غني لمبارك.. لا لم يكتف بالغناء كان هو الملحن الرسمي الأول للنظام ..أمسك بالعود والدف والرق، وهو يبايع ويؤازر ويرقص لحسني مبارك.. بعد الثورة لم يعتذر عما فعله من جرائم غنائية، ولكنه توجه مباشرة إلي جانب الثوار معتمدا علي أن ذاكرة الناس تشبه ذاكرة الأسماك التي تنسي كل شيء بعد أقل من الفيمتو ثانية !! كانت دموع «عمار الشريعي» واحدة من أشهر معالم ثورة الشباب في مصر.. تابع الناس دموع «عمار» مرتين، الأولي عبر التليفون مع المذيعة «مني الشاذلي» بعد أن بات مؤكدا أن النظام المصري يترنح،والثانية مع «مني» أيضا بعد أن تأكد من نهاية النظام وذهب للاستديو وسجل معها لقاء طويلا واختنقت كلماته بالدموع ثم ذهب - بعد أن صار الطريق ممهدا - إلي ميدان التحرير فاستقبله الشباب بدفء وحرارة علي اعتبار أنه أحد الأصوات الداعمة لهم.. بعد ذلك صارت دموعه واحدة من اللقطات الثابتة في العديد من الفضائيات ورصدتها مؤخرا قناة «التحرير» في بثها التجريبي لتصبح إحدي أيقونات ثورة 25 يناير !! •• الحقيقة هي أن «عمار الشريعي» كان أكثر ملحن مصري استفاد من اقترابه من النظام منذ مطلع التسعينيات وفي عز سطوة «صفوت الشريف» وزير الإعلام الأسبق.. كانت الدولة تستعين به منفردا لكي يقدم الأوبريتات التي تتغني ليس بانتصار الجيش المصري في 73 ولكن مباشرة بحسني مبارك.. عمار كان أحد أهم الأسلحة الناعمة الداعمة لنظام مبارك.. وهو يبرر ذلك قائلا في أكثر من حديث صحفي أن «صفوت الشريف» كان يقول له: نريدك أن تغني للعريس يقصد «حسني مبارك»، وهكذا ظل يغني للعريس مرددا «اخترناه اخترناه وإحنا معاه لما شاء الله»، وكانت الدولة أيضا تسند له تقديم أوبريتات أعياد الطفولة التي أقيمت تحت رعاية «سوزان مبارك» والأوبريتات الرسمية لمهرجان الإذاعة والتليفزيون والأوبريتات الدينية مثل الليلة المحمدية وغيرها.. بل أكثر من ذلك كانت الجوائز التي تمنحها الإذاعة المصرية تتوجه مباشرة وكل عام بتعليمات مباشرة من «صفوت» إلي «عمار» ليصبح هو الملحن الأول.. الدولة منحت «عمار» الكثير لأنه كان صوتها فهو ملحنها الأول الذي يقول لحسني مبارك في أحد الأوبريتات «عايزينك بدون انتخابات».. أي أنه يدعو للرئيس الأبدي بلا انتخابات، ولكن الاستبداد هو ما كان يغني ويدعو له.. يقول «عمار» أنه توقف عن تلحين الأوبريتات المباركية في السنوات العشر الأخيرة، والحقيقة أن منطق الأمور هو أن الدولة اتجهت من أجل تحقيق جماهيرية أكبر إلي الجيل الجديد من الملحنين ولم يبادر عمار بالامتناع، والدليل أنه في عام 2005 وضع الموسيقي التصويرية لحديث الساعات الست الذي سجله «عماد أديب» مع «مبارك» لدعمه في ولايته الخامسة!! كان من الممكن لعمار - لو أراد - علي مدي السنوات التي استعانوا بألحانه أن يقول لا ولكنه كان سيفقد في هذه الحالة تلك الملايين التي ترصدها له وزارة الإعلام ويفقد الحماية الأدبية من خلال الجوائز التي تمنحها له الدولة سنويا عن طريق استفتاءات الكل يعلم أنها مضروبة وأولهم «عمار» نفسه، لأن «صفوت الشريف» طوال أكثر من 23 عاما - وزيرا للإعلام - كان لا يسمح بأن تذهب الجوائر إلا لمن ينافقون النظام وعلي رأسهم «الشريعي»!! •• «عمار» لم يكن مجبرا علي التلحين لدولة فاسدة وتسخير موهبته للغناء للحاكم، وأنا أقر بأن «عمار» ولاشك أحد الموهوبين في مجال الموسيقي إلا أنه وضع هذه الموهبة تحت طلب الدولة، «عمار» أدرك مبكرا أن الثورة من الممكن أن تنتصر وتطيح بالعهد البائد كله، وبعدها سيبدأ الناس في البحث عن الفنان الذي باع نفسه للسلطان سوف يكتشفون أن «عمار» كان أحد أهم أعمدة النظام السابق. كانت دموع «عمار» في البرنامج التليفزيوني «العاشرة مساء» مع «مني الشاذلي» هي آخر أسلحته للقفز من مركب «مبارك» الغارق لا محالة واللحاق بقطار الثورة المنطلق حتما.. ولكنني واثق تماما أن وقت الحساب قد اقترب وسوف يتأكدون أن «عمار» كان يحاول بدموعه الساخنة أن ينافس دموع «أمينة رزق» في أفلامها القديمة !! نعم لحن «كمال الطويل» وكتب «صلاح جاهين» وغني «عبد الحليم» لجمال عبدالناصر إلا أنهم كانوا صادقين والدليل أنهم لم يتنكروا ولم يهاجموا «عبد الناصر» بعد رحيله.. كل الأغاني التي قدمت لثورة يوليو لم يحصل مبدعوها علي أي مقابل، بينما غني «عمار» للعريس الذي كان يجزل له «النقوط»!! هل يملك «الشريعي» القدرة علي الاعتذار للجمهور الذي كان يضحك عليه بغنائه للحاكم الفاسد أم أنه يثق تماما أن دموعه تكفي لمحو ذاكرة الناس !!