بالتعيين!.. هذه الصدمة فرضت علي الساحة تساؤلات حول هل لايميل المصريون إلي التغيير، أم أن شعار اللي نعرفه أحسن من اللي ما نعرفوش، تأصل، أم أننا نخاف من الوجوه الجديدة، ونرفض أن نترك مستقبلنا في يدها؟! واجهنا العديد من السياسيين المهتمين والمتابعين لانتخابات الأندية بهذه التساؤلات لقراءة المشهد بأبعاده عن قرب، فوجدنا الأغلب يري أن الناس مهما كانت ثقافتهم لاتهمهم سوي مصالحهم الشخصية.. وليس مهما بالنسبة لهم إن كان وجها قديما أو جديدا، مع ملاحظة الخبرة في التجربة السابقة تكسب القديم البقاء لدرجة أنهم يرفضون أي جديد، رغم أنه لاتشكيك في نزاهة أي انتخابات بالأندية ولا جدل فيها حول الإشراف القضائي كما يحدث في الانتخابات السياسية، وأيضا رغم أن معدلات المشاركة في انتخابات الأندية تفوق كل التقديرات، علي العكس تماما من حجة العزوف عن الانتخابات السياسية بدعوي أنه لا فائدة.. فالصوت لن يحدث أي تغيير! من ناحيته حلل مرسي عطاالله الرئيس السابق لنادي الزمالك الموقف بشكل سلبي داعيا الجميع للاستسلام لهذه الظاهرة، مؤكدا أن الانتخابات السياسية وانتخابات الأندية تحولت لتحصيل حاصل برغم نزاهتها، ولذلك لا تأتي بالجديد، وهذا انعكس علي مستوي جميع الأندية الرياضية.. وأيضا الأحزاب والنقابات وتسبب في تدهورها، لأنها لم تعد تبحث عن روح التغيير، فالرتابة والتعود علي الوجوه القديمة سمة أساسية أصبحت تحكم أعضاء النوادي الرياضية وكذلك المراكز الشبابية.. وعلي نفس المنوال الأحزاب والنقابات بل والمجتمع المدني وبعض الدوائر الانتخابية! فيما شخص د. حسام بدراوي رئيس لجنة التعليم بأمانة السياسات بالحزب الوطني خوف الناس بأنهم يرفضون المخاطرة في البحث عن الوجوه الجديدة، ولذلك طالب بضرورة سن قانون يتيح لرؤساء الأندية البقاء لدورتين فقط حتي وإن حققوا بطولات وخدمات.. والكلام بالأحري من الناحية السياسية سيكون أيضا علي الأحزاب والتشكيلات السياسية من النقابات المهنية والاتحادات الخدمية والجمعيات الأهلية والمدنية، فعلينا - حسبما يقول: أن نربي في الأجيال معني الاختيار والتجديد في الدماء الراكدة، مشيرا إلي أن استمرار هذه الوجوه القديمة تنتج عنه الشللية وتضارب المصالح، وفي النهاية سيتحمل الجمهور هذه الخسارة، وسوف يصبح من الصعب ترسيخ معاني الديمقراطية، موضحا أن الإقبال علي انتخابات الأندية ليس جديدا لكنه في زيادة مطَّردة، وضرب مثالا بالنادي الأهلي الذي وصل أعضاؤه إلي 071 ألف عضو، ولم يتقدم للانتخابات إلا 02 ألفا فقط.. أي بنسبة 02٪.. وهذا يؤكد أن تطبيق بعض الأنظمة الإدارية كالقوائم مثلا قد ينتج عنه شعور أحد الأعضاء المنشق عن هذه القائمة بأنه منبوذ لبعده عن الجمعية العمومية. محمد هيبة أمين الشباب بالحزب الوطني برر عدم رغبة الناس في التجديد ببحثهم عن الإنجازات التي تحققت خلال الفترات الماضية ، حيث يرغبون أن تكمل في إعمال الوجوه القديمة ما بدأوه خوفا من أن يأتي الجديد ولا يثمر شيئا سوي الفشل! لكنه رفض التسليم بمقولة اللي نعرفه أحسن من إللي ما نعرفوش، مشيرا إلي أن الناس لا يفضلون المجازفة في أشياء غير مضمونة.. لذلك لا يسعون وراء الشعارات الوهمية ويظلون يسعون وراء من يحقق أهدافهم حتي لو لم تكن جميعها ! ويري د. نبيه العلقامي وكيل لجنة التعليم والبحث العلمي والشباب بالشوري ومدير مركز شباب الجزيرة.. إن الشعب فطن ومن الصعب خداعه فهو يسعي لمن يحقق أهدافه بغض النظر عن كونه من الأجيال الجديدة أم القديمة، كما أنهم يبحثون عن الاستقرار، وعادة ما تقل رغبتهم في التغيير إذا وجدوا ما يبحثون عنه في القديم، لخوفهم الدائم من تقلبات المستقبل الذي يعتبرونه من وجهة نظرهم لا يبشر بخير! وكان للدكتور عبد المنعم عمارة الرئيس الأسبق للمجلس الأعلي للشباب والرياضية ونادي الإسماعيلي رأي مغاير تماما، فقال: إن النوادي أصبحت كالقبيلة التي تحكمها التقاليد والأعراف التي يصعب اختراقها.. والقبلية التي تحكم الموقف في مختلف دوائرنا الانتخابية، والتي تؤثر علي نتائج الانتخابات، خاصة نظام القائمة الذي تسبب في خوف الناس من الخروج عن الأسماء الموجودة فيها بالرغم من أن بعض ممثليها