يقول المثل السائر أنه إذا كان المتحدث مجنونا فإن المستمع يجب أن يكون عاقلا، ويقول الواقع إنه إذا كان بعض السلفيين قد أصيبوا بكل هذا الجنون، فإنه علي الدولة أن تكون عاقلة وتتدخل وتشرح لنا ماذا يجري؟ ولماذا يجري؟ فضلا عن أنها كان يجب أن تكون أكثر عقلا فتتدخل لتلقي القبض علي مرتكبي الحوادث التي تواترت أخبارها علي مسامعنا طوال الأيام الماضية. الواقع يقول أيضا أن وتيرة الحوادث التي كان السلفيون طرفا فيها باتت تتصاعد وتصاغ بشكل يشي بنوع من أنواع الجنون، وكان اللافت للنظر أنه في كل الحوادث كان هناك فعل، ولم يكن هناك ثمة عقاب علي هذا الفعل، كان هناك حضور سلفي طاغ وكان هناك غياب تام ومثير للتساؤل للدولة سواء كان التدخل عبر المجلس العسكري، أو عبر قوات الشرطة التي يفترض أنها عادت للتواجد في الشارع. -سمعنا عن الفعل ولم نسمع عن رد الفعل حين أقدم السلفيون للمرة الأولي في تاريخ مصر الحديث علي هدم الكنيسة في قرية صول بأطفيح، ثم الاعتصام في موقع الكنيسة المهدومة رافضين إعادة بنائها مرة أخري، ولم يكن ثمه رد فعل سوي التعهد ببناء الكنيسة مرة أخري والاستعانة بالشيخ السلفي محمد حسان لإقناع المعتدين بشرعية إعادة بناء الكنيسة مرة أخري، ولم يكن هناك ثمة حديث عن عقاب المعتدين أو مساءلتهم ولو بشكل صوري، وبالتالي لم يعرف الرأي العام من هم المعتدون؟ ولا إلي أي فصيل سلفي ينتمون؟ وهل هم منضوون تحت لواء جماعة معينة أم أنهم أفراد ينتمون للتيار السلفي العام. --- ورغم أن التسوية العرفية لماحدث بدت مقبولة نوعا ما في حادث الكنيسة نظرا لوجود سوابق كثيرة للتسوية العرقية في الحوادث الطائفية إلا أن تكرار الأمر في حادثة قطع أذن المواطن القبطي عادل متري بدا مثيرا للتساؤل، فضلا عن أن الحادث نفسه صيغ بشكل يبدو غرائبيا، وجنونيا لدرجة كبيرة، ومرة أخري لم نر أي رد فعل رسمي سوي مبادرة شيخ الأزهر باستقبال المواطن القبطي وعلاجه علي نفقة الأزهر، ومرة أخري تم التصالح عرفيا، ولم نعرف من هم المتهمون؟ وما هي أسماؤهم، وما حقيقة الجماعة التي ينتمون إليها، وكان هناك إغفال متعمد لحق المجتمع، حيث تنازل المجني عليه عن حقه الخاص وبقي حق المجتمع في تطبيق عقوبة العاهة المستديمة فيمن ارتكبوا هذه الحادثة، وكانت كل هذه التساؤلات المشروعة مشرعة في وجه الجميع لكن لم يكن هناك سوي الصمت والغموض! هذا الصمت والغموض والرائحة الجنونية والغرائبية للحوادث سيطرت مرة أخري ونحن نسمع عن حادثة السلفي الذي قتل أحد جيرانه في إحدي قري البحيرة، وقالت الروايات مرة أنه قتله لأنه لايصلي! في حين قالت رواية أخري أنه قتله لأنه (يسب) الدين، واكتمل المشهد حين أعلن المتهم أنه لن يتحدث للمحقق إلا في حضور الشيخ السلفي محمد حسان! ومرة أخري لم نعرف هل المتهم مجنون أم عاقل؟ وهل هو سلفي بالفعل أم مدع للسلفية، وإذا كان سلفيا فما هي جماعته؟ ومن هو شيخه؟ وهل استفتي جماعته وشيخه قبل أن يقدم علي هذه الخطوة؟ في نفس الاتجاه يمكن أن تسير لتري حوادث مثل إقدام السلفيين في مدينة السادات علي طرد سيدة من منزلها وإحراقه بدعوي الاشتباه في سلوكها، ثم إقدام السلفيين في قليوب علي هدم أربعة أضرحة تاريخية تضمها المدينة وتصريح قائدهم للصحافة أنه وزملاؤه مأمورون بالقتال حتي يشهد الناس بوحدانية الله، ويتوقفوا عن زيارة الأضرحة! ومرورا بالتهديدات التي نسبت للسلفيين والتي توعدت القبطيات والمسلمات غير المحجبات بالتشويه بماء النار إذا خرجن من المنازل دون حجاب. ما زاد من الغموض أيضا أن التيار السلفي في الإسكندرية وهو واحد من أكبر الفصائل السلفية سارع بإصدار بيان يعلن فيه أن الجماعة السلفية لم ولن تتعرض لغير المسلمين ول(العصاة) من المسلمين بأي نوع من الأذي، ويؤكد أن الدعوة السلفية لم تفعل شيئا من هذا في ظل الغياب الكامل لأجهزة الأمن، فكيف تقوم بذلك بعد عودة رجال الأمن؟ البيان الذي استنكر أن يكون العنف أسلوبا للدعوة السلفية اتهم وسائل الإعلام بأنها تروج الأكاذيب وتختلق وقائع غير صحيحة! وأن الدليل علي عدم صحتها هو أنها لم تثبت في محاضر الشرطة!! وأنها لاتفعل ذلك سوي خدمة للثورة المضادة! هذا البيان نفسه هو إحدي حلقات الغموض المسيطر علي المشهد، فالدعوة السلفية في الإسكندرية فصيل سلفي مهم لكنها ليست الفصيل السلفي الوحيد، هناك سلفيو أنصار السنة، والجمعية الشرعية، والمتحلقون حول نجوم الدعوة السلفية، وهناك أيضا وهذا هو الأخطر عناصر السلفية الجهادية من المفرج عنهم مؤخرا والذين يفترض فيهم أنهم نبذوا هذا النوع من العنف الذي كانوا يمارسونه في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. هذا الغموض تزداد حلقاته ضيقا أو اتساعا في ضوء الصمت التام من المجلس العسكري ووزارة الداخلية والحكومة بكاملها إزاء هذه الحوادث، وعدم التدخل سواء لمنع وقوعها أو حتي لتفسيرها بعد أن تحدث. وإلي جانب عدم وجود تدخل أو تفسير رسمي إزاء سلسلة حوادث بهذه الخطورة، لابد للعين أن تلاحظ أن ثمة خذلانا رسميا للأزهر ولشيخه المستنير رغم ما يبديه الرجل من تحمل للمسئولية إزاء ما يحدث فرئيس الوزراء لم يقابله، ولا المجلس العسكري استضافه والهجوم عليه من داخل الأزهر وخارجه وصل إلي ذروة الذروة. في حين أن وزير الأوقاف يبدو مستسلما تماما لفكرة استيلاء الدعاة السلفيين علي منابر وزارة الأوقاف حتي إن أخباراً تحدثت عن أوامر من الوزارة لدعاتها بترك المنابر لأمراء الجماعة الاسلامية المفرج عنهم حديثا. وبالإضافة لكل هذا يبدو أننا إزاء غموض تام في استخدام مصطلح السلفية الذي أصيب بالترهل، وعدم الوضوح، وعدم التحديد، ولم نعد نعرف من هو المقصود بوصف السلفي، وهل هو الشخص الفرد أم المنتمي إلي جماعة؟ وهل هو الذي يمارس تغيير المنكر باليد أم الممتنع عن هذا؟ وهل هو الشخص الذي يؤمن بتغيير المجتمع عن طريق منهج التصفية والتربية أم عن طريق الجهاد وقتال الناس حتي يكونوا مؤمنين، هذا الغموض الذي يكاد يصل إلي حد الجنون يبدو في حاجة لمن يشرحه ويوضحه فضلا عن أن يمنع الممارسات التي تشكل عصبه الأساسي وهو ما يدفعنا أن نتساءل بقوة عن سر هذا الصمت الحكومي .