قد يلجأون إليها لعدم قدرتهم علي التعامل مع الآخرين، ويحتمون في أسماء أخري تحبها الناس! بينما رفض المهندس حسين صبور - رئيس مجلس إدارة نادي الصيد والمرشح للرئاسة للمرة الرابعة في الانتخابات المقرر إجراؤها في 12 أغسطس الجاري التسليم بعدم رغبة الجمهور في التغيير، قائلا: إن النادي منذ دورتين سابقتين كان خاليا من الخدمات التي ترضي جميع الأعضاء مما دفعهم لتغيير المجلس بكامله.. وتكرر هذا الشكل في الدورة السابقة، لكنه يري أن انتخابات الأندية تختلف تماما عن الانتخابات الأخري، لأن العضو يبحث عن خدمة جيدة، خاصة أن معظم العائلات أصبحت تقضي جميع أوقاتها في الأندية، وبالتالي فالذي يستطيع أن يقدم الجديد لهم سيكون الأصلح. بينما أكد (محمد مصيلحي) - رئيس نادي الاتحاد السكندري الجديد القديم الذي فاز منذ أيام بدورة ثانية بعد الفوز علي منافسه عفت السادات في انتخابات ساخنة: إن الشعبية والمصداقية والبرامج الانتخابية التي ترتب رؤية الناس للمستقبل القريب اساس الاختيار، موضحا أن الناس ليسو سذجا فهم يستطيعون التفرقة بين الذي يسعي لمصلحتهم، والذي يسعي لتحقيق مصالحه، فالتغيير أحيانا لن يكون هو الحل لمجرد كونه جديدا! وهذا أيضا ما أكده المهندس سيد جوهر - رئيس لجنة الشباب والرياضة بمجلس الشعب وعضو مجلس إدارة نادي الترسانة - المنتخب منذ أيام ضمن قائمة غير معلنة للرئيس السابق (محمد الملاح) المتهم بمخالفات مالية في النادي، مشيرا إلي أن الوجوه القديمة لديها كشف حساب مسبق عن إنجازاتها بعكس الجديد الذي يقدم فقط آمالا وطموحات علي ورق ربما تتحقق في المستقبل، ولكن بنسبة ضئيلة للغاية، مضيفا أن الوجوه القديمة متماسكة وأكثر احتكاكا عن الجديدة ، وربما يكون هذا سببا لبعد الناس عن اختيار الجديد وتفضيلهم عدم التغيير! وقال المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس إدارة المقاولون العرب: إن هذه الظاهرة ليست جديدة، فهي طبيعة الشعب المصري، الذي يحب القوائم الناجحة المستقرة التي لديها خطة ورؤية واضحة وقادرة علي تحقيق طموحاته، كذلك الحال في الأحزاب السياسية والنقابات المهنية. أما د. فؤاد بدراوي نائب رئيس حزب الوفد فيري أن المسألة لا تقف عند حد التغيير ، وهذا قد يتحقق في الانتخابات السياسية فقد يتمسك الناس بعضو مجلس شعب أو شوري حقق خدمات لدائرته ويعيدون انتخابه مرة ثانية ، وفي حالة فشله، فلن ينتخب مرة أخري، وهذا أكده الحديث النبوي الشريف: (المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين)، فالشعب يفضل التغيير دائما، ولكن يسعي وراء من يحقق أهدافه وطموحاته مهما كانت النتائج والعواقب التي سوف يتحملها! أما سمير فياض - نائب رئيس حزب التجمع فقال: إن الطبقة المتوسطة بشرائحها العليا والوسطي والدنيا هي فقط التي تنتمي إلي الأندية ، أما بقية المصريين الذين يمثلون 06٪ من السكان فبيئتهم عشوائية ، وبالتالي فالتغيير لن يفيدهم ، وقال: إن الطبقة الوسطي إذا اتجهت للتغيير فستسقط في مستنقع الفقر والعشوائية ، لذلك تأمل عدم التغيير حتي تحافظ علي موقعها القيادي كما أنها لا تثق في القيادات البديلة، وتحتاج طوال الوقت لتأمين وضعها ونضالها حتي لا تسقط في هوة مستقبل لا تعرفه وتقلق من الخوض فيه لعدم قدرتها أساسا علي تحمل عواقبه. من جهة أخري، أكد حافظ أبو سعده الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن العيب ليس في الشعب لعدم رغبته في التغيير وإنما المشكلة تقع علي الأطراف الأخري التي تقدم نفسها خارج السلطة وتفشل في ذلك بصورة حقيقية مع الشعب، فتقنعهم بإنجازاتها التي قد تكون وهمية، وإنما فقط قائمة علي فكرة التعود، موضحا أن المصريين تواجههم مشكلة كبيرة، فهم لا يقتنعون بفكرة التغيير من أجل التغيير، وإنما دائما ليس لديهم الثقة في البرامج والأهداف التي سوف يقدمها الطرف الآخر، لذلك فإن شعارهم دائما (إللي نعرفه أحسن من إللي ما نعرفوش) ومثالا علي ذلك رفض المصري البعد عن وادي النيل، فهو مسالم لا يحب المخاطرة حتي لو لم يحقق كل طموحاته، فيؤمن بالبركة والقدر، ودائما يراوده هاجس الخوف من المستقبل، وبالتالي يرفض الوجوه الجديدة. ؟